الطبقة الوسطى الروسية تدفع فواتير الأوليغارشية وحرب أوكرانيا

الطبقة الوسطى الروسية تدفع فواتير الأوليغارشية وحرب أوكرانيا

د. خالد العزي

صار البحث عن الطبقة الوسطى الروسية، يستوجب إستخدام عدسة مكبرة إحصائية، فبينما يعتبر المنتجون الروس أن الأسعار في البلاد منخفضة للغاية، يفقد المستهلكون دخلهم بسرعة بسبب التضخم الناتج عن العقوبات الجديدة، وبدلا من ان يكون السوق المحلي داعما لتنمية الصناعات الروسية، تحدث المفارقة المفارقة عند المستهلكين الروس الذين يرون أن الأسعار في البلاد مرتفعة للغاية، بينما يعتبرها المصنعون منخفضة للغاية، مما يهدد ربحيتهم، ويرون أن المطلوب هو المزيد من الاستهلاك لمنتوجاتهم من قبل الطبقات التي تمثل حوالي 90%.

وحسب الاحصاءات فالتوقعات تشير الى إنه في غضون الخمس سنوات المقبلة، قد تنمو حصة الطبقة الوسطى بشكل طفيف، وتتحسن القدرة على تحمل تكاليف السكن والسيارات والأجور الأعلى. لكن الزيادة في الأسعار المكونة من رقمين لا تساهم في ذلك. وبحسب البنك المركزي، فإن التضخم السنوي الذي يلاحظه السكان الآن يتراوح بين 19 و 25%.

في روسيا، يمكن أن تُعزى 11.5% من العائلات إلى الطبقة الوسطى، التي تشكل عامل استقرار في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد.

وعادةً ما تهتم دراسات الطبقة الوسطى بالدخل والملكية والوضع الاجتماعي، بما في ذلك مستوى التعليم والمؤهلات المهنية وخصائص الاستهلاك وأهداف الحياة.

ووفقا للنهج الشائع إلى حد ما، تُعرف الطبقة الوسطى عادة على أنها عاملة ذات دخل عمل يسمح لها بشراء ممتلكات باهظة الثمن (مساكن وسيارات) ، فضلا عن تمتعها بمستوى مرتفع نسبيا من الاستهلاك الحالي.

بناءً على الإحصائيات الرسمية لعام 2021 و2022 أجريت دراسة عن أوضاع الطبقة  الوسطى في روسيا. حيث  تمت دراسة المرتبات وأجور المعيشة وتكلفة شراء السيارة وصيانتها وتكلفة السكن معدلات الرهن العقاري ومعايير أخرى لكل منطقة في الاعتبار.

وأشارت دراسة الى ان الطبقة الوسطى هي العائلات التي يمكنها شراء سيارة وشقة مناسبة لحجم الأسرة، بالإضافة إلى إجازة سنوية جيدة، بعد سداد الأقساط الشهرية لقروض شراء سيارة وسكن لتغطية النفقات اليومية، إذ يجب عليهم ان يكون لديهم ما لا يقل عن ضعفي الأجر الإقليمي المعيشي للفرد.

ووفقا لوزارة العمل، بلغ متوسط ​​الحد الأدنى للمعيشة في الاتحاد الروسي ما يقرب من 14 ألف روبل للفرد.

وأوضح الباحثون أن هذه العائلات، التي تنتمي وفقا لمنهجيتها إلى الطبقة الوسطى، يمكن أن تشكل مدخرات شهرية صغيرة لحدث غير متوقع.

وخلصوا  إلى أن الرواتب التي تحدد للطبقة الوسطى، حسب المنطقة، ستختلف بشكل كبير.

وبحسبهم إنه “في معظم المناطق ، يكفي راتب قدره 90 ألف روبل لشخص واحد يعتبر من الطبقة المتوسطة، وفي الأسرة المكونة من شخصين، يجب أن يكسب كل فرد حوالي 70 ألف روبل”.

وبحسب توقعات المحللين، فإن حصة الطبقة الوسطى في روسيا قد تنمو، “لأن الطبقة الوسطى تتحدد بميزان النفقات والمداخيل، ومن المتوقع حدوث تغييرات إيجابية من حيث النفقات في المستقبل القريب”.

 وتشير الدراسة إلى أنه “على المدى المتوسط ، ستنخفض تكلفة السيارات، وقد يصبح السكن في متناول الجميع بسبب تطور الرهون العقارية وانخفاض معدلات الفائدة”، على الرغم من أن “ارتفاع الأسعار لكل متر مربع قد” تلتهم “معظم الفوائد من تقليلها”.

