حدود لبنان وسوريا مشرعة لتصنيع الكبتاغون والتهريب
فاطمة حوحو
تظل الحدود اللبنانية ـ السورية مشرعة لكل أنواع التهريب، وهناك بوابات عبور لكل معروفة لكل الأصناف، من المحروقات إلى المواد الغذائية، لكن أخطرها تهريب البشر، حيث شهدت الحدود قصصا مأساوية عن وفاة نساء وأطفال وكبار في السن، في مواسم الشتاء، بالإضافة إلى تهريب المخدرات، المعروف بأن أبطالها هم عصابات مشتركة يحميها حزب الله في لبنان، وتعمل بأمرة ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري.
عمليات تهريب حبوب الكبتاغون والهلوسة صارت عملا رائجا للعصابات المسلحة بين سوريا ولبنان، وتقوم بتصديرها إلى أقطار المحيط، وبلدان الخليج والسودان، ودول أوروبية، كاليونان وإيطاليا، بالإضافة إلى ماليزيا.
وتتوحد الفوضى الناتجة عن الانهيار العملي للدولتين، بسبب الحرب وبفعل هيمنة “السلاح المقدس” لحزب الله، وقوى الممانعة حليفة النظام السوري، نشطت معامل تصنيع الكبتاغون في قرى تقع على الحدود مع سوريا بشكل ملفت خلال الفترة الأخيرة، لا سيما في النبي شيت وحورتعلا وبريتال ودار الواسعة واليمونه والقصر، بالإضافة إلى بلدة بوداي، بعد أن أصدر مرجع كبير فتوى بمحاربة المجتمع الخليجي من الداخل، عبر دفع أبنائه إلى الإدمان على حبوب الهلوسة.
ويؤكد لنا أحد أبناء المنطقة أن عملية نقل المخدرات تتم بسيارات تابعه لـ “حزب الله”، عبر طرقات نافذة تصل لبنان في سوريا بالقرب من الهرمل والنبي شيت نحو منطقة الزبداني، ويجري نقلها بعد ذلك إلى محافظة السويداء السورية المجاورة للساتر الأردني، ويتم تسليمها من هناك إلى مهربين أردنيين”.
ويشير إلى أن قيام مجموعات مقربة من حزب الله بشراء عشرات العقارات بمدينة يبرود وريف دمشق الغربي، وكأنها عمليه تفريغ من النبي شيت غربا لمدينه النبك السوريه شرقا، معتبرا أن ذلك يدخل في إطار مخطط لشراء أو الاستيلاء على الشريط الحدودي اللبناني ــ السوري من جهة بعلبك إلى ريف دمشق”.
ويوضح أن “سماسرة اشتروا مئات العقارات لصالح الحزب، بمنطقة الزبداني وبلودان، ومنطقة عسال الورد والطفيل اللبنانية”.
ويلفت إلى أن أكبر معمل لإنتاج الكبتاغون بحماية الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، يقوم بالإشراف عليه العميد غسان بلال.
والمعروف أن هذه الفرقة هي من تتحكم بصفقات التجارة والتهريب بين لبنان وسوريا، وقد تحولت إلى قوة عسكرية لها صلاحيات خاصة، ويجري التدوال بأسماء مسؤولين لميليشيات تابعة للنظام السوري، يتمركزون في عسال الورد وينسقون أعمالهم عبر عصابات من شركة سيزر، التي استولت على أراضي أهالي الطفيل، وأقامت معامل لتصنيع الكبتاغون. وما زال حسن دقو الذي تم اعتقاله بصفقة تهريب الكبتاغون داخل فاكهة الرمان إلى السعودية، والتي تسببت بأزمة بين لبنان والسعودية ما زالت آثارها السلبية تتفاعل حتى اليوم.
وتتردد أسماء مثل أحمد خلوف، وأدهم بكور، وأسامة النقشي، وحمود فياض، وأحمد زيتون، كقادة للميليشيات السورية المهيمنة، حيث تنشر حواجزها على حوالي 15 معبرا بين بلدة عسال الورد من الجانب السوري، وبلدة طفيل من الجانب اللبناني، وأنشطها طرق طفيل – رأس العين، الجوزة، وادي الصهريج، عقبة التوت.
