مسرحية “انتخاب” بري ونائبه في مجلس النواب اللبناني الجديد

مسرحية “انتخاب” بري ونائبه في مجلس النواب اللبناني الجديد

حسين عطايا

أرست الحياة البرلمانية اللبنانية ما بعد الطائف، أي منذ العام ١٩٩٢ ولتاريخه، أعرافاً وممارسات نيابية، غير مألوفة في عالم الديمقراطيات وتطوراتها، بل إن ديمقراطية لبنان، وخصوصاً ما بعد تسوية الدوحة في العام ٢٠٠٨، تغيرت لتُصبح ديمقراطيةً توافقية، أي أنها ألغت مفاعيل الديمقراطية من حيث تداول السلطة والأكثرية تحكُم والأقلية تُعارض، ومنذ ذلك الوقت دخلنا في ما يُسمى “حكومات الوحدة الوطنية”.

على هذا الأساس، بدأت منظومة الحكم بنظام ديمقراطي تتخذ من الديمقراطية الاسم، وتمارس التوافق على كل شيء، وانعكس هذا الأمر بطبيعة الحال على انتخابات رئيس المجلس ونائبه، ومن هنا، بعد أن تواصلت الاتصالات واللقاءات تنسيقا وتحالفاً ومقايضات، إلى أن زفت ساعة الاستحقاق، فدعا الرئيس بري إلى جلسة انتخابات الرئيس ونائبه وأميني السر وثلاثة مفوضين.

في الظاهر، كادت مسرحية الانتخابات أن تصبح مملة، لولا دخول ثلاثة عشر نائباً من صفوف “انتفاضة ١٧ تشرين”، الذين أضافوا نكهة جديدة للحياة البرلمانية، من خلال بعض المناكفات والمشاغبات، والاقتراع بورقة البيضاء.

على عكس بقية النواب، دخل نواب التغيير سيراً على الأقدام، قادمين من أمام تمثال المغترب، قرب مرفأ بيروت، ترافقهم مجموعة من عائلات ضحايا المرفأ، وكانت بعض الكلمات لممثلة عن عائلات الضحايا المشاركين، وكلمات مقتضبة من النواب الجدد، مروراً بساحة الشهداء وساحة الشهيد سمير قصير، وصولا إلى مدخل ساحة النجمة، حيث مقر البرلمان اللبناني.

بدأت الجلسة في الساعة الحادية عشرة بعد تلاوة مواد من الدستور والنظام الداخلي للمجلس، ونتيجة عملية الاقتراع، فاز من الدورة الأولى نبيه بري (رئيس حركة أمل)، وفق نتيجة خمسة وستين صوتاً وثلاث وعشرين ورقة بيضاء وأربعين ورقة ملغاة.

أما بخصوص انتخاب نائب رئيس المجلس، فقد فاز بها من الدورة الثانية النائب إلياس أبو صعب (التيار الوطني الحر)، بخمسة وستين صوتا، بعد أن تعذر فوزه بالدورة الأولى، على منافسه د. غسان سكاف  والذي حصل في الدورة الثانية على ستين صوتاً بعد أن كان قد حصل على تسع وأربعين صوتاً في الدائرة الأولى.

هذا بالظاهر، ولكن في كواليس المقايضات والتحالفات تختلف الظروف والمعطيات، التي أوصلت إلى هذه النتائج إثر مفاوضات واتصالات، وبكل تأكيد كان عرابها حزب الله، وخصوصا القيادي وفيق صفا، مما ساهم بتأمين خمسة وستين صوتا للرئيس بري، ومن ثم خمسة وستين لنائبه أبو صعب.

ومن ثم كانت انتخابات أميني السر، وفق عرف سائد، بأن أحدهم ماروني والآخر درزي، وعلى إثره فاز ألان عون من تكتل التيار العوني عن الطائفة المارونية، وهادي أبو الحسن عن الحزب التقدمي الاشتراكي عن المقعد الدرزي، ومن ثم تمت تزكية ثلاثة مفوضين سني وارمني وأقليات.

هذا الأمر في ظاهرة لايُشكل ظاهرة جيدة في الحياة السياسية اللبنانية. كما أنه رافقت جلسة اليوم العديد من الاجتهادات والفتاوى، وأيضاً بعض المشاغبات من نواب “انتفاضة ١٧ تشرين”، ولكن الغريب هو انضمام النائبة بولا يعقوبيان إلى صفوف النواب التغييريين، على أساس كونها من الآتين من صفوف الثورة، وهنا تبرز المفاجأة بقبول النواب الثوار، لكنهم رفضوا مثلا التواصل أو التحالف مع نواب حزب الكتائب، الذين هم بالفعل من رحم الثورة، حيث كانوا من أوائل المشاركين في الانتفاضة، على اعتبار أن الكتائب حزب تقليدي، كما القوات والاشتراكي.

في كل ما حصل اليوم مسرحية ممجوجة، عن تحالف قوى المنظومة الحاكمة، التي تتألف من الثنائي وتحالفه مع التيار العوني، مع بعض الاستثناءات، خصوصاً فيما يخص التحالف التاريخي ما بين الرئيس بري والنائب السابق وليد جنبلاط، الذي طلب من نوابه الثمانية الاقتراع للرئيس بري، بينما على المقلب الآخر لم يقابل به الرئيس بري حليفه جنبلاط بالمثل، بل اقترع جميع نواب كتلته إلى النائب أبو صعب، لأنه في هذه الحالة يرتبط بمقايضة ما، في مكانٍ ما، مع التيار العوني، وبالتالي لا يستطيع الخروج من عباءة حزب الله.

وهذا يدل على مدى قدرة حزب الله على ضبط أقانيم التحالف التي تربط ما بين أتباعه وحلفائه، وأيضا يدل على مدى انقسام الجهة الأخرى في ساحات المعارضات المقابلة لجبهة الممانعة، بقيادة المايسترو حزب الله.

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني