المجتمع المدني تأصيل دستوري وقيود إدارية

المجتمع المدني تأصيل دستوري وقيود إدارية
د. جمال المحافظ
إذا كانت الحكومة لم تبادر لحد الآن بطرح تفاصيل تصورها حول “دعم الشراكة بين الدولة والمجتمع المدن” الذي جاء في عرض قدمه في أبريل الماضي الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان – الناطق الرسمي باسم الحكومة، فإن هذا الموضوع لم يثر كذلك اهتمام وردود فعل هيئات ومنظمات المجتمع المدني إيجابا أو سلبا.
فخلال أشغال مجلسها الأسبوعي جاء في بلاغ للمجلس أنه”تتبع عرضا حول أوجه دعم الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني”، أكد فيه الوزير أن “المكانة التي يتمتع بها المجتمع المدني، حفزَّت الاشتغال على استراتيجية جديدة تروم تمكينه”. وترتكز هذه الاستراتيجية على خمسة محاور أساسية، تتمثل في إعداد وتنسيق السياسات العمومية في مجال النهوض بالمجتمع المدني، وبالتطوير التنظيمي والهيكلي لجمعيات المجتمع المدني بهدف جعلها شريكا أساسيا في التنمية
 
تأهيل البيئة القانونية
كما ترتكز الاستراتيجية على تعزيز الشراكة بين الدولة وجمعيات المجتمع المدني من خلال تعزيز وتنويع الدعم العمومي الموجه إليها. تسعى كذلك إلى تسريع استكمال وتأهيل البيئة القانونية المتعلقة بالمجتمع المدني مع تشجيع الرقمنة كرافعة أساسية لتطوير جمعيات المجتمع المدني.
وإن كانت الحكومة ترى أن من شأن تنزيل هذه الاستراتيجية أن تعمل على “فتح آفاق جديدة لدعم الشراكة بين الدولة وجمعيات المجتمع المدني”، فإن أسئلة عديدة منها مآل نتائج الحوار الوطني حول المجتمع المدني وتوصيات “نداء الرباط” المنظم بالتوازي مع هذا الحوار، وإعادة النظر في قانون الجمعيات الذى لم يطله أي تعديل منذ عام 2002.
وتأتى هذه الاستراتيجية الحكومية، في ظل سياق يتميز بالتراجع الملحوظ في منسوب عمل هيئات ومنظمات المجتمع المدني وتقلص إشعاعها وامتداداتها ومصداقيتها أيضا. وتجلى هذا الوضع بوضوح في الضعف الملحوظ في مساهمة منظمات المجتمع المدني في المجهودات المبذولة في مجال مواجهة جائحة كوفيد 19، والحرائق التي تشهدها غابات شمال البلاد ولو في حدود الجوانب المتعلقة بالتحسيس والتوعية والخدمة الاجتماعية الموجهة الى الساكنة المتضررة من هذه الكوارث الطبيعية
 
مقاربة تشاركية في القرار العمومي
بيد أنه وأن كان من الإيجابي الغاء وزارة العلاقة مع المجتمع المدني من الهندسة الحكومة الحالية، فإن تطور المقاربة التشاركية في عملية اتخاذ القرار العمومي، يظل رهينا بعدة شروط في مقدمتها توسيع فضاء الحرية والديمقراطية والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة في ظل ارتفاع عدد الجمعيات بمختلف المناطق والجهات الذي تجاوز عددها 200 ألف جمعية، حسب احصائيات رسمية حديثة.
فهذا الارتفاع الصاروخي لعدد  “منظمات المجتمع المدني”، الذي ساهم فيه اطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عام 2005، وإن كان مهما من الناحية الكمية، فإنه لا يترجم على المستوى النوعي والواقعي، ويصبح مجرد رقم من جملة الأرقام فاقدا للمدلول وللفعل الملموس، إذا لم تتوفر عدة شروط من بينها تحديث التشريع وتأهيل هيئات المجتمع المدني، من أجل الارتقاء بمستوى أدائها ودمقرطتها وحكامة تدبيرها وتسييرها، وصيانة استقلاليتها.
 
