لما عاد أحمد فؤاد نجم إلى حزب الوفد
فجري الهاشمي
في الفترة الأخيرة من حياته التحق الشاعر المتميز بحزب الوفد المصري. بالرغم من أن هذا الحزب ذو توجه ليبرالي، إلا أن الشعب المصري كان يقدره، خصوصا لمواقفه المناهضة للاستعمار الانجليزي. وشخصية الزعيم سعد غلول تعامل معها الروائي نجيب محفوظ في “الثلاثية”، وفي غيرها من أعماله الروائية.
كان حزب الوفد يمثل القوة السياسية الأولى في مصر إلى حدود سنة1952، تاريخ وصول الضباط الأحرار إلى السلطة بعد إزاحة الملكية.
يمكن اعتبار تلك المرحلة في تاريخ مصر من عصورها الذهبية، مرحلة عرفت فيها مصر عملية تحديث واسعة، وكان لحملة نابوليون أثرها في خلخلة الكيان المصري، إضافة إلى البعثات المصرية لأوروبا. كانت القاهرة ملاذا لكل الليبراليين العرب، خصوصا الذين قدموا من لبنان.
في تلك الفترة كانت السجالات الفكرية والنقاشات حادة بين المثقفين بفضل نخبة رائعة من المفكرين والأدباء والشعراء. وكانت السلطة تقدر قيمة هذه النخبة. لقد كتب طه حسين كتابه المثير للجدل حول الشعر الجاهلي، الذي خلق ضجة كبرى في أوساط المحافظين.
وكان كتاب علي عبدالرازق حول أصول الحكم في الإسلام، الذي كسر أوهام الخلافة، وما ترتب عن ذلك من تعرضه لمحاكمة الأزهر.
وكانت هناك فورة للثقافة اللبيرالية، تطورت خلالها الموسيقى انطلاقا من العبقري الموسيقي سيد درويش، وشهد فن الأوبرا نشاطا متزايدا.
مرحلة أصبح فيها طه حسين، وهو المثقف الحداثي، وزيرا للتعليم. كما تميزت هذه الفترة بوجود قامات فكرية عالية، مثل توفيق الحكيم، ومحمد حسنين هيكل، ومحمد منذور، وغيرهم كثير.
وفي هذه الفترة، في سنة 1928، ظهرت جماعة “الإخوان المسلمون”، كرد فعل على مسلسل التحديث، وعلى نظام سياسي بدأ يأخد بقواعد الديموقراطية الليبرالية. كانت الصحافة نشطة إنه زمن مجلة “روزاليوسف”.
إجمالا يمكن القول إنها مرحلة ذهبية في تاريخ مصر، التي كانت مهددة بالتآمر عليها من طرفين، كلاهما ذو طبيعة شمولية، وهما “الإخوان المسلمون”، والاتجاه القومي، ويمثله حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي أسسه الرئيس جمال عبدالناصر.
نعرف القمع الذي تعرضت له المواقف المخالفة، سواء كانت سياسية أو ثقافية. هكذا قمع “الإخوان المسلمون”، في نفس الوقت الذي قمع فيه الشيوعيون.
باختصار، إن انضمام أحمد فؤاد نجم لحزب الوفد، هي إشارة من الفاجومي إلى أن عودته هي لجوء لمرحلة ذهبية من تاريخ مصر، بعد أن سيطر الظلام على شعب مصر منذ أن فتح الرئيس محمد أنور السادات الباب على مصراعيه ليفعل “الإخوان” ما يشاؤون. هكذا عادت مصر إلى الوراء.
إنها نكسة الحداثة التي تسببت فيها القوى الشمولية.
وليس مهما أن أحمد فؤاد نجم كان قد انسحب بعد أشهر مستقيلا من عضوية حزب الوفد، لأن السبب لم يكن خلافا سياسيا أو مبدئيا، بقدر ما كان تضامنا من صاحب “يعيش أهل بلدي” مع صديقه الصحفي ابراهيم عيسى، الذي أقاله رئيس حزب الوفد، الدكتور السيد البدوي، من منصبه كرئيس تحرير لجريدة “الدستور”.
وقد عرض أحمد فؤاد نجم ، رفيق مغني الطبقات الشعبية المسحوقة الشيخ إمام (اسمه الكامل إمام محمد أحمد عيسى)، هذه القصة في مذكراته الشخصية التي تم تحويلها إلى فيلم بعنوان “الفاجومي”.
*هناك كتاب قيم للمثقف والصحفي المصري صلاح عيسى بعنوان “الكارثة التي تهددنا”، وأتذكر أنه أعيد طبعه في المغرب، ومازلت أحتفظ بنسخة منه.