أوراق من دفتر منسي: الحسن الثاني في جماهيرية القدافي

أوراق من دفتر منسي: الحسن الثاني في جماهيرية القدافي

عبد العلي جدوبي

استجابة لدعوة الزعيم الليبي معمر القدافي, قرر ملك المغرب الحسن الثاني القيام بزيارة رسمية إلى ليبيا (28 غشت 1989) لحضور مراسيم احتفالات الفاتح من سبتمبر بذكرى قيام الثورة، وقد فضل العاهل المغربي الحضور إلى طرابلس على ظهر “باخرة مراكش” الضخمة والفارهة، التي كان يتخدها كوسيلة دبلوماسي، وقد بيعت بعد سنوات في المزاد العلني! حضور إعلامي مكثف كل المنابر الإعلامية المغربية كانت حاضرة بكثافة في هذه الزيارة، التي عرفت بعض أوقاتها أحداثا تنم أحيانا الغرابة، وأحيانا أخرى كانت تنذر بمفاجآت غير متوقعة وغير محسوبة العواقب؛ نظرا لحالة الارتباك الواضح وغير الطبيعي لدى تحركات “أفراد من اللجان الشعبية”. 

وارتبطت تلك الزيارة بنوع من الفوضى لم تنشر تفاصيلها آنذاك الصحافة المغربية, نظرا لحساسية المرحلة التي كان فيها المغرب يسعى لإقامة علاقات تعاون خالصة مع القدافي، خصوصا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية…

 لقد شهدت سياسة القدافي في الخارجية خلال تلك الحقبة، الكثير من التقلبات والتوترات مع الغرب ومع دول شرق أوسطية، وبعض بلدان افريقية أدت إلى عزاته في مراحل متعددة من حكمه، خصوصا بعد دخوله في مواجهات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 ثم تحالف مع الكتلة الشرقية، مع كوبا فيديل كاسترو ومع المنظمات المسلحة اللإيرلندية, ودَعَّم مرتزقة البوليساريو، عن طريق الجزائر بالمال والسلاح، ودخل في حرب ضد جارته التشاد بشأن واحة اوزو، وبقية القصة تعرفونها. 

إذابة الجليد

وقد استطاع الحسن الثاني بدبوماسيته أن يذيب  الجليد السميك لعجرفة القدافي، ويحول نزعته العدوانية إزاء وحدتنا الترابية صوب التعاون المغربي الليبي، ولو ظاهريا، وقد نجح في ذلك باقتدا، وعرف العاهل المغربي كيف يساير طموح الزعيم الليبي في تحريك مبادرة للوحدة العربية – الأفريقية… 

وصول باخرة الملك

في زاوية صغيرة من ميناء طرابلس، الذي هو شبيه بحوض لإصلاح سفن الصيد التقليدي، انطلقت الاستعدادات لاستقبال الباخرة الملكية، التي بدأت تظهر بعد بضعة أميال من الميناء المذكور، بدأ العمال في تركيب ألواح خشبية وتتبيثها جانبا على منصة محادية للمكان المخصص لرسو الباخرة، وأخذوا يمررون الحبال من كل جوانبها، أمام اندهاش واستغراب الجميع!!، في الوقت الذي كان فيه الوفد الصحفي يراقب “الأشغال ” بعين المكان!

ضياع مسدس!

خلال هذه الأثناء ظهر أحدهم بزي عسكري يبدو أنه تابع لأعضاء “اللجان الشعبية”، أخذ يصيح بأعلى صوته، يبحث عن مسدس. قال إنه ضاع منه! لا أحد منّا عرف كيف يعالج الموقف! ثم وصل الخبر إلى المرحوم ادريس البصري (وزير الداخلية والإعلام المغربي)، الذي كان متواجدا بالمكان, وفي لمحة البصر انطلق معاونو الوزير في تمشيط كل الجنبات، ومراقبة صاحب المسدس المفقود! وبعد برهة قيل لنا إنه تم العثور على المسدس الضائع؛ كان “مزحة ليبية ” من طرف آخر!

فوضى عارمة

 قبل نزول الملك الحسن الثاني من الباخرة حدثت فوضى عارمة بالمكان من طرف أعضاء الحرس الخاص للقدافي، الذي لم يكن متواجدا لاستقبال ملك المغرب، كما جرت العادات البروتكولية. أعضاء الحرس الليبي منعوا الحرس الخاص للملك بتأمين المكان ومرافقة الحسن الثاني لمكان إقامته المؤقتة.

 استمرت المشادات والفوضى حتى وصول الملك إلى المنصة الخشبية التي كانت محاطة بالصحفيين بتعليمات من إدريس البصري، هذا الإجراء على ما يبدو أغضب رجال الحرس الليبي المدججين بالأسلحة، أفراد من مجموعة الحرس شرعت في التضييق على الصحفيين المرابطين بطول صفين بجانب المنصة الشرفية للملك، التدافع وصل إلى حد توجيه الضربات للصحفيين بواسطة مؤخرات الكلاشنكوف، تسببت للبعض بكدمات مؤلمة، وفي نفس الوقت امتطى ولي العهد المغربي (سيدي محمد) سيارة سوداء، انطلقت من أمامنا بسرعة في اتجاه الإقامة المخصصة للملك. 

مرت لحظات عصيبة قبل أن يمتطي الملك سيارة مماثلة، والتي انطلقت بدورها بسرعة جنونية وهي مخفورة بالحرس الملكي. الإقامة على ظهر باخرة مراكش وفي نفس اليوم عاد جلالة الملك الحسن الثاني إلى إقامته على ظهر باخرة مراكش؛ وهناك تمت الاستقبالات وفق البروتوكول المغربي. 

لم تكتب الصحافة وقتها عن تلك الفوضى – كما سبق الإشارة لذلك – الاعتبارات سياسية خاصة، وفي نشرة المساء بالقناة الأولى للتلفزيون المغربي، اكتفى الزميل مصطفى العلوي بالقول: “لقد خصصت الجماهيرية الليبية استقبالها حارا لجلالة الملك على الطريقة الليبية “..!

 كانت باخرة مراكش تحتوي على طاقم مكون من160 فردا، وتحط على سطحها طائرة هيلوكوبتر، وكان الملك، كما علمنا، يتابع أخبار المغرب عبر القناتين الأولى والثانية للتلفزيون المغربي بخبرة مهندس شاب، لم يكن سوى عبد السلام أحيزون المدير العام الحالي لشركة “اتصالات المغرب”… 

ضياع الباخرة التحفة!

هذا، ومن المؤسف له حقا أن الباخرة الضخمة والفارهة، “باخرة مراكش”، التي كانت بمثابة “سلاح دبلوماسي للملك الحسن الثاني”، والتي دخلت الخدمة في 21مايو من العام 1986، تربط الخط البحري طنجة بميناء “سيت” بفرنسا، قد تم حجزها من طرف سلطات ميناء “سيت” الفرنسي بعد “إفلاس الشركة المغربية للملاحة البحرية “كوماناف”، وبعد تعذر أداء فاتورات المحروقات والمبالغ الأخرى المتراكمة، تم حجزها في العام 2013 ، وتم بيعها في المزاد العلني لفائدة شركة prodomoفي الدار البيضاء!!

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد العلي جدوبي

صحفي مغربي