سعيد حجي وقضية المرأة: رؤية نهضوية في سياق الحركة الوطنية المغربية

سعيد حجي وقضية المرأة: رؤية نهضوية في سياق الحركة الوطنية المغربية

عائشة بوزرار

           عاش  سعيد حجي في فترة تاريخية حاسمة شهدت زخما في النضال ضد الاستعمار في أفق بناء الدولة المغربية الحديثة، مما أثر بشكل عميق في تشكيل رؤيته لقضية المرأة التي اعتبرها عنصرا رئيسا من التفكير الحداثي والوطني، وبذلك فقد ربط بين تحرر المرأة والتحرر الوطني، معتبراً أن نهضة المجتمع لا يمكن أن تتحقق دون المشاركة الفاعلة للمرأة في مختلف المجالات.

ففي المجال التعليمي، كان لسعيد حجي دورا رياديا في الدفاع عن حق الفتيات في التعليم، حيث أسهمَ في تأسيس مدارس للبنات ودعم التعليم المختلط، مؤمناً بأن التعليم هو المدخل الأساسي لتحرير المرأة وتمكينها من المشاركة في بناء المجتمع، ولم يقتصر دوره على التنظير، بل شارك بشكل فعال في تطوير المناهج التعليمية وتأسيس المؤسسات التربوية.

كما تميز موقفه من قضية المرأة عبر الجمع بين المرجعية الإسلامية والحداثة؛ مستندا في ذلك إلى القيم الإسلامية الأصيلة في الدفاع عن حقوق المرأة، مع انفتاحه على المستجدات العصرية، رافضا التفسيرات المتشددة التي تحد من دور المرأة، مؤكداً أن الإسلام كرم المرأة ومنحها حقوقاً واسعة.

وفي سياق الحركة الوطنية، شجع حجي مشاركة المرأة في النضال ضد الاستعمار، وذلك بدعم تأسيس الجمعيات النسائية والإسهام في توعيتها بحقوقها الوطنية والاجتماعية. فقد رأى أن تحرير الوطن/ الأرض لا ينفصل بتاتا عن  تحرير الانسان، والمرأة التي يعتبرها أساس الأسرة، من القيود الاجتماعية والثقافية التي تعيق تقدمها، والقيام بدورها في المجتمع.

 وعلى المستوى الثقافي، فقد ترك حجي إرثاً متنوعا ومهما من الكتابات والمقالات التي تناولت قضايا المرأة، ووثق نضالاتها وحضورها الفعلي والرمزي انطلاقا من رؤية مثقف للحاضر والمستقبل، لذلك كتب كثيرا وبإلحاح في هذا الموضوع، حتى أن كتاباته ما زالت تحتفظ بقوة الرؤية وأبعاد الاستشراف وبتلك الراهنية التي تشكل مرجعاً مهماً للباحثين والمهتمين بتاريخ الحركة النسائية المغربية.

وفي المجال الاجتماعي، دعا إلى إصلاحات جذرية تشمل قوانين الأسرة وحقوق المرأة في العمل والمشاركة السياسية. مثلما طالب بالمساواة في الحقوق والواجبات، مع مراعاة خصوصيات المجتمع المغربي وقيمه الإسلامية السمحة .

كما تميزت منهجيته في معالجة قضايا المرأة بالواقعية والتدرج، فقد أدرك أن التغيير الاجتماعي يحتاج إلى وقت وجهد متواصلين، لذلك تبنى استراتيجية تدريجية تراعي ظروف المجتمع وتقاليده.

وقد واجه سعيد حجي تحديات كبيرة من التيارات المحافظة المعارضة لأفكاره، لكنه استمر في الدفاع عن رؤيته الإصلاحية مستنداً إلى الحجج العلمية والشرعية. ونجح في التأثير في جيل كامل من المفكرين والمصلحين الذين واصلوا مسيرته في الدفاع عن حقوق المرأة، وفكر التحرر.

