زيارة بايدن… وحسابات المصالح

زيارة بايدن… وحسابات المصالح

 حسين عطايا

لا يختلف اثنان على أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية لها أهميتها وذات فعالية، بالنظر لما يشهده العالم من أزمات، بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية منذ شهر شباط – فبراير.

والبارز كان زيارته للمملكة العربية السعودية، بعد أن شهدت العلاقات السعودية ـــ الأميركية فتوراً، لا بل خلافات ظهرت للمرة الأولى بحجمها الحالي، منذ ما يُقارب ثمانية عقود مضى من عمر تلك العلاقة .

الخلافات البينية في العلاقات السعودية ــــ الأمريكية بدأت مع وصول بايدن للسلطة، ففي أثناء حملته الانتخابية، صرح بأنه لا بد من التعامل مع المملكة العربية السعودية على أنها “دولة منبوذة”، وأتى ذلك على خلفية قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في العام 2018. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وقبل أيام من زيارته للمنطقة، صرح بأنه لن يلتقي  ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان .

ولكن جرت رياح بن سلمان على عكس تمنيات بايدن، فعلى أثر تطور الحرب الروسية ــــ الأوكرانية وما نتج عنها من عقوبات على قطاع الطاقة الروسية، وارتفاع أسعار النفط عالمياً، اضطرات الولايات المتحدة لضخ ما يُقارب الثلاثين بالمئة من احتياطها الإستراتيجي النفطي في الأسواق العالمية، بُغية خفض اسعارها، إلا أن الأمر لم يحصل، فعزم بايدن على زيارة العربية السعودية ومنطقة الخليج للطلب من قادتها، زيادة حجم ضخ نفطها في الأسواق العالمية سعيا للجم ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم العالمي .

يمكن تحديد أهداف الزيارة:

ــــ أولاً: زيارة إسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة وصدور الإعلان المشترك، والذي سُمي بـ”إعلان القدس”، حيث تعهدت الولايات المتحدة بضمان أمن إسرائيل والسعي بكل ماتملك من قوة في عدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي .

ــــ ثانياً:  زيارة العربية السعودية لطلب زيادة حجم صادراتها النفطية، لخلق معادلة جديدة تؤدي إلى خفض سعر النفط العالمي، لينعكس إيجابا على الأسواق العالمية، بكون النفط مادة إستراتيجية تؤثر أسعارها، على بقية السلع والمواد والخدمات على مستوى العالم .

هذا على صعيد المُعلن من الأهداف، ولكن المخفي منها أو المستتر هو عودة الولايات المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط، وعدم السماح للتسلل إليها وملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، بدءاً من انسحابها المُذل من أفغانستان إلى باقي ساحات هذا المشرق .

في الزيارة : 15 تموز ـــــ يوليو 2022

لا شك أن زيارة بايدن اكتنفها الكثير من الملاحظات الشكلية والجوهرية، وخلقت أجواء جديدة تختلف عما قبل الزيارة .

في الاستقبال

من الملاحظ أن الزيارة لم تكسر البرودة والجفاء مع المملكة العربية السعودية، إذ كانت وسائل الاعلام لا سيما الأمريكية منها، قد وزعت خبراً عن استقبال الرئيس بايدن من قبل الملك سلمان بن عبد العزيز على أرض مطار جدّة، وهذا الأمر لم يحصل، حيث اقتصر استقباله على أمير منطقة مكة، خالد الفيصل ف، بينما كان ولي العهد السعودي حاضراً في استقبال الزعماء والرؤساء العرب في ظل مظاهر الود والاحترام.

في قصر السلام

على مدخل قصر السلام، استقبل ولي العهد الرئيس بايدن، وظهرت البرودة في العلاقة من خلال اقتصار المصافحة عبر سلام كورونا أي السلام بقبضة اليد، بطلب من بايدن ومواقفة ولي العهد، بينما في داخل القصر صافح بايدن الملك سلمان .

في اللقاءات

بعد لقاء بروتوكولي مع الملك سلمان، كان اللقاء العملي لمناقشة مختلف القضايا بلقاء جانبي شارك فيه أعضاء الوفدين، بين الرئيس بايدن وبن سلمان، وتم خلاله بعد مناقشات توقيع ما يُقارب 18 اتفاقية تهُم الطرفين .

وعلى إثر اللقاء صدر بيان مشترك أكدت فيه الولايات المتحدة التزامها بالمساعدة بضمان أمن  المملكة والخليج، وكذلك بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي .

قمة التنمية والأمن

في اليوم الثاني من الزيارة، أي في 16 تموز ـــ يوليو، حضر بايدن قمة خليجية ـــ عربية، شارك فيها كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والملك الاردني عبدالله بن الحسين، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بالإضافة إلى قادة دول الخليج العربي الأعضاء في مجلس التعاون .

في المؤتمر، كان بارزاً التركيز على إيران ودورها في المنطقة العربية عامة والساحة الخليجية على وجه الخصوص، ومطالبة قادة الدول المشاركة في الإبقاء على منطقة الخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل، والتأكيد على أن ما تقوم به إيران من أنشطة تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في العديد من الدول العربية بدءاً من اليمن والعراق وسوريا، وصولاً الى لبنان .

