سمير أمين: اقتصادي تحرُّري من زمن الأنساق السياسية
سعيد بوخليط
من بين الأسماء اللاَّمعة، ضمن زمرة مفكِّري اليسار الماركسي التقدُّمي، الذين اغنوا أكاديميا خلال القرن العشرين، أدبيات الخطاب الثوري العالمي ومن خلاله العربي، بمفاهيم تلهمها تجارب تحرُّرية رسَّخت مرتكزات الانعتاق التاريخي للإنسان بمفهومه الشامل، أي الإنسان عبر هويته المتكاملة والمتعدِّدة؛ ضمن محيطه المادي وفي عموميته وتجرُّده.
أقصد هنا تحديدا، التراث المعرفي الذي راكمه الاقتصادي المصري الشهير سمير أمين، المفكِّر الأممي، والأستاذ والمناضل، المرتبط ذهنيا وكذا وجدانيا قبل أيِّ شيء ثان، بمنظومة العالم الثالث أو دول الجنوب (المتخلِّفة) مثلما نُعِتَت خلال سنوات المدِّ التحرُّري وسياق نظام القطبين، بحيث كَرَّس حياته تنظيرا وممارسة، وفاء للنظرية الماركسية الداعية إلى التداخل البنيوي الدائم، بين النظري والعملي بناء على التحليل الملموس للواقع الملموس، بهدف إخراج تلك الدول من ربْقَة تخلُّفها المقرر سلفا.
آمن سمير أمين، غاية آخر يوم في حياته بالقوة التحرُّرية التي يجسِّدها العالم الثالث، وضرورة مواجهة الامبريالية الاحتكارية، بالسعي إلى الانفكاك من منظومة قانون التطور اللامتكافئ بين الأطراف والمركز، الذي يشكِّل أساس وجوهر تخلُّف منظومة الأطراف.
بين أحضان أبٍ مصري وأمٍّ فرنسية، مارسا معا مهنة الطب، صُقِلت شخصية سمير أمين الذي ولد شهر سبتمبر 1933غادر مصر سنة 1947 نحو باريس. انضمَّ إلى صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، مع قناعته الإيديولوجية بالتصور والتأويل الماركسي لماو تسي تونغ، مقابل أدبيات الماركسية السوفياتية التي انتقدها .ناقش عام 1957 في جامعة السوربون أطروحته لنيل الدكتوراه، تحت عنوان: ”الآثار الهيكلية للتكامل الدولي للاقتصاديات قبل الرأسمالية. دراسة نظرية للآلية التي تخلق ما يسمى بالاقتصاديات المتخلفة”.
ظلَّ مرتبطا على الدوام بقضايا العالم الثالث، ومصير شعوبه لمواجهة الوحش الامبريالي بين طيات الاستغلال الرهيب الذي يوطده أخطبوطه الاقتصادي. عاش مجمل أطوار حياته داخل البلدان الإفريقية. بعد فترة سِتَّةِ أشهر قضاها في باريس، ضمن قطاع الدراسات الاقتصادية والمالية، عاد إلى القاهرة كي يشتغل في معهد ناصر للإدارة الاقتصادية (1957-1960). غادر نحو مالي، مستشارا لوزارة التخطيط في باماكو خلال فترة رئاسة موديبوكيتا. دَرَّسَ الاقتصاد في جامعة هوفيت بوانييه وداكار، ثم مستشارا اقتصاديا لحكومات الجزائر والكونغو ومدغشقر، كما أشرف على معهد الأمم المتحدة للتخطيط الاقتصادي بداكار لعشر سنوات طوال السبعينات، رافضا نظريا وعمليا، مقولات سائدة حول التنمية والتحديث وخطط المؤسَّسات المالية الدولية، وشارك خلال تلك الحقبة في تأسيس منظمات بحثية وعلمية أفريقية،مثل المجلس الأفريقي لتنمية البحوث الاجتماعية والاقتصادية ومنتدى العالم الثالث.
