مغامرة “الفرسان المغاربة الثلاثة” في قاع كولومبيا

مغامرة “الفرسان المغاربة الثلاثة” في قاع كولومبيا

عبد الرحيم التوراني

مر أسبوع كامل ولم تتسرب بعد أية تفاصيل جديدة، أو معلومات إضافية، في قضية الدبلوماسين المغاربة الثلاثة في السفارة المغربية بكولومبيا، (السكرتير الأول ومحاسب ومستشار)، الذين وقعوا قبل أسبوع في شباك عصابة نسائية. ولولا الصحافة الكولومبية لجرى طمس الملف وظل سرا من الأسرار الخفية التي لن يعلم بها أحد.

صحيفة وقناة “تويمبو”، وتعني الزمن، أو الزمان، (الله يحفظ الجميع من غدر الزمن وفضح الزمان)، كان لها السبق الصحفي حين تحدثت مراسلتها من عين المكان، عن واقعة تخدير وسرقة ثلاثة دبلوماسيين مغاربة من طرف امرأتين من بنات الليل.

وجاء في التفاصيل التي بات جزء منها معروفا، أن “الفرسان الثلاثة” وجدوا أنفسهم في حالة قصوى من التوتر النفسي، خصوصا بعد التطور اللافت الذي شهدته كولومبيا بوصول غوستافو بيترو إلى كرسي الرئاسة، وهو اليساري الأول الذي يصل إلى سدة الرئاسة في تاريخ كولومبيا. وكان أول عمل يتصل بالسياسة الخارجية وقع عليه الرئيس الجديد هو الاعتراف بالجمهورية الصحراوية.

 كانت صفعة قوية وهزيمة قاسية للديبلوماسية المغربية، التي يصفها الإعلام الموالي بكامل الأوصاف، الإيجابية طبعا، منذ اعتراف دونالد ترامب بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، ذلك الاعتراف الذي تمت مقايضته بالتطبيع مع إسرائيل.

ودعونا هنا نكتفي بوصفها بـ “الدبلوماسية النشيطة”، لما حدث في بوغوتا من صلات وثيقة بمسألة “النشاط” بمفهومه الشعبي في المغرب، الذي يوازيه عند أشقائنا المصريين لفظ “الفرفشة”، أي التنفيس عن ضغوط العمل وقلق الحياة. فـ”الفرفشة” و”النشاط” من بين الحلول المجربة لهزم التوتر الناتج عن الإجهاد في العمل، بغاية التقاط الأنفاس والنهوض من جديد بعزيمة أقوى واكبر، وليس مستبعدا إقناع الرفيق غوستافو بالتراجع عن اعترافه بجمهورية الوهم، أو على الأقل الاصطفاف إلى جانب المؤيدين لقرارات الأمم المتحدة في هذه القضية. وألا يضرب بعرض الحائط التراكمات التي تجمع المغرب وكولومبيا، والشراكة الاستراتيجىية بينهما، التي دفعت كولومبيا قبل عام وأشهر إلى رفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي في الرباط، وحذف التأشيرة للسفر صوب البلدين.

إنه ليس عملا هيِّنا في متناول اليد بالسهولة التي يظنها البعض، بل يتطلب جهودا مضنية. إذن لا بأس من الاستعداد له بصفاء رؤية وروية. لهذا أجمع رأي “الفرسان الثلاثة” أن الأمر لا يمر إلا عبر استراحة حقيقية، “يخوي” فيها المرء كل التعب والإجهاد المتراكم، لينطلق من جديد بكل ما أوتي من قوة وعزم وبأس.. ودهاء دبلوماسي، فالعمل الدبلوماسي من دون دهاء هو محض هباء منثور وتضييع وقت.

قد يتبادر إلى بعض ألسنة السوء، أنها ليست المرة الأولى التي راح فيها “فرسان بوريطة للتبوريدة” المعلومة، لكن ما الذي يا ترى أدى بهم إلى السقوط في هذا “المطب الهوائي” الذي كان يمكن أن يتسبب في سقوط الطائرة بجميع ركابها (السفارة).

من المفترض أن العاملين بالسفارة المغربية في بوغوتا يتكلمون بطلاقة لغة البلد (الاسبانية)، لكن هذا وحده غير كافٍ إذا لم يقرن بدراية كبيرة بتاريخ وثقافة المجتمع الكولومبي. أم أن مكاتب السفارة كانت كهفا لهم. هل اطلعوا على خريطة العاصمة، وهل قرأوا أو سمعوا عن دهاليز المدن السفلى في الحاضرة الكبرى بوغوتا، المزدحمة بالسكان (أكثر من 10 ملايين نسمة)، وبعصابات الكوكايين وأنواع المخدرات. لا تنسوا أننا في بلد الامبراطور بابلو إيسكوبار، الذي صار اسمه ينافس اسم سيمون بوليفار، لذلك فالكثيرون خارج كولومبيا لا يعرفون اسممحرر أمريكا اللاتينية من نير الاستعمار” بقدر ما يعرفون اسم وسيرة وصولات بابلو إسكوبار.

