العلاقات الروسية الإيرانية: ما لها وما عليها.. آخر مفاصلها “الدرون”
د. زياد منصور
شكلت زيارة الرئيس الروسي إلى إيران، ولقاء القمة الذي جمعه مع الرئيس الإيراني والتركي مجال تحليلات واسعة ومتعددة. ودون الغرق في هذه التحليلات لا بد من التوقف من وجهة نظرنا، عند أمران: وهما تحليل طبيعة العلاقات بين روسيا وإيران من وجهة نظر تاريخية، ومعالجة الجانب الأخطر في المحادثات وهو الكلام الذي نقلته وسائل الإعلام الدولية عن تزويد إيران لروسيا أو التوقيع على صفقة شراء طائرات الدرون الإيرانية لمساعدة روسيا في عمليتها العسكرية. باعتقادنا هاتين النقطتين بإمكانهما أن تعطينا صورة للمشهد العام وطبيعة العلاقات، وبعض خلفيات هذا اللقاء
وحقيقة الأمر أنه في الماضي، كانت العناصر الرئيسية للعلاقات الروسية الإيرانية تقوم على التجارة الثنائية، ويعتريها التنافس الشديد في المنطقة، والتنافس الجيوسياسي لروسيا مع القوى الأخرى للهيمنة على إيران.
في بداية القرن الثامن عشر، دخل بطرس الأكبر في صراع مع بلاد فارس في القوقاز وبحر قزوين، وضم أراضي على طول ساحل هذا البحر، ومع ذلك، سرعان ما تنازل خلفاؤه للإيرانيين عن هذه المناطق، معتبرين أنه أمر لا يستحق العناء.
في القرن الـ 19 ألحقت روسيا عددًا من الهزائم بجيش الشاه وضمت تدريجياً جميع الممتلكات الفارسية في القوقاز: داغستان وأذربيجان وأرمينيا. كان شعب فارس غاضبًا للغاية من هذا الإذلال: في عام 1829، قامت مجموعة غاضبة بالانتقام من البعثة الروسية في طهران وقتلت جميع أفرادها، بمن فيهم المبعوث. في روسيا، فإن هذا الحدث يعرفه ويتذكره كل تلميذ في المدرسة: حيث قتل في هذه الحادثة السفير ألكسندر غريبويدوف الذي كان كاتبًا بارزًا في الأدب الروسي، والذي تعتبر كتاباته ومسرحياته جزءا من في المناهج الدراسية وأبرزها “صاحب العقل يشفى”.
بحلول بداية القرن العشرين، هيمنت روسيا على شمال إيران. في عام 1907، اتفقت سانت بطرسبرغ مع لندن على تقسيم مناطق النفوذ في إيران، حيث ذهب جنوب البلاد إلى البريطانيين. لقد أنهت هذه الصفقة أيضًا لعبة كبيرة استمرت قرنًا من الزمن، لعبة المنافسة البريطانية الروسية على إيران والتي امتدت على كامل المساحة بدءاً من القوقاز وبحر قزوين وصولاً إلى آسيا الوسطى. ظلت الاتفاقية سارية أيضًا خلال سنوات الحربين العالميتين: في بداية كل من هذه النزاعات، احتلت روسيا وبريطانيا إيران كإجراء احترازي.
خلال الحرب العالمية الثانية، استخدم الاتحاد السوفيتي وجوده العسكري لإنشاء نظام موالٍ للسوفييت. في أذربيجان الإيرانية، ولكن في عام 1946 وتحت الضغط الأنجلو أميركي أضطر السوفييت إلى سحب قواتهم من هناك. خلال الحرب الباردة، أقام الشاه تحالفًا وثيقًا مع الولايات المتحدة، ودخلا البلاد في حلف بغداد ، ودعا الشاه المستشارين العسكريين الأمريكيين إلى إيران ، ونشر مرافق وقواعد المخابرات الأمريكية على أراضيها.
موسكو، بدورها، دعمت المنظمات الإيرانية اليسارية والقومية المعادية للإمبريالية الغربية. كان رد فعل موسكو على الثورة الإسلامية عام 1979 غير واضح. لقد أسعد فشل الولايات المتحدة الاستراتيجي والإذلال الأمريكي في أزمة الرهائن القيادة السوفيتية، لكن في نفس الوقت، لم يعرف الكرملين كيف يتعامل مع النهضة الإسلامية.
في تقرير للمؤتمر السادس والعشرين للحزب الشيوعي في عام 1981، قال ليونيد بريجنيف العبارة الشهيرة: “تحت راية الإسلام، يمكن أن يتكشف النضال من أجل التحرير”. ومع ذلك، في السنوات اللاحقة، بما في ذلك من خلال تجربتها المريرة في أفغانستان، تمكنت موسكو من تقدير قوة الإسلام السياسي بشكل كامل وتصميم أولئك الذين يقاتلون تحت رايته. خلال الحرب الأفغانية 1979-1989. استقبلت إيران لاجئين من أفغانستان وقدمت المساعدة للمجاهدين الذين قاتلوا ضد القوات السوفيتية، وخاصة في ولاية هرات. واصل الاتحاد السوفياتي، بدوره، الحفاظ على الحياد الرسمي خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية، في تزويد بغداد بالأسلحة والمساعدات العسكرية الفنية وفقًا لمعاهدة الصداقة الموقعة في عام 1971.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت موسكو تخشى تصدير الثورة الإسلامية إلى أذربيجان وآسيا الوسطى. لذلك، سرَّت موسكو بموقف إيران التي لم تحاول أن “تصطاد” بالمياه العكرة في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.
إذا كانت تركيا قد أعلنت بصوت عالٍ تضامنها مع الدول التركية المشكلة حديثًا على بحر قزوين، فإن طهران لم تلتزم الصمت فحسب، بل بذلت جنبًا إلى جنب مع روسيا جهودًا لإنهاء الحرب الأهلية في طاجيكستان (تم التوصل إلى تسوية سياسية في عام 1997) وحتى ضغطت من أجل انضمامها إلى منظمة “المؤتمر الإسلامي” بصفة مراقب (2005) رغم الحرب في الشيشان.
كان لطهران أسباب وجيهة لمثل هذا الموقف تجاه روسيا. بسبب حرمانها من الوصول إلى التكنولوجيا الغربية وإمدادات الأسلحة، كانت بحاجة إلى مصادر بديلة للواردات. لقد منحها انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان وانهيار النظام الشيوعي في روسيا مثل هذه الفرصة. عندما انسحبت الشركات الألمانية من مشروع بوشهر النووي في التسعينيات، لجأ الإيرانيون إلى شركة ميناتوم الروسية الوكالة الذرية الروسية.
وعند صياغة الرد على تحركات طهران هذه، كانت موسكو تحتاج إلى صقل معرفتها الرياضية، حيث يتعين عليها حل معادلة معقدة للغاية تعمل فيها المصالح الروسية المتنوعة كمتغيرات متعددة. لدى روسيا، التي هي في أمس الحاجة إلى المال لدعم صناعتها العسكرية المنهارة، حوافز قوية للتفاوض بشأن صفقات أسلحة مع إيران. في الوقت نفسه، فهي غير مهتمة بتقوية منافس محتمل، خاصة في فترة ضعفها غير المسبوق. تشكل جهود إيران في المجالين النووي والصاروخي مصدر قلق خاص في موسكو. من وجهة نظر الجغرافيا السياسية العامة، كانت القيادة الروسية تحتاج إلى ترتيب العلاقات بشكل لا تقع فيه بين المطرقة والسندان: إن رفض منح إيران التقنيات المتقدمة سيدفعها إلى أحضان أوروبا والوكالة الذرية والولايات المتحدة، والتعاون الوثيق مع طهران سيفعل ذلك. ولا شك أن هذا سيثير حنق واشنطن. وعليه فإن العامل الأول الحاسم في سياسة موسكو تجاه إيران هو العلاقات الروسية الأمريكية، والثاني هو العمل على القنبلة النووية الإيرانية والصواريخ البالستية. سعت روسيا لفترة من الوقت إلى لعب دور الوسيط، سعياً وراء تسوية دبلوماسية بين إيران والمجتمع الدولي تحت رعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية. جعلت عودة الوقود المستهلك من محطات الطاقة النووية إلى روسيا شرطا للوفاء بعقد بناء محطة بوشهر.
في 2007 جاء الرئيس بوتين إلى طهران على أمل إقناع أحمدي نجاد بالتوصل إلى اتفاق مع المجتمع الدولي بشأن برنامج إيران النووي، لكن دون جدوى. أعربت موسكو علانية عن قلقها بشأن التجارب الصاروخية في إيران وحاكمت جاسوسًا إيرانيًا كان مهتمًا بالأسرار الذرية. في الوقت نفسه، حاولت روسيا منع الولايات المتحدة وإسرائيل من مهاجمة إيران من خلال تزويدها بأنظمة صواريخ Tor-M1 المضادة للطائرات والموافقة على بيع نظام S-300 الأكثر قوة (تم تعليق عقد هذا الأخير، وفي عام 2010).
أما بالنسبة لمصالح روسيا الاقتصادية في إيران فهي مهمة لكنها محدودة. يمكن تسمية بناء مفاعل بوشهر، الذي تم وضع رسميًا قيد العمل في أب 2010، بكونه الرائد للتعاون الاقتصادي الروسي الإيراني، لكن هذا المشروع يظهر بوضوح أن حجمه ليس كبيرًا. فمبلغ هذا العقد متواضع نسبيًا -مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، اشتكى الجانب الروسي من تأخير المدفوعات، واشتكى الجانب الإيراني من بطء وتيرة البناء.
مشروع بوشهر غامض للغاية من الناحية السياسية. توقف الروس عن العمل مرارًا وتكرارًا، لافتين إلى صعوبات فنية، لكنه في الواقع كان رد فعل على تصور واشنطن المؤلم للمشروع. في غضون ذلك، “أغرى” الإيرانيون روسيا وأوروبا بعقود مربحة، بما في ذلك بناء محطات طاقة نووية أخرى. منذ أوائل التسعينيات، زودت روسيا إيران بكمية كبيرة من الأسلحة للقوات البرية، بما في ذلك دبابات T-72 وعربات قتال المشاة وناقلات الجند المدرعة. لكن الأهم من ذلك هو شراء الإيرانيين طائرات مقاتلة (على سبيل المثال، Su-24) وغواصات. هذا السلاح الجوي، على سبيل المثال، يمكن استخدامه ضد التجمعات البحرية في الخليج الفارسي. كما تشتبه إسرائيل في أن العقود الموقعة مؤخرًا لتزويد سوريا بالأسلحة الروسية، بما في ذلك مقاتلات ميغ -29، هي إلى حد ما مدفوعة من إيران وأن بعض المعدات مخصصة لها.
لقد حولت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد إيران البلاد إلى واحدة من الأسواق القليلة المهمة للمنتجات غير العسكرية الروسية مثل طائرات الركاب. ومع ذلك، فقد تعثرت خطط بيع طائرات نفاثة حديثة (على سبيل المثال، طراز Tu-204) إلى الجمهورية الإسلامية بسبب رفض روسيا توريد أنظمة S-300. تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي (بعد روسيا). في هذا المجال، لموسكو مصلحة مزدوجة: الحصول على حصة في إنتاج الغاز الإيراني والمشاركة في نقل “الوقود الأزرق” من هذا البلد إلى جنوب آسيا. في الوقت نفسه، لا تريد أن يتم شحن الغاز الإيراني إلى أوروبا، وهي السوق الأكثر ربحًا لشركة غازبروم.
في الواقع، تعتمد جدوى مشروع نابوكو -خط أنابيب غاز تابع للاتحاد الأوروبي بديل عن “خطوط ” غازبروم -على الوصول إلى الغاز الإيراني، وهو أمر غير مضمون بأي حال من الأحوال في الوضع الحالي. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من تعاون روسيا مع إيران وقطر في إطار منتدى الدول المنتجة للغاز، إلا أنها تخشى أي مخططات تحد بشكل كبير من حرية عملها في سوق “الوقود الأزرق”. لذلك من غير المرجح أن يتحول منتدى الغاز إلى نظير لمنظمة أوبك، وهو ما لا يناسب طهران بشكل واضح.
دون شك فإن روسيا غير مهتمة إطلاقا بامتلاك إيران أسلحة نووية ووسائل إيصالها. إذا حدث هذا، فإن ميزان القوى الجيوسياسي والاستراتيجي في جميع أنحاء الفضاء من القوقاز إلى آسيا الوسطى سوف يتغير بشكل كبير، وليس لصالح موسكو.
كانت روسيا هي المهيمنة على هذه المنطقة منذ بداية القرن التاسع عشر. وتمكنت من الاحتفاظ بها حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. إن رأي موسكو في قضايا مثل وضع بحر قزوين وترسيم الحدود في هذا البحر يختلف عن وجهة نظر طهران. وإذا امتلكت إيران قدرة نووية، فلا يمكن تجاهل هذه الخلافات دون عواقب. علاوة على ذلك، فإن إيران التي تمتلك أسلحة نووية ستصبح منافسًا أكثر خطورة لروسيا في عدد من دول المنطقة، من جمهوريات القوقاز إلى طاجيكستان. إن الإمكانات النووية ستخلق “مساحة منحنية” حول الجمهورية الإسلامية: سيتعين على بعض الجيران اتباع سياسة صديقة لطهران. إن هذا سيؤثر هذا بلا شك على الوضع الجيوسياسي حول ناقلات الطاقة في بحر قزوين.
إذا كانت إيران في نظر روسيا عاملاً استراتيجياً ذا أهمية إقليمية، فإن روسيا في نظر إيران هي بالأحرى أداة لتعطيل الخطط الأمريكية. في إطار غير رسمي في بعض الأحيان، لا يخفي ممثلو المؤسسة الإيرانية موقفهم الرافض تجاه روسيا.
نتيجة لذلك، كان صبر موسكو على شركائها الإيرانيين قد بدأ في النفاد. مع وصول إدارة أوباما إلى البيت الأبيض، أصبح لروسيا المزيد من الفرص لربط نهجها العام بمشاكل النظام الدولي بالسياسات على المسارين الأمريكي والإيراني. من خلال “إعادة ضبط” العلاقات مع روسيا والقضاء على العديد من القضايا المثيرة الرئيسية، مثل فكرة انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو وخطط إنشاء نظام دفاع صاروخي في أوروبا، أقنع باراك أوباما موسكو بإمكانية التعامل معه.
وإدراكًا منها أن الرئيس الأمريكي الجديد كان لم يعد يرى أن تغيير النظام أو توجيه ضربة عسكرية لإيران هما خيارين قابلين للتطبيق، وافقت روسيا في تشرين الثاني 2009 وحزيران 2010 على مجموعتين من العقوبات الاقتصادية المحدودة ضد الجمهورية الإسلامية. في منتصف عام 2009، علقت روسيا بحكم الأمر الواقع تنفيذ عقد لتوريد خمس بطاريات من نظام الصواريخ المضادة للطائرات S-300 بقيمة حوالي مليار دولار للدفاع الجوي الإيراني. بعد عام، صوتت لصالح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929، الذي يحظر بشكل أساسي تصدير الأسلحة الثقيلة إلى إيران، ثم فرضت حظراً رسمياً على توريد أنظمة إس -300.
من ناحية أخرى، كانت روسيا تعول على تنفيذ اتفاقية مع الولايات المتحدة بشأن الطاقة النووية، مما يفتح السوق الأمريكية لشركة روس اتوم Rosatom. حقيقة أن هذه إيران، التي تمتلك أسلحة نووية، ستصبح منافسًا أكثر خطورة لروسيا في عدد من دول المنطقة، من جمهوريات القوقاز إلى طاجيكستان.
تم إبرام العقد في وقت تصاعدت فيه التوترات بين موسكو وواشنطن وانتهى في وقت انفجر فيه، ويشهد بوضوح على دور العلاقات مع الولايات المتحدة في السياسة الروسية تجاه إيران. ومع ذلك، فإن القيادة الإيرانية تدرك بالفعل هذه الحقيقة. في تموز 2010، انتقد أحمدي نجاد الرئيس ميدفيديف، متهماً إياه باتباع نهج أمريكا والتحول إلى أداة دعاية أمريكية مناهضة لإيران. من وجهة نظر طهران، انتقلت موسكو إلى معسكر خصومها التقليديين.
إن شدة الاتهامات الصادرة عن طهران تشير إلى عمق إحباط القيادة الإيرانية من التحول في السياسة الروسية الذي سلبها من خدعتهم الدبلوماسية المفضلة: القدرة، من خلال روسيا، على تقسيم مجلس الأمن الدولي وإضعاف فعاليته، جراء الخطوات والمواقف التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن التغيير في موقف موسكو يضع الصين في موقف ضعيف، حيث اعتادت على الاختباء وراء ظهور الدبلوماسية الروسية عند التصويت في مجلس الأمن.
قررت بكين، التي كانت في دائرة الضوء، في تموز2010 دعم قرار بشأن العقوبات ضد إيران، مما جعل طهران أكثر عزلة مما كان متوقعًا. ومع ذلك، ترى روسيا إيران كقوة إقليمية ناشئة ذات أهمية ذاتية مبالغ فيها وطموحات كبيرة -ولن ترغب في أن يكون مثل هذا البلد بين خصومها. لذلك، لن تشارك موسكو في أي عمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، لا يتذكر الكرملين تعزيز العامل الإسلامي داخل بلده وعلى حدوده الجديدة فحسب، بل يتذكر أيضًا العواقب الروسية الكارثية للتحالف مع الوفاق الفرنسي البريطاني في بداية القرن العشرين، والذي أغرق الإمبراطورية في الحرب العالمية الأولى ومهد الطريق للثورة البلشفية 1917.
ليس لروسيا الآن حليف يتعرض استقلاله للتهديد، مثل صربيا في عام 1914. لذلك، في أي صراع خطير اليوم، ستحاول البقاء على الحياد. وعليه، في حال توجيه ضربة أميركية أو إسرائيلية لإيران، فإن موسكو ستنأى بنفسها عن الجانب المهاجم وتدين استخدام القوة دون موافقة مجلس الأمن الدولي. لكن هذا لا يعني أنه في مثل هذه الحالة سوف تسارع إلى دعم إيران. بدلاً من ذلك، ستحاول روسيا حماية نفسها من هذه “الضربة”.
حكاية الدرون الإيرانية وهل تحتاجها موسكو؟
دون شك غيرت العملية العسكرية الروسية والحصار المفروض من الغرب مجمل التوجهات الروسية، وطرأت جملة من العوامل أملت التعاون مع أي كان لإنجاز الأهداف الموضوعة منها التعاون في المجالات العسكرية، وهذا ما حكي عن طائرات الدرون الإيرانية التي تحدثت عبها وسائل الإعلام.
لطالما كانت الطائرات بدون طيار جزءًا من دائرة الاستطلاع والإطلاق للجيش الروسي. فهي لعبت دورًا مهمًا في العملية الخاصة في أوكرانيا. هذه التقنية هي عيون وآذان الجيش لبروسي، كما أنها قوة ضاربة مؤثرة. في 18 تموز، أصبح معروفًا أن الجيش الروسي هاجم لأول مرة مواقع القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة زابوروجييه بمساعدة طائرات لانسيت 3 كاميكازي بدون طيار، والتي كانت تستخدم سابقًا في سوريا.
إن وحدات العمل في العملية الخاصة هي طائرات Orlan-10 بدون طيار – طائرات الاستطلاع والهجوم. هي قادرة على تدمير المركبات المدرعة أو مجموعات العدو، وتعمل أيضًا جنبًا إلى جنب مع المدفعية ووسائل التدمير الأخرى. بمساعدة الطائرات الروسية بدون طيار، تم تدمير أول أنظمة HIMARS الأمريكية التي وصلت إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى مدافع الهاوتزر M777 الأمريكية والقيصر الفرنسيين.