اعتُبرت هذه المرحلة الميدانية، ورشا تكوينيا جوهريا بالنسبة لبلورة مشروع سمير أمين، قصد بثِّ بذور التنمية داخل بلده مصر وكذا المجال الإفريقي. ألهمه ذلك، المبادئ النظرية الأولى لأعماله الصادرة سنوات الستينات، ثم بداية استيعابه آليات الرأسمالية الاحتكارية، وبنيات النظام العالمي اللامتكافئ التي تؤدِّي سبلها إلى منظومة إغناء الأقوياء، وترسيخ فقر الفقراء بحيث تتدفَّق الثروة من دول الأطراف نحو بلدان المركز، وفق نعت سمير أمين بـ”الرِّيع الامبريالي”، لذلك دعا عبر تطور مشروعه التأملي قصد خلق عالم متعدِّد المراكز والأقطاب، وضرورة تخلُّص دول الأطراف من نسق التنمية وطبيعة الضغوط الممارسة من طرف المركز، فكان رائد مصطلح المركزية الأوروبية، وملهم أبحاث نظرية التبعية.
أيضا، اشتغل مستشارا لحكومات فينزويلا والصين وفيتنام. شَكَّل فكره مرجعية أولى لتنظيم الخمير الحمر في كمبوديا.
يوم 12 أغسطس 2018، توفي سمير أمين في داكار حيث عاش هناك طويلا قبل رحيله.
أثمر اجتهاد سمير أمين الذي استمر لستة عقود تقريبا، على إبداع عشرات المؤلَّفات المهمَّة؛ تحديدا اثنتي وأربعين إصدارا، شرحت موضوعاتها البنيات التأسيسية للمنظومة الرأسمالية، غاية تطوراتها الامبريالية والاحتكارية بحيث أ نَّ اقل من عشرين مجموعة مالية تسيطر راهنا على 90% من عمليات النظم التقنية والمالية العالمية. تأرجحت أبحاثه مثلما تدل عليها عناوينه الصادرة، بين المقاربات الاقتصادية البحثة بحكم تخصُّصه في المجال،لكن دائما حسب رؤية سياسية ثورية موصولة بخلفية ماركسية، ماوية أساسا،فتبلورت مفاهيم مثل التبادل اللامتكافئ، الفيروس الليبرالي، إمبراطورية الفوضى، كما أعاد تسليط الضوء على قانون القيمة من زاوية المادية التاريخية.
أيضا، وبنفس ذات الزخم المعرفي الاستشرافي، اتَّجهت اهتماماته صوب مفاهيم مركَّبة ومتداخلة، يستدعي تأويلها روافد نظرية تنهل من حقول شتى انصبت على موضوعات: الأمة العربية، القومية، صراع الطبقات، الأمة، التاريخ، المغرب العربي المعاصر، الاقتصاد العربي المعاصر، الماوية والتحريفية، البحر الأبيض المتوسط في العالم المعاصر، نظرية الثقافية، الدولة الوطنية، الدولة والدين، الخطاب العربي الراهن، المجتمع والدولة في الوطن العربي، الاقتصاد السياسي، الإسلام السياسي، العولمة، العولمة، الاشتراكية واقتصاد السوق، العلاقات العربية الأوروبية، الصراع حول المياه، مستقبل دول الجنوب…
الخيط الناظم لمتواليات مشروعه التنويري، أساسه رؤية تقدمية تطورية، تستلهم أولا وأخيرا، خلاصات المتن الماركسي وأدبيات حركات التحرُّر، تتوخَّى فهما عميقا لمنظومة الرأسمالية ضمن حركة تطورها، غاية ولوج نفق العولمة وتسيُّد وجهها الاحتكاري، ثم الكوارث الشاملة المحدقة بالبشرية قاطبة؛الظاهر منها والباطن، بكيفية حتمية إذا لم تتحقَّق معجزة التغيير الجذري الملحّ والمطلوب، عبر تكتل القوى المناهضة، فالنهاية وشيكة نتيجة الاختلالات النوعية التي يعمِّمها وحش الرأسمالية الاحتكارية، فتسرع بالجميع نحو موت إرادي؛ دون ترك أثر يذكر، مادام الاندحار شاملا وجارفا كالسيل العرمرم يلتهم مختلف دواعي الحياة في هذا الكون، مما يدعو بقوة إلى ضرورة التخلُّص من نسق هذا النظام العدمي، بإعادة بناء أممية دينامية دولية جديدة، وتحالف مقاوم يحتوي أفرادا ينتمون إلى طبقات مختلفة، يمثِّلون ضحايا للإمبريالية على جميع المستويات، لاسيما أنَّه نظام لن يترقَّب موته السريري نتيجة الركود والأزمات والحروب والفيروسات ومتواليات الانحدار صوب الهاوية، بل سيلتجئ حتما بكل مايمتلكه من جبروت مالي وتقني، قصد الحفاظ باستمرار على موقعه المركزي، ولعل إجابات ذلك في العالم الراهن، الانبثاق الجديد للأحزاب الفاشية واليمينية المتطرِّفة. عالم صار عدميا وفوضويا وعنيفا جدا، بعد انهيار النظام الشيوعي وتدجين الديمقراطية الاشتراكية في أوروبا؛ التي امتثلت أخيرا أحزابها إلى ضرورة الرأسمالية، وكذا تراجع الأفق الذي أرساه مؤتمر باندونغ سنة 1955.