 بناءً على كل هذه المعطيات التي تعكسها آراء مثقف مغربي في النصف الأول من القرن العشرين، اتخذت صبغة مواقف شجاعة تعكس دور ومسؤولية سعيد حجي تجاه قضايا بلده، وهي قضايا  من صلب العمل الوطني والثقافي، نرى أن سعيد حجي ينتمي إلى تيار فكري حمل رؤى مشابهة لتلك التي طرحها كل من علال الفاسي وبعض الإصلاحيين المعاصرين له بصيغ متقاربة ولكل منها خصوصيتها وزاوية معالجتها. فقد كان لكل من هؤلاء الأدباء تأثيره البارز في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز مفاهيم القومية والوطنية في المغرب.

تركزت أفكار علال الفاسي على القومية والهوية العربية الإسلامية، مشدداً على أهمية الاستقلال والتغيير الاجتماعي، بينما سعى محمد بن الحسن الحجوي إلى تعزيز مفهوم الدولة والمواطنة من خلال تطوير المؤسسات القانونية والإدارية، وهما  معا يشتركان في الإيمان بأهمية التعليم بوصفه وسيلة للتقدم، والنضال من أجل حقوق المغاربة في زمن الاستعمار، رغم اختلاف أساليبهما، وأحيانا مواقفهما، فكل واحد منهما  يمثل رؤية تساهم في تشكيل الهوية المغربية.

وقد استند الحجوي في رؤيته الإصلاحية للمرأة المغربية على منهجية علمية قائمة على الاجتهاد الفقهي المستنير ومقاصد الشريعة، مُقدماً رؤية تربط تحرر المرأة بتقدم المجتمع.  دافع عن حقوقها الاجتماعية، كحق العمل والمشاركة العامة، مُنتقداً العادات المقيدة لحرّيتها، وطالب بإصلاح نظام الميراث وفق الشريعة، كما أولى اهتماماً خاصاً بقضايا الزواج والأسرة، مُنادياً بتحديد سن الزواج ومُعارضاً للزواج المبكر، وداعياً لتنظيم العلاقات الأسرية على أسس شرعية تضمن حقوق جميع الأطراف.

أما  علال الفاسي والذي يعتبر من الأدباء والسياسيين المغاربة الذين تناولوا قضية المرأة بمنظور إصلاحي، مستنداً إلى أسس شرعية وفكرية متينة، فقد تميز طرحه بالجمع بين الأصالة والحداثة، حيث سعى إلى تحرير المرأة من القيود الاجتماعية والثقافية التي فرضتها التقاليد البالية، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية والخصوصية المغربية. وقد ربط بين تحرير المرأة والتنمية الشاملة للمجتمع، معتبراً أن أي تقدم حقيقي لا يمكن أن يتحقق دون مشاركة المرأة الفاعلة. وفي هذا السياق، انتقد بشدة العادات والتقاليد التي تحول دون تمكين المرأة من حقوقها، مؤكداً أن هذه الممارسات لا تمت للإسلام بصلة.

يمكن القول إن سعيد حجي قدم نموذجاً فريداً للأديب المغربي الذي جمع بين الالتزام بالهوية الوطنية والانفتاح على العصر برؤية تملَؤُها المعرفة والرؤية الاستشرافية، حينما بيّن قضية المرأة والنهضة الشاملة للمجتمع، وأسّس لخطاب إصلاحي متوازن ما زال تأثيره مستمراً في الفكر المغربي المعاصر.

وقد  ساهمت رؤيته الثاقبة وجهوده العملية في تحسين وضع المرأة المغربية وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة. ويبقى إرثه الفكري والنضالي مصدر إلهام للأجيال الجديدة المهتمة بقضايا المرأة والإصلاح الاجتماعي في المغرب والعالم العربي.

شارك هذا الموضوع

عائشة بوزرار

باحثة بماستر الإعلام الجديد والتسويق الرقمي، جامعة ابن طفيل - القنيطرة، المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!