ولكن ساحة المعركة لا تكون دون ظهور مشاكل. على الرغم من وجود عدد كافٍ من طائرات الاستطلاع بدون طيار وأن روسيا حققت نجاحًا في مجال هذه المعدات، إلا أن روسيا لديها عدد قليل جدًا من المركبات الهجومية الكاملة التي يمكن استخدامها خارج منطقة الإشارات اللاسلكية المباشرة. يمكن اعتبار الطائرة بدون طيار من طراز Pacer هي النموذج الطائر الوحيد، بينما تقوم بقية الطائرات بدون طيار بمهام إطلاق النار بشكل انتقائي. حتى الآن، استخدم الجيش الروسي بشكل أكثر نشاطًا طائرات Forpost بدون طيار، التي بدأ إنتاجها عام، وهذه 2013 النسخة الروسية هي نسخة لطائرات مصنعة في دول عدة. بحلول عام 2018، كان لدى الجيش الروسي حوالي 100 من هذه الطائرات بدون طيار. في عام 2019، وقعت وزارة الدفاع الروسية عقدًا لتوريد 30 طائرة بدون طيار Forpost-R، لكن هذا الرقم قد لا يكون كافيًا في العمليات القتالية الحقيقية.
ومن بين الموردين المحتملين للطائرات القتالية بدون طيار في الدول الصديقة تركيا والصين وإيران. رفضت الصين مساعدة أي من أطراف النزاع، كما قال ممثلو شركة بايكار ماكين التركية (الشركة المصنعة لبيرقدار) إنهم لن يزودوا روسيا بطائرات بدون طيار، لكن إيران قد لا تمانع.
في 12 تموز، انتشرت شائعات في الولايات المتحدة بأن إيران ستنقل ما يصل إلى عدة مئات من الطائرات بدون طيار إلى روسيا، بما في ذلك تلك التي يمكن أن تحمل أسلحة. صرح بذلك مساعد رئيس الولايات المتحدة للأمن القومي جيك سوليفان. ونفت في اليوم ذاته وزارة الخارجية الإيرانية ممثلة بالممثل الرسمي للدائرة ناصر كنعاني، هذا التصريح.
ولكن في ضوء زيارة رئيس روسيا إلى طهران والمشاركة الناشئة في تنسيق متعدد الأطراف للتعاون مع روسيا -دخلت إيران بالفعل في منظمة شنغهاي للتعاون (ستكتمل إجراءات الدخول في الخريف) وقد تنضم إلى مجموعة البريكس -هناك سبب للتفاؤل. بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من الحديث عن إعداد اتفاقية تعاون شاملة بين روسيا الاتحادية وإيران، ما يعني أن توريد الطائرات الإيرانية بدون طيار قد يصبح حقيقة واقعة قريبًا. وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز وبلومبرج، يمكن لإيران تزويد روسيا بمئات الطائرات بدون طيار.
نظرًا لاستحالة بناء طائرات مقاتلة كاملة في إيران، قرروا التركيز على تطوير وإنتاج الطائرات بدون طيار. لأول مرة، تم اختبار الطائرات بدون طيار المنتجة محليًا منذ أكثر من ثلاثة عقود. تم إطلاق الطائرتين بدون طيارين مهاجر 1 وأبابيل 1 لأول مرة في عام 1985 والتجسس على مواقع عراقية بالقرب من حدود البلدين. في عام 1988، عندما ألحقت البحرية الأمريكية أضرارًا جسيمة بالقوات الجوية والبحرية الإيرانية واتضح أن الإيرانيين لا يمكنهم معارضة الجيش الأمريكي بشكل مباشر، تم اختيار مسار لإنشاء طائرات بدون طيار لأغراض مختلفة.
الآن إيران، إلى جانب الصين، من بين أفضل 10 قادة عالميين في إنتاج الطائرات بدون طيار. لمدة 20 عامًا، نجحت في تطوير مجموعة كاملة من الطائرات بدون طيار -من طائرات الاستطلاع إلى المركبات الضاربة. في الواقع، هذا نظام بيئي تكنولوجي كامل. وفقًا لمحلل مجلة فوربس دافيد غامبلينغ، يتضمن كتالوج الطائرات الإيرانية بدون طيار أكثر من 200 عنصر، وهناك العديد من النماذج الأولية التي يتم تطويرها باستمرار ولم تدخل الإنتاج الضخم بعد، ولكن سيتم حل هذه المشكلة قريبًا.
