عن جذور هتلر اليهودية.. ماذا يقول التاريخ؟
د. زياد منصور
أعاد كبير الدبلوماسيين الروس، سيرغي لافروف، عرضًا تاريخياً مع فضيحة مدوية، إحياء مناقشة شبه علمية حول الجذور اليهودية في أصول هتلر. هو نفسه اعترف بأنه قد يكون مخطئًا -لكن من الواضح تقريبًا ما كان الوزير يقرأه، وواضح ما أراد قوله.
ودون العودة إلى ما أورده، فلقد أصاب رأس الديبلوماسية الروسية مقتلاً، كل الماكينة الإعلامية الضخمة التي هدرت من أجلها الملايين من النقود وكتب من أجلها مئات المجلدات، والتي ترتدي بلا شك أرضية علمية تاريخية يتجنب الكثير البحث في تفاصيلها أويتلافاها.
وبعيداً عن الأبعاد السياسية التي توخاها الوزير، في ظل حرب ضروس تتضح خيوط تشابكاتها ومصالح القوى التي تقف ورائها وتحركها يوماً إثر يوم، من المنطقي بمكان أن يفتح ما قاله لافروف النقاش واسعاً، أمام مادة علمية تحتاج إلى عناية واهتمام ودقة، وهذا حق كل باحث مهتم بشؤون وطنه وامته، ومعاناة شعوب دفعت أثماناً غالية جراء البروباغندا التي تم تعميمها وترويجها، فكانت نتيجتها احتلالات وأعمال قتل وتدمير وإلغاء ومسح تاريخ شعوب تتطلع إلى الحرية وتقرير المصير.
في محاولة لكشف هذا البعد، نؤكد مجدداً ان هذا هو حقل للدراسة العلمية التي تتطلب توخي الدقة والأمانة، وتساهم في إماطة اللثام أمام القارئ العربي الذي تخطف اهتماماته دوماً قضايا ليست ذات أهمية بمحتواها ومبتغاها.
هتلر هو أفظع ديكتاتور في عصره، والذي، بعد وصوله إلى السلطة في 30 كانون الثاني- يناير 1933، أنشأ آلة عسكرية في ألمانيا، قامت لمدة 7 سنوات على دماء الجنود القتلى في تلك الحقبة.
واحدة من أكثر اللحظات المأساوية في تاريخ تشكيل الدولة الجديدة هي اجتياح أوروبا والاتحاد السوفييتي، وحملات الإبادة التي تعرض لها السلاف والعرب، والأوروبيين الشرقيين واليهود في الفترة من 1933 إلى 1945. وفقًا لتقديرات تقريبية، أصبح 25 مليون إنسان سوفييتي وعشرة ملايين آخرين ضحايا لهذا الاضطهاد الوحشي.
قتلت النازية والفاشية العديد من الشخصيات العلمية والثقافية، والأطباء الموهوبين، والمتخصصين على درجة عالية من التخصص.
في ظل هذه التراجيديا الإنسانية، بقيت واحدة من الأمور التي عرفت سجالاً يكاد لا ينتهي عالقة ومثيرة للجدل، والتي تقول بأن أسلاف هتلر كانوا يهودًا، وبالتالي، فإن الفوهرر نفسه لا ينتمي إلى “الدم الأزرق”، لكن هل هذا صحيح؟
فعلياً يسبب أصل الديكتاتور جدلاً في المجتمع العلمي، حيث يحاول العلماء معرفة شجرة عائلته وجذوره.
ولد الفوهرر نفسه في نيسان- أبريل 1889 في النمسا. كان والد هتلر ألويس شيكيلغوربير (Alois Schicklgruber) شخصاً من أبوين غير معروفين أي غير شرعي ولمدة 14 عامًا حمل لقب والدته، التي تزوجت بعد ذلك بقليل من أي. هيدلر (I Hiedler)، بعد ذلك تغير هذا اللقب قليلاً، وأصبحت المعروفة الآن بالنسبة لنا (هتلر). نتيجة لذلك، وُلِد أ. هتلر لعائلة من سلالة “الهتلريين” – كنية العائلة. في ذلك الحين كان يتم شرعنة الأطفال غير الشرعيين، وكان هذا أمراً شائعاً ومعتاداً.
