المذيعة التي جعلتني أغني…
ليانا بدر*
لم تكن الصحافية شيرين أبو عاقلة مذيعة وظيفية، توصل إلى المشاهدين تلخيصات وأخبار حول ما يدور في فلسطين والعالم.
قابلتها للمرة الاألى في نهاية التسعينات، ضمن برنامج لها في الإذاعة الفلسطينية، يتناول الهوايات وتأثيرها على المهنة. لم أكن وحدي في البرنامج طبعاً، لكن تلك الفتاة المقدسية الجميلة أصرت على أن أغني، عندما حكيت عن ولعي بالغناء.
كان الجو في منتهى الجدية أمام المهن المطروحة، التي كان أصحابها حاضرين. ولكني ورغم الإحراج على ما لم أستعد له، قبلت التحدي وانطلقت في الغناء.
ظلت شيرين بعدها دوماً في مرمى اللقاء المباشر في بيوت الصديقات أو على شاشة التلفزة.
أحبها الجميع وآمنوا بقدراتها المتميزة لأنها صحافية حقيقية لا يخضعها الخوف، وإنما تقودها رغبة متابعة الحدث لكي يعرفه المشاهد من القلب إلى القلب.
كانت شيرين نادرة الانتماء إلى عملها، شديدة الإخلاص والولاء لمهنة الصحافة، رغم مرارتها وخطورتها في فلسطين، انطلاقاً من إدراكها الكامل بأنها تقوم بواجب وطني قل من نافسها فيه.
كانت شيرين صديقة وأخت وزميلة لكل من أراد البحث عما يجري في فلسطين، داخل وخارج الوطن، عبر هذه الشاشة الصغيرة، التي حملّت ابنتها المقدسية أهوالاً وصعوبات تنوء بها الجبال.
ظلت بوصلة للحدث وما يحيطه، تسيل دمعتها خارج الشاشة، كما حدث حينما بكت لدى توصل الاحتلال إلى اعتقال مروان البرغوثي.
رأيناها مرات عديدة والرصاصات تجأر حولها، والغاز السام يتسلل الى رئتيها.
ولعدة مرات أوشك الاحتلال على قتلها، مثلما حدث خلال حصار ياسر عرفات في المقاطعة، وكما حصل وهي تغطي اقتحام الجيش لسجن أريحا. يومها قالت صديقة تحبها إنه لا يجدر بامرأة أن تعرض نفسها لهذا الخطر الداهم. لكن شيرين الهادئة أثبتت العكس، وهو أن حب فلسطين مهمة مستحيلة تقدر عليها النساء مثل الرجال. وأن أهل القدس لن يتوقفوا عن كشف الأعداء والدفاع عن مدينتهم وبلادهم، مهما طال الزمن.
شيرين الغالية.. سنتذكرك دوماً ساعة الفجر التي ينام فيها الجميع، حينما استيقظ دمك لكي يخبر العالم عما يفعلونه بنا في جنين وفي كل مكان في فلسطين.
* شيرين ابو عاقلة الصحافية التي دخلت الى كل بيت وكل قلب.
* كاتبة ومخرجة سينمائية فلسطينية