قراءة في نتائج الانتخابات اللبنانية: سلاح حزب الله على الطاولة

قراءة في نتائج الانتخابات اللبنانية: سلاح حزب الله على الطاولة

درويش حوحو

أسفرت نتائج الانتخابات النيابية في لبنان التي جرت يوم الأحد الماضي، وحسب ما اعلنت عنها وزارة الداخلية مساء الثلاثاء في 18 من شهر ايار ـــ ماي الجاري، عن تبدل واضح في المشهد السياسي، إذ انتقلت الأغلبية النيابية من ما يسمى محور الممانعة الذي يقوده حزب الله، الى القوى التغييرية والمعارضة التي حصدت مجتمعة على ثمانية وستين نائبا من أصل مية وتمانية وعشري، فيما حصد تحالف حزب الله مع مؤيديه ستين نائبا، ما يضع لبنان أمام مرحلة سياسية جديدة وصراع قاس بشأن السياسات التي يجب إتباعها والخطط الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة الى كيفية ممارسة السلطة وتحريك مؤسسات الدولة وإدارتها. لقد حقق اللبنانيون انتصارا واضحا في صناديق الاقتراع، وصوتوا بكثافة ضد سياسة الاذلال والاخضاع، ولم يخافوا من ترهيب الميليشيات وتهديداتهم بالقتل والاعتداء على المرشحين الاحرار وعلى الناخبين، كما حصل في اكثر من دائرة ولم يخضع الناس لضغوط المالية وشراء الذمم وانتشار الرشوة، على مرأى السلطة وسمعها، واعلن الشعب اللبناني لا ثانية بعد لا السابع عشر من تشرين والثامن من بعد انفجار المرفأ، فاقبلوا على الصناديق بكثافة وخصوصا في دائرة بيروت الثانية، حيث اقترع حوالي مية وستين الف ناخب وبنسبة فاقت الأربعين بالمئة بعدما لم تكن تتجاوز الخمسة وعشرين او سبعة وعشرين بالمائة في الانتخابات السابقة.

لقد تمكن اللبنانيون من كسر سيطرة الممانعة على القرار في مجلس النواب واسقطوا الى حد ما مخطط ايران في استتباع لبنان وعزله عن محيطه العربي واشقائه العرب والمجتمع الدولي وانتصروا الطغمة الحاكمة التي مارست كل الاذلال والافقار والسطو على الناس والدولة ونشر الجوع الذي زار منازل اكثر من ثمانين في المئة من اللبنانيين وحرمتهم هذا الاستقرار ومارست اشكال السخرية من صراخهم، وتمكنت التغييريون من تحقيق إنجاز وتقدم ملموس، حيث فازوا بكتلة بلغت خمسة عشرنائبا.

كما تغيرت خارطة الكتل النيابية وأحجامها:

ــــ فأولا: منع وليد جنبلاط محاولات حزب الله عزل الحزب التقدمي الاشتراكي وكرس زعامته الدرزية الوحيدة بعد خسارة المرشحين الوزيرين الدرزيين المدعومين من حزب الله طلال ارسلان ووئام وهاب وحسم كتلة من تسعة نواب واحتكر التمثيل الدرزي، رغم الحملات التي شنت عليه من محور الممانعة والضغوط على المقترعين.

ــــ ثانيا: حققت القوات اللبنانية تقدما ملموسا بكتلة نيابية بلغت 18 نائبا.

ــــ ثالثا: خسر التيار الوطني الحر نسبة كبيرة من مؤيديه ولم يتمكن من تحقيق اكثر من 17 نائبا، بعدما كانت كتلتهم النيابية سبعة وعشرين نائبا في السابق، وكاد رئيسه جبران باسيل يخسر مقعده وفاز بشق النفس، وهذه الخسارة ستكون لها تداعياتها على التيار وعلى موقعه السياسي ودفع ثمن ممارساته في السلطة والاستئثار بالحكم والعنجهية وإبعاد الآخرين.

 ــــ رابعا: المفاجأة الكبرى في هذه الانتخابات كانت حصة التغييريين الذين حصلوا على 15 نائبا، بالرغم من حالة التشتت والشرذمة وتعدد لوائحهم والصراعات فيما بينهم وسوء إدارتهم للمعركة الانتخاب الى حد بعيد، ولكن الناس صوتت لهذه المجموعات بعدما احسوا بالقرف من المسؤولين وسياساتهم التي هدمت الوطن وأوصلته الى جهنم، وكان بالإمكان حسب الاحصاءات ان يحقق التغييريون كتلة  تفوق الثلاثين نائبا لو تمكنوا من تشكيل لوائح موحدة.

