في الاختيار الحاسم بين بنية تقليدية وبنية رأسمالية هجينة صاعدة (المغرب نموذجا)
عبد الله راكز
“لا يكفي إثبات أن الإصلاح ضروري وممكن، بل يجب البرهان فضلا عن ذلك، إن أوروبا قد اضطرت على حد سواء أن تقطع في فترة معينة، مع تقليدها الخاص، ومن هنا الأهمية التي تعطى للإصلاح، الذي يعتبر كقطيعة وأحيانا محاكاة للاسلام. وقد بررت هذه القضايا جميع المحركات الدستورية في بلدان الشرق.(وحتى في بلدان المغرب. الإضافة مني).
أزمة المثقفين العرب، عبدالله العروي
1/ تعليق أولي:
على العكس من تصورنا البسيط، فإن معظم دول رأسمالية الدولة العربية المسماة “وطنية” (الناصرية والبعثية وحتى سليلاتها الأخرى..) أوصلت مجتمعاتها إلى إعادة بعث للهياكل التقليدية والطائفية والقبلية. فيما أدى نمو دول الخليج في الجزيرة العربية وخارجها إلى تشجيع نموذج رأسمالية الدولة الشمولية ذات الأجزاء التقليدية الإقطاعية. وعبر كل هذا وطبعا، عن عدم قدرة “الأمة العربية”، بهياكلها الإنتاجية – الاجتماعية – السياسية – الايديولوجية، للانتقال إلى مرحلة الرأسمالية الصرفة ومقتضياتها؟
2/ تعليق ثاني:
بناء عليه، إن الأنظمة العربية كلها وبدون استثاء، وبعجزها عن عن تغيير السوق الوطنية تغييرا راسماليا شاملا وتنافسيا، عبر الإلغاء الشامل للاقطاع التقليدي وحتى التقليداني، سواء في ملكية الأرض(الريع المقيت؟) أم في الأفكار والنظم السياسية والحقوقية، هيأت الشروط الموضوعية والذاتية لصعود قوى اليمين المتطرف بطرقه الفاشية لاستلام السلطة بأغلب هذه الدول.
3/ الحالة في المغرب: تحول انهياري
ما كتبه العروي، واستشهدنا به منذ البداية لا يخص المغرب فقط، فهو أصبح “ماركة” مميزة لأغلب الدول العربية، سياسيا، اجتماعيا، ذهنيا وثقافيا. وفي المغرب (الذي يهمنا الحديث عنه الآن) فإن تحوله الانهياري منذ بداية الثمانينات (على الرغم مما علّق من آمال على تجربة التناوب التوافقي؟) فضح بشكل لا مواربة فيه، عجز الأدوات السياسية الوطنية عن المراجعة العميقة لأدواتها الفكرية والسياسية، وعدم مقاومتها لمسار الارتداد الرهيب في الوعي والحياة أيضا.
لذلك، به وعليه، تشكل الكفاح (ولايزال) من أجل الديموقراطية، كفاحا من أجل العلمنة، بفصل الدين (مرتع إعادة إنتاج البنى التقليدية؟) عن المعارضة والحاكمة، فهو على كل حال، دمقرطة سياسية واجتماعية عميقة، وحين لا يتم الفصل بينهما يتحول ما أسميناه الكفاح الديموقراطي، إلى شعارات سياسية انتهازية. وهو الحاصل الآن. ولهذا الغرض فإن الأهداف العامة، هي الاستعادة الكثيفة لمطالب التطور الوطني، التي تم القفز عليها عبر مراحل التسريع السابقة ، أو المواجهة من قبل مشاريع التسريع الماضوية الراهنة.
إن السلطات التي تقاوم الجماعات الدينية من خلال الدين، تتجه لامحالة إلى الحقل الإيديولوجي للجماعات المتطرفة، وتنزلق تحت ذات المظلة الفكرية، عبر تنامي لغة المزايدة حول الدين تمثيل المؤمنين. هو انزلاق يشبه انزلاق الجماعات الحديثة (أو التي تدعي التحديث سيان) نحو الشبكة القعرية العميقة للاقطاع السياسي/ الاقتصادي والاجتماعي (المرتع الثاني لديمومة بُنى التقليد والتخلف) .حيث بذلك، تقوم هذه السلطة بتقويض أساسها الفكري الهش.
هي رحلة انشراخ إذن، وازدواجية مدمرة، تعبر عن استمرار الإقطاع والرأسمالية الهجينة. وبتعبير معياري، بين العصر الوسيط والعصر الحديث.