اختبر تاريخ الرأسمالية ثلاثة مراحل: التجارية (1500 -1800)، التوسعية (-1800 1880)، الاحتكارية (1800 – غاية اليوم)، بعد اجتياز الأخيرة مرحلتين أساسيتين على مستوى تشكُّلها. امتدَّت المرحلة الأولى من نهاية القرن التاسع عشر، حتى الحرب العالمية الثانية تميزت خلالها الرأسمالية بطابع وطني تبلورت في إطارها الامبرياليات الكبيرة آنذاك يعني بريطانيا، أمريكا، ألمانيا، فرنسا. بينما تعود المرحلة الثانية، إلى منتصف السبعينات، وبداية تجليات ملامح الرأسمالية الاحتكارية المعمَّمة. إنَّها احتكارات، القِلَّة المعولمة التي تتوزع بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان وتمتد امبرياليتها من خلال قنوات اقتصادية وعسكرية ومالية.
لا يمكننا فهم النظام الرأسمالي وطبيعة تطوره التاريخي، سوى إذا نظرنا إليه كنظام متكامل، يتكون من البلدان المتقدمة التي تشغل المركز، ثم البلدان المتخلفة القابعة عند أطراف النظام، تحكمها علاقة تبعية عمودية، ترهن دائما مصير بلدان الأطراف إلى جبرية التخلف، وبالتالي عجزها الهيكلي عن اللحاق بتطورات اقتصاديات الرأسمال العالمي، نتيجة قانون الاحتكارات الذي تحتفظ به بلدان المركز الأوروبي، ولامخرج من هذه التبعية سوى بحتمية التجرؤ على تقويض المنظومة السائدة، وتقويض مرتكزات هذا الاقتصاد العالمي، بالتركيز على التنمية المحلية وخلق تنمية ذاتية، وضرورة تأميم الاحتكارات الكبرى والمؤسَّسات المالية المصرفية، سعيا تحو التمكُّن من الانتقال بالمنظومة الاقتصادية وجهة الاشتراكية.
هناك نظام إمبريالي عالمي واحد يشمل الجميع، الشمال والجنوب معا أو المركز والأطراف. ترتبط الرأسمالية والامبريالية خلال جميع مراحلهما، تمتدُّ من غزو أمريكا إبان القرن السادس عشر وصولا إلى مرحلة الرأسمالية الاحتكارية. يعرِّف سمير أمين الامبريالية بقوله: ”دمج المتطلبات والقوانين لإعادة إنتاج الرأسمال، والتحالفات الاجتماعية والمحلية والدولية التي تقوم عليها والاستراتجيات السياسية التي تستخدمها هذه التحالفات”. بهذا الخصوص، تتجلى باستمرار أهمية الماركسية، وأدواتها التحليلية. يضيف: ”أعتقد أنَّ الماركسية أكثر أهمية وراهنية اليوم مقارنة بأيِّ وقت مضى، كما أنَّه لا يوجد نصّ نشر في منتصف القرن التاسع عشر وله هذه الراهنية مثل البيان الشيوعي، حيث يصف العديد من سمات الرأسمالية التي كانت موجودة في ذلك الوقت وتمتلك راهنية كبيرة في الظروف الحالية، نحن بحاجة لماركس اليوم”.