المجتمع المدني قاطرة للتنمية
إلا أن طرح هذه الإشكاليات لا يعنى بالضرورة، تبخيس دور منظمات المجتمع المدني وتحميلها كامل المسؤولية، ولكن للتأكيد على الدور الحيوي والفعال الذي يتعين أن تضطلع به، خاصة في ظل هذه الظرفية والدقيقة التي تجتازها البلاد، باعتبار أن المجتمع المدني يعد قاطرة للتنمية ومحركا أساسيا لعجلتها ومساهما فعالا في ترسيخ قيم التضامن والمواطنة.
فدستور 2011 الذي خص المجتمع المدني بمكانة هامة نص في الفصل 12 على أن الجمعيات المهتمة بالشأن العام والمنظمات غير الحكومية تساهم في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها.
فمنظمات المجتمع المدني التي يناط بها مهام المساءلة والترافع لتجويد السياسات، فضلا عن الوظائف الجديدة التي يخولها له الدستور في حاجة ماسة إلى تعزيز أدوارها من أجل ضمان مجتمع الديمقراطية التشاركية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
وعلى الرغم من أن الدستور ينص على احداث المجلس الاستشاري الشباب والعمل الجمعوي ضمن مؤسسات الحكامة، فإن هذه المؤسسة الدستورية التي تهدف بالخصوص الى النهوض بمنظمات المجتمع المدني لم يرى النور لحد الآن مما يضيع على الجمعيات فرصة تقديم حول مقترحاتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافي، والانخراط في رهان تحقيق التنمية المستدامة.
وهذا التوجه سارت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة حينما اعتبرت أن المجتمع المدني التطوعي يشكل عنصرا مهما في أي استراتيجية تستهدف تحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر والسلم والصحة والتعليم وتمكين الشباب وتحقيق التكامل الاجتماعي والرعاية الاجتماعية والعمل الإنساني، وهو التصور الذي زكاه الأمين العام للأمم المتحدة حينما دعا الى ادماج ذلك في الخطة الأممية للتنمية المستدامة برسم سنة 2030 .
 
إكراهات ذاتية وموضوعية
فرغم ما يمكن أن يسجل في مسار منظمات المجتمع المدني بالمغرب، فإنه مازالت تعانى من عدة اكراهات ذاتية منها هشاشة الديمقراطية الداخلية والحكامة وضعف التأطير والكفاءة والتداول على المسؤولية وتجديد النخب، تضاف اليها صعوبات موضوعية تتعلق بالجوانب تشريعية وقانونية وإداية ومالية واجتماعية.
يضاف الى كل ذلك افتقاد المغرب “لتصور عام استراتيجي لما ننتظره من منظمات المجتمع المدني، ولكيفية تنويع سياساته العمومية وإخضاعها لهذه الاستراتيجية”، حسب ما أكده الحقوقي مصطفى الناوي، المدير السابق للدراسات والأبحاث والتوثيق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان في احدى اللقاءات حول حرية تكوين الجمعيات بالمغرب.
 
الجمعيات كبدائل للتغير الاجتماعي
وعلى الرغم من أن هناك من يرى أن موقف السلطات إزاء منظمات المجتمع المدني”يتسم إما بالتردد أو عدم الثقة”، فإن الدولة تسمح قانونا بالجمعيات والتنظيمات المدنية،” لكنها في الوقت ذاته تضع من القيود القانونية والإدارية”، فإن الجمعيات تظل – حسب أستاذ علم الاجتماع فوزي بوخريص رئيس المرصد المغربي للحياة الجمعوية والمدنية- ” أحد البدائل الإيجابية الممكنة لمآل التغير الاجتماعي بالمغرب، في ظل استشراء واقع الإقصاء، والهشاشة والفقر. وفي غياب هذا البديل الإيجابي يكون المجتمع في مواجهة اختيارات أو ملاجئ أخيرة لها نتائج سلبية، ليس على الفرد فقط، وإنما على المجتمع في كليته، لعل من أبرزها الاضطرابات الاجتماعية والهجرة السرية، والتطرف الديني، والتهريب، والمتاجرة بالمخدرات، والعنف الحضري، كما أكد بوخريص في ورقة علمية حول ” الديموغرافية الجمعوية بالمغرب” تولى نشر ملخصا منها أحد المواقع الالكترونية مؤخرا.
Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

جمال المحافظ

باحث متخصص في شؤون الإعلام