فماذا يمكن أن يفعله مشتغل بالدبلوماسية أو رجل أعمال لتجزية الوقت وملء الفراغ في بلد مثل كولومبيا، الدعارة فيه قانونية ومسموح بها في مناطق وأحياء محددة، ومنشوراتها السياحية تعرض أشهر الأماكن والأحياء لاستهلاك الملذات الجسدية. وبعد انتشار وسائط الاتصال والتواصل الرقمي، لم تعد الحاجة إلى خدمات وسيطة مثل خدمات الباطرونة الفرنسية الشهيرة مدام كلود، أشهر قوادة في القرن الماضي، وكان من زبائنها وزراء ودبلوماسيون.

في كولومبيا تنتشر شبكات الجنس، وتوجد آلاف المواقع “الوردية” الخاصة بترويج الجنس، من غرف الدردشة عبر الهاتف إلى تنظيم السهرات والليالي الماجنة، وكل حسب جيبه، (حتى واحد ما يبات بلا عشا.. )، فهل اختار “الفرسان” الثلاثة تطبيقا أرخص، ربما ليس تقتيرا أو بخلا منهم، فأحيانا كثيرة يكون الغوص نحو الأسفل والأعمق من أجل اقتناص الملذة النادرة والأمثل.

لكن قصص ضحايا الجنس والدعارة في كولومبيا غالبا ما تكون صادمة. فهل ستتضرر سمعة تطبيق Tinder الخاص بمواعدة المومسات جراء هذه الفضيحة؟

لا نشك أن “الفرسان الثلاثة” أخفوا هويتهم الدبلوماسية عن المرافقات الحسناوات، ولا نتصورهن إلا فارعات الطول بلباس “الكاسيات العاريات، المميلات المائلات”، ولا شك أنهم أيضا تقدموا بأسماء مستعارة، وهو نفس الأمر الذي قامت به الامرأتان كعادة زميلاتهن.

وبعدما كان الهدف “بريئا” جدا، بل هو من الحقوق التي يجب على الإنسان أن يمنحها لنفسه كإنسان، لم يدرك “الفرسان الثلاثة” كيف وجدوا أنفسهم في حالة من النكران، وكأني بأحدهم يردد مع الشاعر:

[… مَلَأْتُ يديْ مِنْ حلوِ زخرفِهَا/ قامَتْ إليَّ تَصُبُّ الْمُرَّ في كاسي

أدركتُ أَنَّ الذِي غرتهُ زينتها/ قد عاشَ في ظلِّها كالعاري الكاسِي]

واضح أن الشاعر يتكلم عن خسران ثقته في الدنيا، لكن “العاريتين الكاسيتن” هما من ربحتا وفازتا في هذا النزال المغربي- الكولومبي بالضربة القاضية، ليس بسرقة المال والهواتف والأجهزة الإلكترونية فحسب، بل يشاع أنهما تركتا توقيعا مميزا وراءهما، وهو تعرية الفرسان المنومين المخذولين، وتصويرهم.

ما أن نزل الخبر حتى انتشر كالنار في الهشيم، تداوله رواد المواقع في كولومبيا واسبانيا وفرنسا، وفي المغرب، وفي الجزائر أيضا! ثم سارعت الجهات المعنية إلى تصحيح رقم الضحايا، بالقول إنهما اثنان لا ثالث لهما،  (أليس التكافؤ بين الجنسين استراتيجية أممية؟)، وتأكد أن هناك نية لتهريب الشخص الأكثر أهمية بين الفرسان المعنيين، بل إن السيدة السفيرة المغربية في كولومبيا والإكوادور (فريدة الوداية)، لم تصمت في انتظار إنهاء التحقيقات، بل تدخلت للدفاع عن المتورطين- الضحايا، منوهة بـهم كـ”ديبلوماسيين محترفين للغاية”. لكنها أضافت إنها “أول مهمة “لهما” في الخارج”، وأن أعمار”هما” لا تتجاوز الثلاثين (شباب  طائش في عمر “الزهو”.. أو الزهور)، وأنهما التقيا بالفتاتين على موعد عشاء. (ألم يعلما أنه سيكون “العشاء الأخير”؟). وأوضحت السيدة السفيرة في قصتها: “كان من المفترض أن يكون عشاء عاديا، لكن بمجرد مغادرتهم المطعم شعر الدبلوماسيون بالدوار، رغم أنهم لم يشربوا أي كحول” (ممنوع الخمر على المسلمين). حيث تم استدعاؤهما على عجل للعودة إلى الرباط وجرى إيقافهما، بتهمة “قلة اليقظة، في انتظار “إجراءات أكثر جدية” ومحاسبتهما علىالإضرار بصورة وزارة الخارجية”..