ينظر سمير أمين بارتياب وتشكيك إلى معطيات المركزية الأوروبية، التي تبلورت خلال الفترة الرأسمالية، عندما كانت أوروبا مهيمنة. إنها مشروع عالمي يستهدف تشكيل منظومة عالم متجانس حسب النموذج الأوروبي عبر عملية الاستقطاب، التي حدَّدها في أربع آليات :
* تهريب رأس المال من الأطراف إلى المركز؛
* الهجرة العمالية؛
*احتكار الشركات المركزية للتقسيم العالمي للعمل؛
*سيطرة المركز على سبل بلوغ الموارد الطبيعية.
هكذا، تعكس التنمية والتخلُّف وجهين لتوسُّع الرأسمالية العالمية، كما أنَّ تخلُّف بلدان الأطراف مصدره الأول والأخير، طبيعة اشتغال هذه البنية غير المتوازنة، وليس نتيجة خصائص كامنة اجتماعيا وثقافيا، بل يحيل تخلُّفها على شروط وتداعيات بنية التبعية التي يعتبر سمير أمين رائدها في العالم الثالث وأبرز بناة نسقها النظري، مستندا طبعا على المرجعية الماركسية، موظِّفا مفاهيمها التحليلية الإجرائية كـ”قانون القيمة العالمية”، ”الاستغلال الفائق لتحليل الاقتصاد العالمي”. ذلك أنَّ قانون القيمة العالمي، قوامه استغلال دول الأطراف، بمنح دول المركز امتياز احتكار التكنولوجية، والهيمنة على التدفقات المالية والقوة العسكرية والمنظومة الإيديولوجية ثم بلوغ منابع الموارد الطبيعية.
لقد استشرف دائما سمير أمين بناء على أفقه العلمي التحرُّري، الأزمات الكبيرة التي تلاحق بنيويا ودوريا النظام الرأسمالي، من ثمَّة دعوته المتكرِّرة طيلة حياته إلى مقاومة جبروت الاحتكارات الرأسمالية وبناء مجتمع إنساني عادل. يوضح حيثيات تكهُّنه بالأزمة منذ بداية سنوات السبعينات: ”خلال تلك الحقبة أنا واقتصاديين أمثال فرانك كنيت، جيوفاني أريغي، إيمانويل واليرستين، هاري ماجدوف، بول سويزي، أكدنا بأنَّ الأزمة الجديدة الكبرى ابتدأت.نعم أزمة كبيرة وليست صغيرة نتيجة اهتزازات مثلما هيَّأت ذلك إشارات قبلية، يتذكر سمير أمين، الأستاذ الشرفي ومدير منتدى العالم الثالث في داكار وصاحب مؤلفات كثيرة ترجمت على امتداد مختلف ثقافات العالم. يقول”لقد نظروا إلينا كمجانين، أو كشيوعيين تصوروا رغباتهم حقائق، بحيث يسير كل شيء على ما يرام، لكن الأزمة الكبيرة ستبدأ خلال تلك المرحلة، واستمرت مرحلتها الأولى بين سنوات 1972-1980″ (1). فالشروط الموضوعية لإمكانية تأزُّم الرأسمالية ماثلة دائما، فالأزمات ملازمة لها يفرزها تطورها بكيفية متواترة، وينبغي النظر لها وفق تصور شمولي حتى تُفهم اللعبة، واستشراف نتائج كارثة هيمنة احتكارات الأقلية أو المطلقة التي وضعت الاقتصاد في أزمة تراكم، منذ بداية القرن العشرين. كانت هناك قطاعات مهيمنة ماليا وصناعيا مثل صناعة الحديد، الكيمياء، السيارات…، ثم منذ ثلاثين سنة، أضحى تمركز رأسمال بلا ضابط عام،سمحت خلال السياق الحالي بسيطرة خمسمائة احتكار على شرايين الاقتصاد العالمي، ثم تدفُّق العائدات والثروات بين أيادي فئة قليلة على حساب الأغلبية الساحقة، مما يسرع بالرأسمالية نحو: ”مرحلة الشيخوخة، التي يمكن أن يقودها إلى حمَّامات دم ضخمة. مع حقبة كهذه، تؤدي الحركات الاجتماعية والاحتجاجات إلى تغيرات سياسية، نحو الأحسن أو الأسوأ، فاشيين أو تقدميين. هل ينجح ضحايا هذا النظام في تشكيل تناوب إيجابي، مستقل وراديكالي؟ هكذا اليوم الرهان السياسي” (2).