كان زوج والدة هتلر يهوديًا من أصول تشيكية، هنا يقال أن الفوهرر نفسه، هو من أصل والده، الذي قيل أنه نمساوي خالص (يتردد أن هناك من سعى لتثبيت هذه الواقعة في سياق الحاجة الدعائية).
أيضًا، يظهر في بعض المصادر، معلومات تفيد بأن جد هتلر كان يهوديًا، بل إن هذه النسخة كانت مدعومة من قبل العديد من المعارضين السياسيين لأنشطة الزعيم النازي، عندما كان يرتقي السلم الوظيفي نحو الرايخستاغ في عشرينيات القرن الماضي. كانت هذه النظرية مدعومة أيضًا بالبقع البيضاء في سيرة الفوهرر، لكنها في الواقع لا تزال معرض دراسة وتمحيص.
هل كان هناك يهود في نسب الفوهرر على مدى خمسة أجيال؟
هذا الأمر لا يزال موضع جدال، وكذلك الخلافات حول ما إذا كان أ. هتلر على قيد الحياة وما إذا كان قد تمكن من الهروب من ألمانيا في عام 1945.
لم يكن هتلر معجباً هتلر بقصص طفولته، وكانت عائلته من العائلات الألمانية الأقل من عادية. والد هتلر كان موظفاً من الطبقة الوسطى ووالدته ربة منزل عادية. لم تكن الطموحات العالية للفوهرر مرتبطة بمكانته الاجتماعية، وكان أسلافه البعيدين من الفلاحين العاديين. لم يتم الحفاظ على المكانة العالية للعائلة إلا من خلال أنشطة زوج الأم، وحاول الفوهرر أن يسكت عن التاريخ “المظلم” لجذوره الحقيقية، كما تم إخفاء هذه المعلومات من قبل حاشيته. ومعتبرا اليهود عرقًا أدنى ويحتقرهم من كل روحه، امتدح أ. هتلر نفسه مرتقياً بروحه إلى مستويات غير عادية، وكان يحرص على نفي أية روابط عائلية مع اليهود بشكل قاطع، معتبرا أن دمه نموذج “للدم الأزرق”، والذي أسفر في نهاية المطاف عن أعمال تطهير بحق كل الأثنيات والعرقيات، وإلى عقدة النقص التي عانى منها فيما بعد والتي كانت سبب هزيمته في الحرب.
كتب الحاكم العام لبولندا المحتلة، هانز فرانك، عن جذور هتلر اليهودية في مذكراته. وأشار إلى أن ماريا آنا شيكلجروبر، جدة هتلر، أنجبت طفلاً عندما كانت تعمل طاهية في منزل شخص يدعى فرانكنبيرجرز في مدينة غراتس النمساوية.هذا الأمر يشير إلى هذه الاحتمالية من خلال انتشار معلومات تاريخية أن جالية يهودية صغيرة كانت لا تزال تعيش في غراتس قبل ذلك.
هتلر والـ “دي. آن. آي”
نشرت مجلة “كناك” البلجيكية مقالاً تحدث فيه عن دراسة أجراها الصحفي جان بول مولدر والمؤرخ مارك فيرميرين:
لقد أخذوا عينات من الحمض النووي من 39 من أقارب هتلر، مما أظهر أنهم جميعًا لديهم جينات من مجموعة E1b1b -وهي نادرة جدًا في أوروبا الغربية، لكنها تعتبر جينات – “ذات جذور يهودية”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست الدليل الوحيد -وإن كان دليلاً غير مباشر، لكنها لا تزال أي القحوصات الجينية دليلًا على وجود “الدم اليهودي” في هتلر.
في معرض آخر كتب الحاكم العام البولندي هانز فرانك في عام 1946، قبل محاكمات نورمبرغ، مذكرات لقاءاته مع هتلر. إذن هناك نقطة مثيرة للاهتمام في هذه السجلات:
“لقد وجدته ذات مرة (هتلر – تقريبًا في حالة من الانزعاج الشديد. صرخ الفوهرر منفعلاً أن أقاربه كانوا يبتزونه، مهددين بالحديث عن شجرة عائلته”.