في إنشاء الطائرات بدون طيار، ساعدت إيران الولايات المتحدة في ذلك من غير قصد، وذلك بفضل الطائرات الأمريكية بدون طيار MQ-1، MQ-9، RQ-170، التي تم إسقاطها في أوقات مختلفة، حيث تم تفكيكها ونسخها عن طريق الهندسة العكسية. نتيجة لذلك، تمتلك إيران مجموعة كاملة من الطائرات بدون طيار، بما في ذلك طائرات الاستطلاع أبابيل 3 ومهاجر -4 بي، وطائرات مهاجر 6 وكرار الهجومية، وطائرات شاهد بدون طيار، بالإضافة إلى طائرات أراش كاميكازي.
على سبيل المثال، تعتبر الطائرات بدون طيار لعائلة شاهد حاليًا واحدة من أكثر الطائرات الواعدة في العالم. المركبات المصنوعة وفق مخطط “الجناح الطائر” قادرة على حمل أنواع مختلفة من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ والقنابل الموجهة.
لكن هذا ليس الحد الأقصى، لأن إيران لديها آلات أكثر تقدمًا، بما في ذلك تلك التي تم إنشاؤها باستخدام تقنيات التخفي. وهما شاهد 161 بوزن إقلاع 170 كجم ونصف قطر طيران يصل إلى 250 كم وشاهد 191 بوزن إقلاع أقصى يصل إلى 500 كجم ومدى طيران أقصى يصل إلى 750 كم. كتلة شاهد 171 طائرة بدون طيار الثقيلة تصل إلى ثلاثة أطنان، ويقترب نصف قطرها القتالي من ألفي كيلومتر، وهذا ليس سيئًا على الإطلاق بالنسبة للمركبات المنتجة محليًا ودولة لا تستطيع الوصول إلى محركات أو برامج أجنبية. بفضل قنابل قائم الأخيرة الموجهة، توصف الطائرات الإيرانية بدون طيار بأنها “خطيرة ويمكن البقاء أن تعمل في ظروف الدفاع الجوي الأكثر كثافة.”
وبحسب مجلة وزارة الدفاع الروسية “مجموعة الجيش”، في تشرين الأول 2016، تم استخدام شاهد 191 في الصراع السوري ضد وحدات تنظيم الدولة الإسلامية (المحظورة في روسيا الاتحادية).
قد تتلقى روسيا طائرات استطلاع بدون طيار تسمح بتعديل نيران المدفعية وضربات الصواريخ والقنابل. في هذه المرحلة، يعتمدالعملية العسكرية على القتال المنهجي، حيث يحدد مدى ودقة الضربات نتيجة المعركة، واستخدام طائرة Pacer UAV أثبت فقط أن مثل هذه التقنية ضرورية للجيش. ومع ذلك، لا يكفي مجرد إنشاء مثل هذه الآلة. بالإضافة إلى التطوير، من الضروري إنتاج عدد كافٍ من الطائرات بدون طيار بحيث يمكن أن تتواجد عدة آلات باستمرار في منطقة العمليات. وبدلاً من ذلك، يقوم المقاتلون بالاستطلاع والمراقبة ليس فقط مع طائرات أورليان، ولكن أيضًا بطائرات تجارية صغيرة بدون طيار لتصوير الفيديو، وهي غير قادرة على العمليات القتالية من حيث المبدأ.
أيضًا، يمكن لروسيا الحصول على ذخيرة اختراق، وهو أمر لا غنى عنه للهجمات عن بُعد ضد المناطق المحصنة، على الرغم من أنه يجب الاعتراف بأن المطورين المحليين لديهم أيضًا حلول مماثلة.
هنا السؤال: لماذا روسيا، التي تمتلك مثل هذه الإمكانات، لم تحصل بعد على العدد المطلوب من الطائرات بدون طيار الهجومية؟ من جميع النواحي الأخرى، يعتبر المجمع الصناعي العسكري الإيراني أدنى بكثير من المجمع الروسي، وهم أنفسهم لن يمانعوا في الحصول على مساعدة في شكل أنظمة دفاع جوي من طراز S-400 أو مقاتلات Su-30SM أو Su-35. . لكن لسبب ما، الروس لم يبذلوا جهداً لصناعة الطائرات بدون طيار.