ــــ خامسا: اثبتت المعركة الانتخابية ان اللبنانيين قادرون على خرق لواء حزب الله والتصدي لسياساته، فرغم اشكال التهديد بالقتل والاعتداء والترهيب التي مارسها في مناطق الجنوب والبقاعين الشمالي والغربي، استطاعت قوى التغيير خرق لائحته في دائرة الجنوب الثالثة بمقعدين وكان السقوط المدوي لرمزين في اللائحة مرشح الحزب القومي اسعد حردان ومرشح المصارف مروان خير الدين، وهذا الامر سيفتح المجال امام مواجهات سياسية وشعبية ضد حزب الله وممارساته في المستقبل اذ شعر اللبنانيون انهم قادرون على المواجهة والتقدم.

ـــ سادسا: خسارة الرموز التابعة لنظام الاسد، والتي يقال انه ليس يمكن المساس بها، فالنواب منهم نائب الحزب القومي السوري اسعد حردان، وطلال ارسلان ووئام وهاب وايلي الفرزلي المعروف بهندسة السياسات السورية في اكثر من مناسبة وفيصل كرامي والمرشح لرئاسة الجمهورية النائب السابق سليمان فرنجية الذي تراجعت كتلته الى نائب واحد فقط هو إبنه طوني فرنجية.

ــــ سابعا: أما المفاجأة الكبرى فكانت في مدينة بيروت التي سعى حزب الله الى اجتياح مقاعدها السنية، بعدما انكفأ تيار المستقبل عن خوض المعركة الانتخابية، ما اشعر جماعة الممانعة بتوفر فرصة لاختطاف قرار بيروت لما تمثله العاصمة من كونها المركز السني الاكبر، فقد أقبل اهل بيروت على الاقتراع وبلغت نسبتهم مية وستين الف مقترع، وقد اعطت بيروت اصواتها للقوى التغييرية لوجوه سياسية بيروتية جديدة، بعدما احست بخطر مشروع حزب الله في العاصمة وساعد على ذلك مواقف المفتي عبد اللطيف دريان وحسن ادارة اللوائح للمعركة واسقطت بيروت دعوات المقاطعة والاعتكاف التي رفعها تيار المستقبل، اذ شعر البيروتيون ان هذا الامر لا يخدم الا المشروع الايراني في لبنان. ث

ــــ ثامنا: نتائج الانتخابات ادخلت وجوها جديدة الى الندوة البرلمانية حوالي ستين نائبا ونائبة. سيدخلون المجلس المرة الاولى وابرزهم ممثلو القوى التغييرية.

لقد ابرزت نتائج الانتخابات القدرة الشعبية والسياسية لمواجهة مشروع استتباع لبنان للمحور الايراني، ولكن كل محاولات التهديد بالقتل لم تحقق اهدافها، بل الحقت بهذا المشروع هزيمة كبرى، فرموز سياسية محسوبة على النظام السوري سقطت وتلاشت وحزب الله لم يستطع التمدد الى المكون الدرزي، بل خسر المقعدين الدرزيين، وبذلك بات لبنان امام مرحلة سياسية جديدة ستبدأ بالصراع لانتخاب رئيس للمجلس النيابي وتشكيل حكومة جديدة، وصولا الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهنا تلاشت حظوظ ابرز مرشحين للرئاسة سليمان افرنجية وجبران باسيل، وعلى القوة الجديدة المعارضة، العمل منذ الان منذ اليوم لاختيار رئيس ينقذ البلاد ويخرجها من جهنم، والابتعاد عن المناورات وسياسة المحاصصة في الحكومات والخضوع لابتزاز حزب الله الذي بدأ بتهديد التغييريين والمعارضة عبر تصريح رئيس كتلة نوابه محمد رعد. حيث قال “نستقبلكم خصوما في المجلس النيابي ولكن لن نتقبلكم دروعا للصهاينة والامريكيين، لا تكونوا وقودا لحرب اهلية نحن متسامحون جدا، لكننا اقوياء جدا لنفاجئكم بما لا تستطيعون حتى التوهم به”.

لقد بات سلاح حزب الله على الطاولة للبحث. وهو موضوع  لا يمكن السكوت عنه بعد الان، ولبنان امان ومرحلة جديدة. فهل تكون بداية للخروج من الازمات المتلاحقة والخانقة التي اثقلت كاهل اللبنانيين ام استمرارا لما سبق ما يهدد وجود الوطن وإستقراره.

Visited 9 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

درويش حوحو

كاتب وناشط سياسي