المدخل الوحيد للقمة العربية المزمع عقدها في الجزائر
عبد السلام بنعيسي
تداولت بعض المواقع الإخبارية الرزينة أنباءً تفيد بأن المملكة العربية السعودية، تسعى لإحياء جهود الوساطة بين المغرب والجزائر، بغرض إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بينهما منذ غشت 2021، إعادتها إلى حالتها الطبيعية، وذلك، إعدادا للأجواء الملائمة لإنجاح القمة العربية المقبلة في الجزائر العاصمة، والمقرر عقدها بداية نونبر 2022.
من المعلوم أن الدولة الجزائرية رفضت سابقا وساطة بين المغرب والجزائر كانت قد عرضتها وزارة خارجية الكويت، في اجتماع لوزراء خارجية الدول العربية، وقال وقتها رئيس الدولة الجزائرية عبد المجيد تبون في تصريح صحافي نُقِلَ عبر وسائل إعلام جزائرية، إن بلاده ترفض العرض الكويتي للوساطة بين المغرب والجزائر، كما أن وزير خارجية المملكة العربية السعودية زار الجزائر لحظة اندلاع الأزمة الجزائرية المغربية، وعقب الرفض الجزائري للعرض الكويتي، ويبدو أنه بدوره عرض وساطة بلده، لتطويق الأزمة وحلِّها في حينها، وواضحٌ أن الجزائر أصرَّت على موقفها، وردّت، حينئذ أيضا، العرض السعودي بالتوسط بينها والمغرب.
فإذن رفضُ الجزائر كل الوساطات لتقريب وجهات النظر مع المغرب، ظل معلنا لوقت طويل، ويقع التشبث بهذا الرفض بإصرار شديد من طرف الدولة الجزائرية، في حين كان يقابله استعدادٌ مغربي رسمي لقبول الوساطات، وإجراء المفاوضات التي تفضي إلى تطويق المشاكل القائمة بين البلدين، ومنع تصاعدها واستفحالها، تحاشيا للقطيعة بين الدولتين…
فما الذي طرأ حتى عاد الحديث مجددا عن وساطة سعودية، بين الرباط والعاصمة الجزائرية؟؟؟ ما هو المتغير الذي حدث ودفع السعودية لمعاودة كرة الوساطة؟ هل جَسَّتْ الرياضُ النبض، وتوفرت لديها بعضُ المعطيات التي تفيد بأن الجزائر تراجعت عن موقفها الرافض بشكل قطعي لكل وساطة بينها والمغرب، وباتت تقبل بها وبالتفاوض من أجل إعادة العلاقات مع جارتها الغربية إلى حالتها الطبيعية، فبادرت السعودية إلى القيام بهذه الوساطة؟
إذا كان الجواب على هذه الأسئلة بالإيجاب، ستكون ساعتها الظروف قد تهيأت للرياض، لأداء هذه المهمة التوفيقية بين المغرب والجزائر، ولتنقية الشوائب التي تُكدِّرُ العلاقات بينهما، بما يخدم مصالحهما المشتركة، وبما يؤدي إلى حضور المغرب، المؤتمر العربي للقمة الذي سيعقد بالجزائر، وسيُسَجَّلُ هذا الإنجاز لفائدة المملكة العربية السعودية، وسيعتبر نقطة إيجابية في صحيفتها، إذ ستبدو الرياض أنها تمكنت من كسر الجليد، ومن تطويق الخلاف المستعصي بين الدولتين العربيتين المركزيتين في غرب العالم العربي، ومن مساعدتهما على إعادة العلاقات بينهما، وإزاحة واحدٍ من العوائق التي كانت تحول دون عقد القمة العربية في الجزائر.
لكن إذا لم تكن هناك معطيات لدى السعودية عن قبولٍ جزائري مسبق للوساطة مع المغرب، ومع ذلك قامت بهذه المبادرة، رغم علمها بالموقف التقليدي الجزائري الرافض لكل الوساطات، فذلك يعني أن الرياض تريد أن تضع الدولة الجزائرية أمام الأمر الواقع، إما قبول الوساطة، والتصالح مع المغرب، وإما رفضُ العرض السعودي، وهنا سيعدو المشكلُ، ليس مغربيا جزائريا فحسب، ولكنه قد يصبح مشكلا جزائريا سعوديا، وجزائريا خليجيا، وحتى جزائريا مصريا، فدول مجلس التعاون الخليجي ومعها مصر، تُنسِّقُ جميعها مواقفها، وتُوحِّدُها وتتبناها بشكلٍ مشترك، وفي قضية الصحراء المغربية، فإن لهذه الدول موقفا ثابتا، ينُصُّ، بشكلٍ واضح، على مساندة المغرب في سيادته على أقاليمه الصحراوية، ويَدعَمُ مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، كما يقترحها المغرب حلا وحيدا للنزاع القائم في المنطقة.