إنها رأسمالية الكازينو والمضاربات المالية، مع استئثار جماعة من السماسرة، وضعت العالم في قبضة المجرمين المتسيِّدين بتعميم الفساد والمتآمرين على قيم الإنسانية، مقابل تراجع المقاولين المدافعين عن المبادرة الفردية، يضيف سمير أمين، والحقوق والحريات الليبرالية وكذا التضامن الوطني.
الرأسمالية التي هيمنت على العالم منذ سنة 1970، عبر خمسة روافد أبرزها سمير أمين في الهيمنة على منافذ الموارد الطبيعية، التحكُّم في التكنولوجية، المِلْكية الذهنية، وسائل الإعلام، النظام المالي والنقدي، ثم أسلحة الدَّمار الهائلة، لازالت بصدد نحت مسارات قصد تسريع تخريب الفرد والطبيعة والشعوب ولعل النتائج المباشرة لذلك تظهرها قضايا المناخ، الموارد الطبيعية والبيئة، ذلك أنَّ مستقبل البشرية قد أضحى هشّا جدا وعلى كفِّ عفريت، نتيجة التملُّك الخاص لتلك الموارد والاستغلال المفرط لكوكب الأرض.
تصف نظرية سمير أمين، قانون القيمة العالمي بنظام التبادل اللامتكافئ، بحيث يكون الفرق في الأجور بين القوى العمالية عبر دول مختلفة، أكبر من الفرق على مستوى إنتاجيتها، وتتيح التجارة الحرَّة وكذا فتح الحدود أمام الشركات المتعددة الجنسيات، كي تأخذ الاحتكارات الرأسمالية الوجهة التي تريد بهدف الحصول على يد عاملة رخيصة، ثم تتدخل الحكومات بغية تعزيز وتعضيد مصالح شركاتها، غير آبهة بالحاجات الحقيقية للدول المعنية أو باقي المجموعة الدولية.
والحالة تلك، فدول الأطراف غير مرتبطة بأسواق العمل الدولية، الخاضعة في هذا الإطار إلى قانون”تنمية التخلُّف”، بحيث يزداد التراكم داخل دول المركز، بينما تكابد دول الجنوب وجود جيش احتياطي من العاطلين.طبيعة وكيفية وضع هذه البلدان في السوق العالمية، الذي تنظِّمه الرأسمالية الاحتكارية بشكل غير متكافئ، أفسح المجال داخل مجالاتها الجغرافية لنموِّ بورجوازية كومبرادورية، مقابل تآكل البورجوازيات الوطنية صاحبة المشاريع المجتمعية البنَّاءة.
تستدعي الحتمية التاريخية، ضرورة مقاومة سطوة نظام موبوء يمثل فقط هواجس مجنونة لأوليغارشيات مالية جشعة بصدد تدمير الإنسان والمحيط البيئي، ولامخطَّطات في جعبته سوى إشعال الحروب وإنتاج الكوارث وتعميم الفوضى.
طرح الخيار الأفضل، كمسؤولية تاريخية ملقاة على كاهل اليسار الراديكالي، ليس بالأمر الهين سواء في الشمال أو الجنوب. رهان يستدعي جرأة كبيرة بغية انتقال الحركات الشعبية من المقاومة إلى الهجوم البديل.
_________________________________________
www.ptb.be/weekblad/artikel(1)
(2)ibid