سطوة الحب
عبد السلام البوسرغيني
في هزيع الليل وظلامه، أيقظني هاجس آت من الشرق ليقول لي:
– ها أنذا أترصدك، فماذا تستطيع أن تفعل؟
أما وقد كنتُ في حالة ترقب، فقد قلت له:
– لم لا تنتظر؟
لقد كان على عجلة من أمره، ففعل ما فعل، فصحت في وجهه وقلت له:
– لما ذا قطعت الحبل، الذي كان يجب أن يوصلك بي لنزرع معا في القلب ما أضعناه من حب، وما ينقصنا من ود، كان من شأنهما أن يجتثا ما زرع في القلوب من بغض في غفلة من الزمن ؟
ثم كان على أن أستغيث وأصيح بأعلى صوتي وأقول لهم:
– إنني لا أريد للقلوب أن تمتلئ حقدا لئلا تحترق، فما أحوجنا جميعا لكي نمتلك قلوبا تخفق حبا ويملأها الود والصفاء. ومضيت وقلت لهم:
– خذوا هذا القلب الذي أمتلك، فإنه ما يزال صامدا في مواجهة الأعاصير، وما يزال يخفق حبا ولن تستطيعوا خنقه…ففي هذا القلب كما ترون من الحب ما لا تستطيعون انتزاعه لملئه حقدا وبغضا، مما تم زرعه في القلوب…
فهذا القلب، وفي قلوب كثيرة في فضائنا، ما يكفي من ذلك الحب الذي يستمد سطوته على الصمود، مما تمتلئ به من الود والصفاء، وبالقدر الذي يفوق سطوة الحقد والبغض اللذين تم زرعهما ظلما في كثير من القلوب. لكن إذا رأيتكم تصرون، وبما يمكن أن تمتلكونه من قوة على قبرالقلوب الممتلئة حبا وودا وصفاء، فسأقول لكم: سيأتي اليوم الذي تبعث فيه من جديد قلوب خافقة، وقد استرجعت ما أضاعته من ود وصفاء..
***
كنت أود أن أهمس في أذنها وأقول لها، ونحن في أرذل العمر:
– هل يمكن لك أن تردي لي شيئا من الدين، وتقولين لي أحبك، كما كنت أفعل لا قولا..
ولكن بكل ما يمكن أن يعبر به إنسان وهو في سن المراهقة؟
لا شك أنك تذكرين شيئا مما خلدته تلك الفترة من الحب الجنوني، الذي كثيرا ما أرقني وضيع من شبابي أغلى ما كان يمكن أن يجنيه.
ها أنا أمامك الآن..
أتساءل ماذا يفيدني أن تقولين لي أحبك،
ولكن قوليها لأرجع بذاكرتي إلى تلك الفترة، وأقول:
– إنها كانت تحبني بالفعل، ولم يكن من الممكن أن تفعل أكثر مما فعلت وهي في وضع لا يسمح لها بتقديم أكثر مما قدمت.
وأنا أمامها الآن أحس بأنها تريد أن تقول لي أحبك.. ولكنها لا تستطيع وهي في وضع لا يمكنها من أن تترجم حبها إلى فعل محسوس..
وأنا أيضا أريد ان أقول لها إنني أحبك، وأقولها بهمس وفي غيبة منها..
ها أنا اليوم أبحث عمن يقول لي:
– هل يمكن لحب الصبا أن يبعث من جديد لدى صاحبه، وهو في أرذل العمر؟
نعم.. يمكن،
ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