وللتذكير فان المجلس الأعلى للدفاع اللبناني، أقر بوجود 136 معبراً غير شرعي، يُستخدم للتهريب، يقعون تحت سيطرة “حزب الله”.
ومنذ مدة قام الجيش الأردني بقتل سبعة وعشرين من مهربي المخدرات حاولوا التسلل عبر الحدود الشمالية، وأن المهربين كان يساندهم مسلحون فروا إلى العمق السوري بعد اشتباك كثيف معهم.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية نشرت تحقيقا، أشارت فيه إلى أن وجود عصابات متنفذة في سوريا ولبنان يؤشر على قيام دولة مخدرات جديدة في حوض البحر الأبيض المتوسط، تدير تجارة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. وهي تمتلك ورشات لتصنيع مخدر الكبتاغون ومصانع للتعبئة، إلى جانب شبكات تهريب تتكفل بنقلها إلى الأسواق الخارجية.
لا يشكك أحد بأن تصنيع المخدرات وتهريبها في لبنان وسوريا وراءه رؤوس أموال كبيرة، ويستخدم كسلاح للتدمير والتخريب في المجتمعات، لا سيما في الصراع الدائر بين دول الخليج وإيران، وهي تعوض خسائر الحصار الاقتصادي للنظامين الإيراني والسوري، وتدعم ميزانيات الميليشيات الإيرانية في المنطقة وتتحول إلى هم دولي.
والملاحظ أن نوعيات المخدرات تطورت، إذ كان الحديث قبل العام 2011 يجري عن تهريب الكوكيين والهيرويين، واليوم تشتهر حبوب الكبتاغون، وكانت هناك شبكات تتعاطى عمليات التهريب وتبييض الأموال في دول مثل باكستان وافغانستان والأرجنتين وغيرها من دول أميركا اللاتينية، لكن اليوم تنتشر عمليات الإنتاج في دول عربية مهزومة، وتسوق في دول شقيقة، بإرادة الممول وعبر أجهزة استخبارات وعصابات مدربة محمية أمنيا وسياسيا، كما في سوريا والجوار اللبناني، وتتنوع طرق التهريب تارة بعصير الليمون وأخرى بالشاي، وتصل إلى دول بعيدة، نيجيريا مثلا وغانا، ومن هناك تصدر من جديد إلى دول خليجية، كما أن عمليات التصنيع لا تكون بدائية، وإنما تدل على صناعة ضخمة وكبيرة، مما يعني أن هذه الصناعة التي تتم ليست بدائية ولا شرعية لها، بل هي تحتاج إلى تمويل بالطبع متوفر، وإلى حماية أمنية.
ولا بد من الإشارة إلى أنه منذ اندلاع الثورة السورية صارت الحدود في عهدة قوى غير نظامية، وقد تحولت بعض القرى إلى مناطق معزولة لا يصل إليها إنسان، فأقيمت مصانع عند نقاط حدودية حساسة، وجرى إقفال معابرها، ولم يعد بإمكان القوى الأمنية الوصول إليها، مثل الجمارك والإدارة والقوى والعسكرية والجيش، دون التنكر لإمكانية تورط بعض العسكريين في تسهيل عمليات لشبكات التهريب.
عندما حمل وزير خارجية الكويت مبادرة من دول مجلس التعاون الخليجي لإعادة ترميم العلاقات مع لبنان، تضمنت أربعة بنود متعلقة بتهريب المخدرات من أصل عشرة، مما يؤشر إلى أهمية هذا الأمر، ودفع لبنان لمعالجة هذا الملف، الذي يعني بالضرورة السيطرة على المعابر من قبل الدولة، لا من قبل ميليشيا حزب الله المتعاونة مع ميليشيات ماهر الأسد، ولكن يبدو أن هذا الأمر يحتاج إلى قرار سياسي أولا، وإلى مساعدة دولية في ضبط الحدود، وفي التعاون المشترك وتبادل المعلومات الاستخبارية، لوقف عمليات التهريب ومكافحتها وإحباط الصفقات التي تعقد، والنجاح في زرع مخبرين مسبقا، والأهم من ذلك كله سحب ميليشيا حزب الله من سوريا وكف سيطرتها على المعابر، فهل يتحقق هذا الأمر؟ ومتى تتوفر شروط تنفيذه؟ سؤال برسم الحكومة اللبنانية العتيدة.