عبد القادر الشاوي… وأنا

عبد القادر الشاوي… وأنا

ابراهيم الخطيب

منذ تعرفي عليه في شارع محمد الخامس، قرب مقهى كونطينينطال بتطوان، في أواسط ستينات القرن الماضي، استطاع عبد القادر الشاوي أن يغدو، وبسرعة كبيرة، جزءا لا يتجزأ من مسيرتي الثقافية ومن مخيالي عن الكتابة والكـُتاب. التقينا صدفة على صفحات عدد من المجلات والجرائد، وناقشنا وجها لوجه قضايا تبدو اليوم وكأنها أضغاث أحلام، وتجولنا في شوارع لا حصر لها في الرباط حيث تبادلنا معارفنا الأدبية، وجلسنا في مقاه هنا وهناك نستمتع بنعمة الدنو، واختفى عن أنظاري سنين عددا تحاشيت فيها زيارته في السجن، وتصافحنا بحرارة عشية خروجه منه كأن لم نفترق إلا بالأمس، وتعددت لقاءاتنا أثناء عمله الموجز في مكتب صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» بالرباط، وساهمت مرة أو مرتين في مجلته المحتجبة «على الأقل»، ومرات في جريدته «الموجة»، قبل أن نعمل معا في وزارة حقوق الإنسان غداة إحداثها (1993)، ونسافر إلى الصين في أواسط تسعينات القرن الماضي حيث التقط لي صورا في السور العظيم وفي دروب المدينة الممنوعة.

تلك لقطات خاطفة من علاقتي بعبد القادر الشاوي الذي شكل في وعيي الظاهر، والتباسي الخفي، ذلك الكائن الذي عجزت دوما أن أكونه: كان جديا يعرف أهدافه بدقة وكنت مستهترا عابثا، وكان مناضلا صلبا لا يهاب المآل مهما كان ، وكنت أتحاشى الالتزام بأي منحى سياسي، وكان روائيا مجدِّدا فيما كنت قصاصا فاشلا، وكان مغامرا متماديا يعشق المبادرة وركوب الصعب بينما كنت حذرا، مترددا، حريصا على الانتظار الذي لا يجدي.

لذلك، وسواء تعلق الأمر بالجانب الموضوعي أو الذاتي، أشعر بعمق أن عبد القادر الشاوي تمكن من فرض صورته المتعددة علينا كأحد أبرز مثقفينا منذ سبعينات القرن الماضي وإلى غاية اليوم ، بكل ما تحمله كلمة المثقف من دلالات الجهر والتدخل والتفكير وابتكار الأشكال والمقاربات. إنها الصورة التي ﺣﺎﻭﻟﺖ البحث في تضاعيفها ، وكشف الرؤى والآليات التي تكمن وراء السياق المعقد الذي يصل الكتابة بالحياة، ويجعل من المعاناة النفسية والجسدية مستنبتا للإبداع والخلق.

كاتب ارتبط بتاريخ بلاده في أحلك مراحله وتأمل إشكالات هذا التاريخ، وعانى ويلات السجن لكنه حولها إلى كتابة تـُنحت من صخر العزلة، واستمد من مغادرة الجدران الكئيبة حافزا للدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن داخل السجن وخارجه، وعشق المبادرة فأنشأ مع ثلة من أصدقائه مقاولات نشر لا يزال بعضها ماثلا إلى اليوم، وواجه المرض الأليم بشجاعة وتباعد جعلا همّ المعاناة يتحول إلى كتابة على تخوم الهزء من الموت، وكان وفيا لأصدقائه لذا تكاثروا عددا وكيفا على مدى سنوات عمره التي نيفت على الخامسة ﻭ الستين.

Visited 13 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

ابراهيم الخطيب

ناقد أدبي ومترجم