بموقفها أعلاه، تقول هذه الدول بطريقة دبلوماسيةٍ لَبِقَةٍ للجزائر، إنها لا توافق على سياستها المتبعة ضد المغرب، ولن تسايرها فيها، ولا يمكنها القبول بعزل المغرب، وأنها تستحثها لمراجعة هذه السياسة، وتدفع في هذا الاتجاه، فعقدُ مؤتمر قمة عربي في الجزائر، في غياب المغرب، وبما يؤدي إلى جعل رئاسة القمة، منصة لإطلاق المواقف المناهضة للوحدة الترابية المغربية، أمر غير مقبول مغربيا، وخليجيا، ومصريا…
حكاية التطبيع الذي تتذرع بواسطته الجزائر لقطع علاقاتها بالمغرب، لا تقتنع بها الدول المشار إليها سابقا، لأن منها دول مطبعة، وعلاقاتها بالجزائر عادية، بل طيبة ومتينة، والزيارات المتبادلة بين الطرفين جارية، ولا تتوقف، فلماذا قطعُ العلاقات مع المغرب لوحده بدعوى التطبيع، خصوصا إذا كان التطبيع مرفوضا من طرف الشعب المغربي، الذي تنظم، تقريبا يوميا، في مدنه، الوقفات الاحتجاجية، والاعتصامات الرافضة لهذا التطبيع، والمنددة به، وبالقائمين عليه.
وعليه فإن الجزائر أمام خيارين، لا ثالث لهما، إما قبولُ الوساطة السعودية، وإيجاد صيغة للتفاهم مع المغرب، وإعادة العلاقات بين الدولتين لحالتها الطبيعية، وتمهيد الطريق لفض النزاع المنتصب بينهما، لاحتضان مؤتمر القمة العربية المقبل في عاصمتها، وإما رفضُ الوساطة، وإذ ذاك سيصبح من المتعذر عقد القمة العربية في الجزائر…
للمغرب، مبرراتٌ موضوعية عدة يقنع بها الأطراف العربية لعدم حضور مؤتمر قمة عربي في الجزائر، فعلاقاته الدبلوماسية مقطوعة مع الدولة المحتضنة لأشغاله، إذ كيف سيصل الوفد المغربي للمشاركة في المؤتمر، والأجواء الجزائرية مغلقة في وجه طائرته؟ هل سيصل، بشكل غير مباشر، عبر باريس، أو مدريد، أو تونس؟؟ هل يعقل أن يقبل الدبلوماسيون المغاربة الوصول إلى عاصمة المؤتمر، من دولة بعيدة عن مقره، وهم جيران الدولة التي تأوي أشغاله؟ وكيف سيُستقبلون في العاصمة الجزائرية، وهم المتهمون من طرف حكومتها، بتمويل الإرهاب في دولتها، وبإضرام النيران في غاباتها؟ ألن يشعر أعضاء الوفد الممثلين للمغرب في الجزائر بأنهم ضيوف غير مرحب بهم هناك؟ ألن يظهروا كالمتطفلين في أشغال مؤتمرٍ مقامٍ في دولة تعتبرهم أعداءً لها، وتقطع علاقاتها بهم؟؟؟
إذا كانت الجزائر تقول إنها تريد أن تجعل من مؤتمر القمة العربي المقبل الذي ينعقد في عاصمتها، منطلقا لإحياء التضامن العربي، فإن المدخل لإدراك هذه الغاية النبيلة يتحدد في القبول بالوساطة السعودية، لعقد تصالح مغربي جزائري، يطوي صفحة الخلافات القائمة بين الدولتين، ويكون قدوة للملكة العربية السعودية، ولباقي الدول الخليجية، ويشكل مقدمة لها، من أجل إنهاء الصراع والحرب في اليمن، والعمل لإعادة سوريا للجامعة العربية، وتقديم الدعم المادي للبنان، وتونس، والسودان، وموريتانيا، ومساعدة تلكم الدول على إعادة إعمار ما دمرته الحروب والصراعات، للخروج من الأزمات التي تعصف بها.
فهذا هو المدخل الوحيد الواقعي والممكن الذي يتعين أن تلج منه القمة العربية المقبلة، لتحقيق التضامن العربي، وحشد كافة الجهود العربية لدعم الشعب الفلسطيني، ونصرة مقاومته وهي تقارع الاحتلال الصهيوني لطرده من أرضها. ما عدا ذلك، سيظل التشرذم العربي سائدا، وسيتكرس، ويتجذر، وقد يتحول إلى مزيدٍ من التفتيت والتجزئة في الوطن العربي، لتكون الكوارث التي يتضمنها على كافة الأقطار العربية، أكبر من كل الكوارث التي مرت بها، وعليها…