***

لعل هذه الفضيحة جعلت اسم دولة كولومبيا يتصدر اهتمامات جزء من الرأي العام المغربي، حيث يقترن اسم هذا البلد بتهريب وترويج الكوكايين، وبحسناواته الجميلات وهن يشجعن منتخب بلادهن في كأس العالم لكرة القدم، الذي اشتهر منه اللاعب المهاجم كارلوس ألبرتو فالديراما، ليس فقط بأدائه الكروي بل بشعره الأشقر الكثيف، وبلاعب آخر لقي مصرعه بعد تسجيله هدفا في مرماه في مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية، ويحمل أيضا لقب إسكوبار (المدافع أندريس إسكوبار) . كما تشتهر المغنية الكولومبية شاكيرا، وقد غنت في المغرب وقامت بترويج للسياحة في مراكش بجولتها في جامع الفنا وعلى رأسها منديل على طريقة بينازير بوتو.

ولأن كولوميبا ليست عاهرات ومثليين ومواخير ودكاكين جنس، فإن عاصمتها اختيرت من قبل اليونسكو سنة 2007 عاصمة عالمية للكتاب. وتلقّب بوغوتا بـ “أثينا جنوب أمريكا”، بكثرة الجامعات والمكتبات بها.

أما القراء المغاربة فيعرفون جيدا الكاتب الكولومبي العالمي غبرييل غارسيا ماركيز، صاحب جائزة نوبل 1982، وله رواية بعنوان: “عاهراتي الحزينات”، بالرغم من عنوانها ليست كل عاهراتها حزينات، وكان الرقيب في وزارة الثقافة الإيرانية بعد منع ترجمتها الفارسية قال عنها إنها “رواية مُخلة بالأدب وتُشجع على العُهرِ والبغاء”. ولعل من قامتا بسرقة وبهدلة دبوماسيينا “النشيطين”، هن من أحفاد “عاهرات غابو المرحات”. الذي ظهرت له بعد وفاته ابنة سرية من إحداهن، أبقى أمرها طي الكتمان احتراماً لزوجته.

لا شك أن فضيحة بوغوتا جعلت أعداء الوحدة الترابية للمغرب يتشفون، لكن ما هو رد فعل وزارة أبوريطة، هل ستكون باتجاه يقظة ما بعدها نوم، تطال كل السفارات المغربية في الخارج، أم ستكون عودة لجر الغطاء والاستغراق في نوم أعمق وأشبه ما يكون بـ”الكومة”، التي لا نبغي هنا معناها العربي، أي ما تجمع من أكوام حجر أو تراب، لأن الصدفة جعلت رمز الانترنيت في كولومبيا هو co، وفي المغرب ma، وجمع الرمزين لا يعبر سوى عن حالة فقدان الوعي التام وعدم التفاعل مع أيّ مؤثرات خارجية.

أم لنقل مع المحلل السياسي الذي هوّن القضية والموضوع بقوله: “إن الولايات المتحدة تخسر في الوقت الحاضر عددا من الدول في أميركا اللاتينية، الواحدة تلو الأخرى.. وهذا هو سياق التاريخ..”..

فلا بأس من الخسارة أحيانا…

لا بأس.. “والو.. باس.. ياك أودّي والو باس”، كما غنى يوما المطرب الراحل ابراهيم العلمي.

في النهاية يبقى رجال الدبلوماسية بشرا، ومن لم يكن منكم بلا خطيئة، فلينفذ ما أوصى به المواطنين رئيس البرلمان رشيد الطالبي العالمي: “إذا لم نفِ بوعودنا الانتخابية اضربونا بالحجر”..

كم من الأكوام لردم هذا الغبن يا قلوب الحجر…؟! كم من الحجر؟؟؟!!!

عبيد الصنك المعبود يا قلوب الحجر/ قلوب طايشة مليانة بالغدر/

سلسلتو لقبور.. ها الحق وها المنكر”،

راه الشعب عايش “عيشة الذبانة في لبطانة..”. (ناس الغيوان).

Visited 8 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الرحيم التوراني

صحفي وكاتب مغربي، رئيس تحرير موقع السؤال الآن