يأمل باحثو الدراسة أيضا في زيادة الأجور “على المدى المتوسط​​، وقد تترافق الزيادة المتجاوزة إلى حد ما في الأجور فيما يتعلق بالأسعار مع نقص في العمال بسبب العمليات الديموغرافية الجارية في البلد”.

 نتيجة لذلك، قد تنمو حصة الطبقة المتوسطة في الاتحاد الروسي، بمقدار 1.2 – 1.4 مرة على مدار خمس سنوات.

لا يزال حجم وخصائص “الطبقة الوسطى”، خاصة في روسيا، موضع نقاش. وغالبا ما تُفهم الطبقة الوسطى على أنها طبقة بين الأغنياء والفقراء، أي أن الدخل يصبح السبب الرئيسي لانفصالها”.

يذكر أن الطبقة الوسطى يتم تمييزها كمجموعة اجتماعية وظيفتها الرئيسية هي جعل المجتمع مستقرا. الطبقة الوسطى هي حاملة للثقافة، ومخزن للمعرفة والمعلومات، ومزود للموظفين المؤهلين تأهيلا عاليا، ومستثمر ودافع وسوف يكون أداء هذه الوظائف ممكنًا عندما تتاح للأسرة الفرصة والرغبة في تحويل أصولها المالية إلى رأس مال اجتماعي وثقافي، لتوفير تعليم جيد للأطفال، وتحسين مهاراتهم، والمشاركة في تنمية أراضيهم”.

ومن أجل ملاءمة الطبقة الوسطى، تحتاج الأسرة إلى تلبية مجموعة واسعة من الاحتياجات، بما في ذلك الحاجة إلى تحقيق الذات.

فإن “حصة الطبقة الوسطى قد تصل إلى حوالي 20%” في روسيا. ومن الضروري أن تكون الطبقة الوسطى قادرة على عيش نمط حياة لائق لكل فرد من أفراد الأسرة، أي أن تكون قادرة على تلبية مجموعة واسعة من الاهتمامات: من الطعام البسيط ومكان للنوم إلى التنمية من مواهبهم وقدراتهم.

واستنادا إلى تفسيرات الخبراء، هناك اختلاف معين في تصور الطبقة الوسطى للذات في روسيا وفي البلدان الأخرى. “إذا أخذنا الدول الغربية كمثال على البلدان المتقدمة، يمكننا أن نرى أن الطبقة الوسطى لا ترى أي جدوى من تلبية احتياجاتها من خلال شراء أشياء باهظة الثمن، وسيارات، ومنازل، في حين أن هذه نقطة مهمة بالنسبة للمواطنين الروس ..

اذن تعد الطبقة الوسطى فئة من المواطنين ذوي الدخل الإجمالي للأسرة التي تسمح لهم بإجراء عمليات شراء كبيرة إلى حد ما دون اقتراض الأموال على فترات زمنية معينة”. و”تتميز الطبقة الوسطى أيضًا بوضع مالي مستقر ومستقر، مما يجعل من الممكن تخصيص بعض الأموال في المدخرات والاستثمارات بأشكال مختلفة”.

ومن السمات المميزة للطبقة الوسطى الروسية، هو “توحيد سمات معينة إلزامية للوضع”: “على سبيل المثال، شقة مع تجديد حديث ومجموعة كاملة من الأجهزة المنزلية، منزل ريفي، سيارتان لا أقدم من عشر سنوات من المنتجعات المرموقة. في عدد من البلدان الأخرى، تكون هذه الخصائص أكثر غموضًا، حيث تكون فرصة الاستثمار أكثر أهمية.

والسؤال الذي يطرحه الروس اليوم بظل هذا الانكماش الاقتصادي والحصار الذي تعاني منه روسيا وبظل الأزمات المالية والاقتصادية  والعقوبات، هل ما زال هناك طبقة وسطى في روسيا؟وما هي تعريفها اليوم وأين تتواجد؟ وهل تستطيع  المسير بنفس الحياة السابقة؟.

 في الختام، لا بد من القول بأن الطبقة الوسطى الروسي أصبحت مهددة بالانقراض نتيجة التضخم المالي لدى الأوليغارشية الروسية، على حساب الشعب الروسي كله، بالإضافة الى الحرب التي فرضت على كاهل الشعب وهو لا يستطيع تسديد فواتيرها الباهظة الثمن.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني