النضال النسوي والمعوقات السياسية والسيكولوجية

النضال النسوي والمعوقات السياسية والسيكولوجية

د. سيلفا بلوط

احتلّ النضال ومازال، مساحةً  كبيرة من التاريخ النسوي في سبيل تحصيل المرأة لحقوقها، والسعي إلى إرساء المساواة بينها وبين الرجل. ولسنا هنا في صدد استعراض المراحل التي مرّ بها هذا النضال، وإنما ملخّص القول إنه كلّف المرأة، والمجتمع أيضاً تضحياتٍ كبيرة. لقد أمعن المجتمع البشريّ بصورته غير العادلة والشرسة، إن جاز التعبير، في التحكّم بالإنسان الضعيف و قمعه، ووضع العراقيل أمام سعيه لنيل حقوقه المشروعة. 

ومن المعلوم، أنه غالباً ما يتمّ استهداف الحلقة الأضعف، أي المرأة، باستثناء بعض المجتمعات الأموميّة والتي في طريقها إلى الاندثار.

إن العقليّة الذكوريّة التي اتسمت بها  بعض الأديان، إن لم يكن جميعها، تؤكّد على هذا التمييز الذي اتخّذ مساراً مأساويّاً أو أبعاداً مأساويّة، فكانت المرأة ليست فقط إنساناً في مقام الدرجة الثانية، بل وصل الحدّ أحياناً إلى تشييئها.

في هذا الجوّ الرماديّ أو السوداويّ، ومع تغيّر المجتمعات والنضالات ضدّ كلّ أشكال التمييز والتي برزت بوجه خاص، بعد الثورات الكبيرة التي حصلت في الغرب (الثورة الفرنسيّة مثلاً)، أسهمت المرأة بفضل نضالها في الحصول تدريجيّاً على حقوقها، وتعزيز هامش حريتها، وتوسيعه، فبتنا نلاحظ أنها باتت تقترب من الرجل وممّا لا شكّ فيه، أن نضال المرأة ترك  بصماته في مجتمعنا، على الرغم من ضغط المؤسسات الدينيّة الرجعيّة المضادة للتطوّر، والتي تكبح تقدّم  وضعية المرأة، وتقف سدّاً منيعاً في وجه إرساء المساواة بينها وبين الرجل خوفاً على امتيازاتها (ملاحظة: السلطة الدينيّة تختلف عن الدين).

في لبنان، أسهمت التعدديّة في تطوير القوانين اللبنانيّة المدنيّة التي وردت في الدستور، بحيث نادت بالمساواة بين المرأة وبين الرجل، إلا أن الشواذ بقي في قوانين الأحوال الشخصية.

وهنا، من بين الحقوق المدنيّة، نسلّط الضوء على حق المرأة في المشاركة في الحياة السياسية (ومن بينها الانتخاب، والترشّح)، وأن تتمتّع فعلاَ بما اكتسبته من حقوق في ممارسة دورها في السلطة بما يتساوى مع الرجل. ونذكّر مرة أخرى، أن المرأة استطاعت انتزاعه بمساعدة الرجل أيضاً والفكر التنويري.

ويبقى السؤال المطروح هنا، هل استطاعت المرأة اللبنانية أن تؤدّي دورها في الحياة السياسيّة، وأن تتمتع فعلاً بما اكتسبته؟

نحن نرى أن هذا التمتّع بما اكتسبته لا يزال يشوبه الكثير من الصعوبات، وهذا يعود إلى العاملين الثقافيّ والنفسيّ، ويعكس بدوره مستوى وعيها الذي لم يرتقِ، للأسف، كما يعوّل عليه من جهة، ومن جهة أخرى إلى وجود ضغوط إجتماعية لا زالت تلقي بثقلها على حرية المرأة وتحاول أن تعيدها إلى ما يسمّى بـ”قفص الحريم” .

فهل أثمرت هذه النضالات لصالح المرأة في ممارسة الحياة السياسيّة والاجتماعية؟ وماهي معوقاتها؟ إن طرح مثل هذه الأسئلة ضروري.

بالنسبة إلى العوامل السيكولوجية التي تؤثّر في وعي المرأة السياسيّ والانتخابيّ. نذكر أبرزها:

ــ إن القيم الذكورية البائدة لا زالت تفعل تفعلها، من خلال استدخال أو اجتياف incorporation المرأة لمؤثّراتها ، خصوصاً  عند المرأة المتدنيّة التعليم (وكأنها وسيلة تعويض عن شعورها بالنقص نتيجة مستواها التعليميّ) أو حتى عند المرأة التي حصّلت تعليماً عالٍ إلا أنها تعاني من رهاب أو خواف الحصول على حريتها. إذ تخاف هذه النساء من تملّكهن لحريتهنَ، لا يعرفن ماذا يفعلن بها! ماذا يصنعن بهذه الحرية! إن الحرية مرادفة للمسؤولية والمسؤولية تعترض طريق المرأة. إذ يعتبر الكثير من النساء أن نضالهن يمنعهنّ من القيام بأدوارهن، فعلى سبيل المثال هناك تعارض بين نضالهن وبين مشاغل أخرى كالأمومة.

ــ هناك تقديس للأمومة، وكأنها فقط المشكلة الأساسيّة في حياتها وهذا ما يعيدها إلى قفص الحريم أو إلى سطوة الرجل. هذا التقديس يُرضي غرورها باعتبار الأمومة رسالة مقدّسة. (شو بدّك بها لشغلة، اهتميّ بولادك أحسن).       

ـــ التبعيّة الاقتصاديّة للمرأة لتنعكس سلباً على وضعها النفسيّ، فهي تضعف تقديرها لذاتها، وتخفّض بالتالي ثقتها بنفسها.

ــ تتبدّى المبالغة في تقدير الأنوثة عاملاً سلبيّاً باعتباره يتعارض مع الذكورية. إن مبالغة المرأة لأنوثتها تضعف ذاتها وطبيعتها، كما تضعف مشاركة المرأة مع الرجل بدلاً من تعزيزها.

ــ يعتبر الكثير من النساء أن السياسة حكر على الرجال وفي هذا سوء لتقدير الذات. إذ يجب أن تصبح السياسة من مهام المرأة والرجل على حدّ سواء و بنفس الدرجة.       

في المحصّلة، يتبدّى تقدير الذات عند المرأة العامل الأبرز في تعزيز الوعي الانتخابيّ سواء على مستوى إجتياف القيم الذكورية، أو التبعية الاقتصادية، أو المبالغة في تقدير الأنوثة، أو احتكار الرجال للسياسة، أو الأمومة… ولا يخفى أن تقدير الذات ما هو إلا حصيلة عوامل تربويّة وثقافيّة ونفسيّة.

 وأخيراً، لا يجوز النظر إلى علاقة الرجل بالمرأة كعلاقة صراع أو تنافس، إنما علاقة شراكة. المرأة هي شريكة حرّة متكاملة مع الرجل.

*  القيت في ورشة عمل نظمتها جمعية “قضية نسوية” بالتعاون مع “مجلس بعلبك الثقافي” و”جمعية دار البرّ اللبنانيّ”، بعنوان “الوعي السياسيّ للمرأة: مقاربة قانونية – سيكولوجية” (بتاريخ 25 يونيو 2022).

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. سيلفا بلوط

باحثة متخصصة في علم النفس