الوجود الممكن

الوجود الممكن

سعيد بوخليط

           تستعيد رحابة وجودكَ. فليأتِ قطار الموت، إذن!

تضاريس الجسد، ترانيم العزلة، بلاغة صمتٍ مطبق بلا نَفَس.

لا أحد ينتظركَ، لا تنتظرُ أحدا، لا تنتظر الانتظار، الحياة لا تنتظر، جميعنا ينتظر شيئا لا يحدث، ننتظر غودو رفقة غودو نفسه.  

 الانتظار موت جبان.

الموت ذاكرة عذراء.

أخيرا، أنتَ كما أنتَ حقا ، مثلما ينبغي لكَ أن تكون افتراضا.

تبدأ بداية أخرى، غير كل ما تحقَّق، ثم تعلن عن ولادة أصيلة، مثلما تليق بكَ.

تنبعث هذه المرَّة، خارج مصيركَ وفق مبتغى إرادتكَ، ترحل رحيلا دؤوبا وجهة عالم يتَّسع صِحَّة وعافية لنفسه، بلا هوية تذكر ولا ذاكرة هوية و لا تاريخ ولا جغرافية ولا ذاكرة ولا نماذج مؤرِقة.

عالم يشبه، أوَّلا وأخيرا، وجوده الشفَّاف، دون أزمنة مستكينة ولا أمكنة يتيمة ولا لعبة قذرة ولا رتابة ممثِّلين أنذال يدمنون جحيم الأقنعة، ولا أفق قتلة مأجورين سواء كانوا من النَّوع الموهوب أو مجرّد هواة أغبياء بلا انتماء نوعي.

العالم جحيم الأقنعة.

الأقنعة شيطان بوجه مكشوف.

ها أنتَ، تبعثِرُ الوصايا التليدة إلى حكايا بليدة، تولد ثانية بكيفية حرة، كما تريد، مثلما ترغب، فأنت حرٌّ قبل البيولوجيا ومابعد  الميتافيزيقا.

ولادة مستمرّة، ولادات لا تموت، تنبجس خلال كل لحظة حيوات للحياة، وترقُّب الموت باعتباره وجهة ثانية لهذه الحياة. محض حياة. موت عارٍ حيال كل توافق أو تواطؤ أو تنازل أو تردُّد.

تتجرَّد ياهذا من كل شيء، نحو غياهب الوجود، تُبقي فقط على ذاتكَ، أخيرا تغدو حقا مثلما أنتَ، كما تريد، بدون ماهيات خافتة، مترهِّلة، ممسوخة، مشروخة تلملم بالكاد ترَّهات الزيف، عندما تدمن حميما معاني حقيقتكَ.

يستحيل على هذه الحياة، أن تستقيم في يوم من الأيام، دون أن تكون عنوانا لحيثيات الدرجة الصفر.

أبحثُ باستمرار عن اللامكان، مكان بلا أبعاد ولاجغرافية معلومة، فلا أتحمَّل ثباتا ولايستهويني ترسُّخا بعينه، غير راغب في دغدغة ماض، ولا بطاقة تعريف موصولة بمواضعات الزمان والمكان، وتقويمات الأيام و الأزمان.

أنتقل، أسافر، أحلِّق، أطوي العالم، أستدعي الآفاق، أعانق اللانهائي.

أموت مثلما يجدر الموت، بشخص عانق دائما المجهول وانتصر باستمرار لحياة لا تأبه بالموت.

يسكنني الرحيل، لا أتبيَّن للاطمئنان طريقا، أبحث دون كلل عن بداية تقذفني صوب اللااكتمال، حيث إنسانيتي ضمن ميزان البحث. مزاج متوثِّب يضجره الامتثال، تخنقه كل حياة متماثلة الشَّكل.

رحيل منفتح فقط على الرحيل، حيث لا شيء بتاتا، ثم كل شيء بالمطلق.

أمشي فوق ممكناتي، ألاحق منتهاي حيث لا يتوقف ولاينتهي.

تصبح الموت رحلة سعيدة، أسافر كي أكتشف هذا المعنى الفالت بكيفية زئبقية، القابع بين تفاصيل شتى. يكفيني فقط انتشال ذاتي من المعطى والجاهز.

الدرجة الصفر للوجود، كما الدرجة العراء بالنسبة لجسدكَ، تعالي الروح، بياض الحوَّاس شغفا بالحياة. أسافر حيث ينبغي لي أن أرحل، وقد انتشلت كياني من سطوة التنازل وجبروت تكييف الممكن.

الزمان لعبة صامتة للتلاشي، المكان تجربة للتحايل على الموت، الآخر تأجيل بكيفية ما، لسؤال الذات.

شارك هذا الموضوع

سعيد بوخليط

كاتب ومترجم مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!