طائرة الدرون القاتلة الروسية هي طائرة أوخوتنيك “الصياد”. وهي مصممة لاختراق الدفاع الجوي للعدو. يتراوح نصف القطر القتالي للمركبة من 3 إلى 3.5 ألف كيلومتر، وهو رقم شائن وفقًا لمعايير الطيران الهجومي. يمكن أن تصل الحمولة القتالية لـ “الصياد” إلى 8 أطنان. السرعة -1400 كم / ساعة على علو منخفض، وفقًا لمصادر أخرى -حوالي 1000 كم / ساعة. إحدى ميزات “الصياد” هي التخفي في كل من الأشعة تحت الحمراء وفي طيف الرادار. سيكون مفيدًا للغاية، لكنها في طور التصنيع لم تصل بعد إلى الجبهة، لأن الماكينة في مرحلة الاختبارات.
لسوء الحظ، لا يمتلك الجيش الروسي عمليا أي آلات صدمة كاملة. الطائرة بدون طيار الوحيدة القادرة على القيام بمهام الاستطلاع والقصف هي طائرة Pacer UAV، ولكن هناك القليل جدًا من المعلومات حول مشاركتها في العملية العسكرية.
تطلق شركة Rostec Corporation اسم لانسيت، الذي تم تقديمه لأول مرة في المنتدى العسكري التقني للجيش 2019، بطائرة مسيرة هجومية، ولكن هناك خدعة لمثل هذا البيان. هذه طائرة بدون طيار يمكن التخلص منها، على الرغم من اختبارها بنجاح كجزء من العملية العسكرية للقوات المسلحة الروسية في سوريا، مما يعني أنها لا يمكن أن تكون آلة هجوم كاملة.
أيضًا في يجري العمل على طائرة “Altius” دون طيار والتي طورها مكتب تصميم قازان والتي سميت باسم سيمينوف. يبلغ نصف قطرها القتالي حوالي 3.5 ألف كيلومتر. كان من المفترض أن تكون المركبة مزودة بنظام اتصالات عبر الأقمار الصناعية بعيد المدى، لكن لا توجد بيانات عن وجود مثل هذه المركبات في القوات، وكذلك في منطقة العمليات.
تم استثمار أموال كبيرة في تطوير Altius (بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار الأخرى) من ميزانية الدولة، لكن لم يكن من الممكن إحراز تقدم منذ عام 2011، عندما بدأ مكتب سيمينوف التصميم والعمل على ههذ الطائرة بدون طيار. لم تحديد موعد انتاج هذه الطائرة، وتبقى الآفاق غامضة. قدر الخبراء تكلفة المشروع في مرحلة توقيع العقد بمليار روبل. تم استثمار الأموال، وتم الانتهاء من الاختبارات، لكن الماكينة لا تزال غير مستخدمة للغرض المقصود منها.
تمت مناقشة مسألة الإدخال النشط للطائرات بدون طيار في هيكل الجيش الروسي في عام 2008، ومع ذلك، نظرًا للفجوة بين العلاقات العامة للطائرات الروسية بدون طيار والوضع الحقيقي للأمور في الجبهة، فقد شكلت. ومن المرجح أن يسد الإيرانيون هذه الفجوة في المستقبل القريب. خلال هذا الوقت، تمكنوا من إنشاء عشرات الطائرات بدون طيار من أجل تغطية احتياجات هذه الآلات لقواتهم المسلحة، وكذلك دخول السوق الدولية. الطائرات الإيرانية بدون طيار موجودة بأعداد كبيرة في المستودعات وجاهزة للاستخدام حتى في اليوم التالي بعد الشحن.
في حزيران 2022، اعترف نائب رئيس الوزراء (السابق الآن) يوري بوريسوف بأن روسيا تأخرت في صناعة طائرات بدون طيار، ولكن تم تخصيص الأموال لإنشاء هذه الآلات بانتظام على مدار السنوات القليلة الماضية. إذا أصبحت إيران المورد الرئيسي لهذه المعدات لروسيا، فسيتعين على السلطات المختصة معرفة ما كانت تفعله صناعة الدفاع الروسية، المسؤولة عن هذا المجال، خلال السنوات القليلة الماضية.