لا توجد حتى الآن إجابة نهائية على هذا السؤال، لأنه لا يمكن جمع لمعالجة وفحص السلالة الدقيقة للفوهرر -فجده غير معروف، ولم يتم استخراج الجثث لغرض التحليل الجيني. حتى. لكن بعض البيوغرافيين وكاتبي السير يعتقدون أن لأدولف ألويزوفيتش هتلر “على الأرجح” جذور يهودية.
ما هو رائج، أن هناك دراسة لعينات اللعاب من 39 شخصاً من أقارب أدولف هتلر، أكدت أن الحمض النووي الخاص به يمكن أن ينتمي إلى مجموعة هابلوغروب E1b1b1، والتي لوحظت بين المتحدثين بلغات هاميتو السامية وشعوب شبه جزيرة البلقان. لا يشير الانتماء إلى مجموعة هابلوغروب معينة بشكل مباشر إلى الأصل العرقي لحاملها، ولكنه يسمح لك بتتبع أصل الشخص من خلال سلالة أحد الوالدين. في هذه الحالة، نتحدث عن مجموعة هابلوغروب Y-DNA، أي عن أصل السلالة الذكورية.
أجرى الدراسة الصحفي جان بول مولدر والمؤرخ مارك فيرميرين ونشرت في مجلة كناك البلجيكية. تم العثور على Haplogroup E1b1b1 بين المجموعة السامية من اليهود الأشكناز، والتي تضم معظم يهود أوروبا، وكذلك بين يهود السفارديم. في الوقت نفسه، لوحظت هابلوغروب هذه بين شعوب جنوب إفريقيا وبين السلاف الشرقيين.
وتجدر الإشارة إلى أن أيديولوجية الاشتراكية القومية، التي كان هتلر من أتباعها وأحد مؤسسيها، صنفت الشعوب السامية والسلافية على أنها “قذرة”، وكان تطهير ألمانيا من اليهود أحد النقاط الرئيسية في سياسة هتلر.
ظهرت شائعات من قبل، عن وجود جذور يهودية لأدولف هتلر. وهكذا، هناك نظرية مفادها أن الأب البيولوجي لألويس هتلر، والذي كان بدوره والد الديكتاتور الألماني، يمكن أن يكون ابن مصرفي يهودي. لم يحظ هذا التأكيد بقرائن علمية وموثوقًا بها.
انتحر أدولف هتلر في 30 نيسان – أبريل 1945 قبل وقت قصير من استسلام ألمانيا النازية. يُعتقد أن بقايا من هيكله العظمي لا تزال محفوظة في روسيا، ولكن تم التعبير مرارًا وتكرارًا عن شكوك حول أصالتها.
ختاماً يمكن القول إن مقابلة سيرجي لافروف تسببت في احتجاج واسع وغير مبرر. وبغض النظر عن الردود العنيفة للجانب الإسرائيلي اتهمت الخارجية الروسية تل أبيب بدعم “نظام النازيين الجدد” في كييف. ووصفت وزارة الخارجية الروسية البيانات الصادرة في إسرائيل بأنها ” ضد التاريخ”.
المضحك هو رد فلاديمير زيلينسكي على كلام لافروف. الذي قال إنهم “نسوا في روسيا كل دروس الحرب العالمية الثانية، وربما لم يتعلموا هذه الدروس أبدًا”. الأهم في كل ذلك أن صفحة في السجال التاريخي قد فتحت وتفتح بشراهة عملية البحث التاريخي التي ستؤدي إلى قلب معادلات وتابوهات كان لا يزال هناك إصرار على تسويقها وتعميمها. لقد نجح لافروف أكثر من كل مؤرخي أوروبا والعالم، حيث لم يتجرأ أحد في نبش محطات غامضة في التاريخ، تساهم في تطوير هذا العلم ورفده بكل شيء جديد.
* المعلومات مأخوذة من مراجع مفتوحة على شبكة الانترنيت، ومن كتب تاريخية روسية.