ودارت مناقشات مستفيضة لكل القضايا التي تهم المجتمعين، وعلى إثرها صدر بيان أشار فيه المجتمعون إلى استذكار القادة القمم الخليجية – الأمريكية السابقة المنعقدة في كامب دايفيد في 14 مايو 2015، وفي الرياض 21 أبريل 2016، وفي الرياض في 21 مايو 2017م، وأكدوا ما تتميز به علاقاتهم من شراكة تاريخية وأهمية استراتيجية، كما أكدوا عزمهم المشترك للبناء على ما توصلت إليه القمم السابقة من إنجازات لتعزيز التعاون والتنسيق والتشاور بين دولهم في كافة المجالات”.

وأكدوا التزامهم “بتطوير التعاون المشترك في سبيل دعم جهود التعافي  الاقتصادي الدولي، ومعالجة الآثار الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وضمان مرونة سلاسل الإمدادات، وأمن إمدادات الغذاء والطاقة، وتطوير مصادر وتقنيات الطاقة النظيفة، ومساعدة الدول الأكثر احتياجاً والمساهمة في تلبية حاجاتها الإنسانية والإغاثية”.

وأفاد المجتمعون في بيانهم أن الولايات المتحدة الأمريكية رحبت بقرار مجموعة التنسيق العربية، التي تضم عشرة مؤسسات تمويل تنموية وطنية وعربية ومتخصصة، تقديم مبلغ لا يقل عن 10 مليارات دولار، لغرض الاستجابة لتحديات الأمن الغذائي إقليمياً ودولياً، وبما يتفق مع أهداف (خارطة الطريق للأمن الغذائي العالمي ـــ نداء للعمل) التي تقودها الولايات المتحدة. كما رحب القادة بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم دعم إضافي بقيمة بليون دولار لتلبية حاجات الأمن الغذائي الملحة على المديين القريب والبعيد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

وبحسب البيان، نوه القادة “بالجهود القائمة (لأوبك +) لتحقيق استقرار أسواق النفط العالمية، بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين، ويدعم النمو الاقتصادي. ورحب القادة بقرار أعضاء (أوبك +) الأخير بزيادة الإنتاج لشهري يوليو وأغسطس، وعبروا عن تقديرهم لدور المملكة العربية السعودية القيادي في تحقيق التوافق بين دول( أوبك ).

وأشار إلى ترحيب الرئيس بايدن “بإعلان عدد من الشركاء من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خططها لاستثمار ما مجموعه 3 مليارات دولار في مشاريع تتوافق مع أهداف مبادرة الشراكة العالمية للاستثمار والبنية التحتية التي أعلنت عنها الولايات المتحدة، وذلك للاستثمار في البنى التحتية الرئيسية في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، بما في ذلك الاستثمار في مشاريع تعزز أمن الطاقة، والمناخ، والاتصال الرقمي، وتنويع سلاسل الإمداد العالمية”.

من جهته، عبر الرئيس بايدن عن تقديره لتبرع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية “بمئة مليون دولار لدعم شبكة مستشفيات القدس الشرقية، والتي تقدم الرعاية الصحية الضرورية والمنقذة للحياة للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية”.

وأكد القادة “التزامهم المشترك بحفظ أمن المنطقة واستقرارها، ودعم الجهود الدبلوماسية الهادفة لتهدئة التوترات الإقليمية، وتعميق تعاونهم الإقليمي الدفاعي والأمني والاستخباري، وضمان حرية وأمن ممرات الملاحة البحرية. وفي هذا الإطار، رحبت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتأكيد الرئيس الأمريكي على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة الأمريكية لشراكتها الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأنها تقف على أهبة الاستعداد للعمل جماعياً مع أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية لردع ومواجهة جميع التهديدات الخارجية لأمنهم، وضد أي تهديدات للممرات المائية الحيوية، خاصة باب المندب ومضيق هرمز”.

وأعلنوا دعمهم “لضمان خلو منطقة الخليج من كافة أسلحة الدمار الشامل، مؤكدين مركزية الجهود الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، وللتصدي للإرهاب وكافة الأنشطة المزعزعة للأمن والاستقرار”.

 وأشادوا “بالتعاون القائم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمركية في دعم أمن واستقرار المنطقة وممراتها البحرية، وأكدوا عزمهم على تطوير التعاون والتنسيق بين دولهم في سبيل تطوير قدرات الدفاع والردع المشتركة إزاء المخاطر المتزايدة لانتشار أنظمة الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة، وتسليح الميليشيات الإرهابية والجماعات المسلحة، بما في ذلك ما يتناقض مع قرارات مجلس الأمن”.

ولفتوا في بيانهم إلى “بحث القادة السبل الكفيلة بتكثيف التعاون المشترك في سبيل تعزيز الردع والقدرات الدفاعية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتطوير التكامل والاندماج في مجالات الدفاع الجوي والصاروخي، وقدرات الأمن البحري، ونظم الإنذار المبكر وتبادل المعلومات”.

ورحبوا “بإنشاء (قوة المهام المشتركة 153) و(قوة المهام المشتركة 59)، واللتان تعززان الشراكة والتنسيق الدفاعي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والقيادة المركزية الأمريكية، بما يدعم رصد التهديدات البحرية ويطور الدفاعات البحرية عبر توظيف أحدث المنظومات والتقنيات”. كما أكدوا “حرصهم على استمرار عقد القمم الخليجية الأمريكية سنوياً “.

وفي الختام، لابُد من طرح السؤالين التاليين: هل حققت هذه الزيارة للرئيس الأمريكي ما اراده منها؟ أم أن الأمر يختلف باختلاف آراء المشاركين فيها؟

الجواب على هذين السؤالين متروك للأيام والأسابيع المقبلة للإجابة عليها وإظهار نتائج الزيارة التي ستظهر تِباعاً .

 

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني