علي بلحاج وأوريد ومغربية الصحراء الشرقية
إسماعيل طاهري
إن كان هناك من حسنة للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في الجزائر فهي ميزة اعترافها بمغربية الصحراء، وإقرارها بالحق المغربي في استكمال وحدته الترابية.
خلال انقلاب الجيش الجزائري على انتخابات 1992 والرئيس الشاذلي بنجديد، كان مبرره غير المعلن هو قطع الطريق على حزب يناصر الوحدة الترابية للمغرب، من الوصول الى الحكومة. وليس فقط مناهضة الإسلام السياسي ومحاربة التطرف.
اليوم يقول زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ إن الجزائر تحتل أراض تونسية (ولاية الطارف) كما تحتل أراض مغربية (إقليم تندوف وهو يقصد الصحراء الشرقية) بالكامل. وذكر بالتاريخ وكيفية اقتطاع أراض من تونس والمغرب لتكبير “كرش”/بطن الجزائر، فانقض عليه كوماندو من جهاز أمني جزائري واعتقله في الفاتح من شتنبر بطريقة مهينة وتم إدخاله سيارة بالقوه.
بالأمس جن جنون النظام الجزائري من تصريحات الشيخ المغربي أحمد الريسوني الرئيس السابق لاتحاد علماء المسلمين، واليوم فقد عقله وانقض على علي بلحاج في الشارع العام لكي يكمم فاه، ويكرهه على بلع لسانه، ونسي النظام الجزائري أنه بهكذا ردود أفعال متشنجة يساهم في إحياء هذا الملف عوض إقباره. ويفضح نفسه وهو لا يدري.
تصريحات علي بلحاج محرجة لدول تونس وليبيا ومالي والمغرب التي صمتت حكوماتها عن المطالبة بحقوقها الترابية التاريخية، لحسابات جيوبوليتيكية:
1- نظام معمر القذافي الشعبوي تحالف مع الجزائر لتقسيم المغرب وأمام الولاء الأعمى لهذا المشروع وتمويله نسي المطالبة بأراضي ليبيا التي تصل الى تخوم عنابة.
2- أما نظام الحبيب بورقيبة في تونس فقد طالب فرنسا باسترجاع ما تبقى من أراضي تونس المحتلة سنة 1959. لكن بعد استقلال الجزائر كان يتق شر الجزائر وجاهد للعب دور سويسرا العربية وحاول التوفيق بين الدول العربية لذلك احتضنت الجامعة العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وكان خير مدافع عن وحدة المغرب الكبير. ولم تعمل تونس على تقوية جيشها لكي لا تثير حفيظة الجزائر رغم أن الجيش الجزائري يعيث فسادا في حدودها الشرقية المحاذية للأراضي المقتطعة من تونس وقد تنامت خلال عهد زين العابدين بن على مما اضطر تونس الى تأسيس كوماندو خاص لرد عدوان عناصر الجيش الجزائري.
3- أما المغرب فقد طالب باسترجاع الصحراء الشرقية وعندما رفضت الجزائر حررها بالقوة ودخل الجيش المغربي تندوف ووصل مشارف وهران، لكن الحسن الثاني أمر بوقف الزحف والانسحاب، والإشكال الذي لم أفهمه هو لماذا لم تسفر حرب الرمال عن اتفاقية الإنتصار العسكري المغربي كما جرت العادة في كل الحروب. فتحول المنتصر الى شبه منهزم سياسيا ويتضح ذلك من خلال قبول المغرب بالتوقيع على اتفاقية 1972 لترسيم الحدود وهي اتفاقية لادستورية ومخالفة لتقاليد البيعة الضاربة في التاريخ منذ عهد الأدارسة على الأقل.
ورغم التنازلات الكبيرة التي قدمها المغرب لم تحترم الجزائر هذه الإتفاقية، واستمرت في التحرش بالمناطق الحدودية كما حدث في السنة الماضية في عرجات أولاد سليمان بفكيك وآخر الأخبار تشير الى تحرش جديد في بوعرفة على مقربة من منطقة بوعنان بإقليم الرشيدية.
الشيخ علي بلحاج شاهد على العصر، قال حقيقة تاريخية وشاهد بعض وقائعها في الوقت الذي تدافع الأنتليجينسية المغربية بخجل عن مغربية الصحراء الشرقية، وتساير الطرح الرسمي، ولم نسمع ولو ببحث تاريخي في الجامعة المغربية حول هذا المشكل، حتى المفكر المؤرخ عبد الله العروي فهو مقصر في هذه القضية، ولم يكشف بعد عن المعطيات التي يتوفر عليها.
أما النخبة المحسوبة على الدوائر المخزنية فهي تعلن جهارا نهارا تخليها عن الصحراء الشرقية، وخير شاهد على ذلك الموقف الغريب لحسن أوريد الذي قال خلال أزمة العرجات السنة الماضية إن المغرب ليس لديه مطالب في الصحراء الشرقية.
فلماذا تنكر أوريد لمغربية الصحراء الشرقية إذن؟
وكان حسن أوريد نشر مقالا في موقع جريدة “القدس العربي” بتاريخ 23مارس2021 تنكر فيه لمغربية الصحراء الشرقية، كما تنكر لأبناء عمومته الذين مازالوا يعيشون الى اليوم تحت الإحتلال الجزائري/الفرنسي بالنيابة. ومفصولين عن عمقهم المغربي.
ففي مقاله المعنون بـ”فصل جديد من التوتر المغربي الجزائري” يتحدث الأستاذ أوريد كرجل سلطة (خارج السلطة) وليس كباحث في علم التاريخ، عندما يذهب الى ان اتفاقية 1972 بين المغرب والجزائر هي امتداد لاتفاقية لالة مغنية( 1845) بين المغرب وبين فرنسا. ويضيف ان الاتفاقبية ملزمة، وان العرجة أرض جزائرية. ولا غبار على قانونية ذلك.
ونسي السيد المؤرخ أنه يتجنى على التاريخ عندما لا يقول الحقيقة التاريخية كاملة وهو يا حسرة مؤرخ سابق للمملكة:
الصحراء الشرقية أرض مغربية يقطنها مغاربة، واتفاقية لالة مغنية المشؤومة باطلة ورديفتها اتفاقية تلمسان لسنة 1972 غير دستورية، وضد البيعة الشرعية. وتمس السيادة الوطنية:
فالبرلمان المغربي الذي صادق عليها في 1992 مطعون في شرعيته الدستورية لأنه مدد لسنتين تحت الضغط والإكراه، باستفتاء مزور جيشت فيه وزارة الداخلية، على عهد إدريس البصري، المقدمين والشيوخ والاعلام العمومي والمساجد والبوليس السياسي للضغط على المصوتين وجرهم بالوعد والوعيد الى صناديق الإقتراع وايهامهم وتضليلهم أنهم يصوتون على الملك.
وهو الاستفتاء الذي تم ترتيبه لمصادقة البرلمان الممدد على اتفاقية تلمسان 1972 بعد عشرين سنة من توقيعها مع رئيس الجزائر الهواري بومديان. وظلت الجزائر تخرقها باستمرار رغم كونها السباقة الى نشرها في الجريدة الرسمية سنة 1973 طبعا لأنها في صالحها، وبالتالي فهذه الإتفاقية باطلة بمنطوق ومفهوم الدستور المغربي وعقد “البيعة الشرعية” الذي يربط قبائل المنطقة بسلاطين وملوك المغرب منذ أكثر من 12 قرنا.
وبالتالي فالإتفاقية تمس بمبدإ السيادة. والسيادة للأمة. تمارسها مباشرة بالإستفتاء أو عبر المؤسسات الدستورية المنتخبة. والسيادة غير قابلة للتصرف. ولامقايضة فيها مهما كانت المبررات.
فالصحراء الشرقية مغربية قبل تأسيس دولة الجزائر نفسها بقرون.
وأنا أتساءل ما هي الحرب التي انهزم فيها المغرب حتى يوقع على اتفاقية فيها تراجع حتى على اتفاقية لالة مغنية 1845 المشؤومة؟ ألم يكن المغرب خارجا لتوه من حرب الرمال في أكتوبر 1963 التي انتصر فيها على عسكر الجزائر وكان هدفها المباشر هو رد العدوان العسكري الجزائري، واسترداد الصحراء الشرقية بالقوة بعد غدر الجزائر وتنكرها لحق المغرب فيها بعد انقلاب بن بلة على الإتفاق المشترك الذي وقعته الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة فرحات عباس ومحمد الخامس في 9 شتنبر 1961؟ وخلال الحرب نظم سكان تندوف وبشار وتلمسان مظاهرات مساندة للمغرب وتطالب بعودتها الى حوزة الوطن الأم: المغرب. وقبل ذلك رفض سكان الصحراء الشرقية نفسها المشاركة في استفتاء استقلال الجزائر الذي نظمته فرنسا في فاتح يوليوز
1962 (وفقًا لاتفاقيات إيفيان) لأنهم يعتبرون أنفسهم مغاربة أبا عن جد تحت الإحتلال الفرنسي وغير معنيين بالإستفتاء؟
كيف تحول انتصار عسكري الى شبه هزيمة سياسية للمغرب بدأت بوادرها بالتخلي عن موريتانيا واعتراف حكومة المغرب بها سنة 1969 ثم اكتملت بالتنازل عن الصحراء الشرقية 1972؟
هذه أخطاء ناتجة عن ملابسات غياب الديمقراطية في المغرب واستغلال الأزمات الداخلية والخارجية لتأجيل بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وتوحيد التراب الوطني كاملا وغير منقوص. كما أن تداعيات الصراع حول السلطة في المغرب غير بعيد عن هذا الإرتباك البين في تدبير ملف الوحدة الترابية.
***
ألا يعلم السيد أوريد أن عشرات آلالاف من المغاربة على طول طرفي الحدود الوهمية مع الجزائر ماتوا كمدا من شدة فراق أهاليهم بعد هءأن نزعوا نزعا من أرض أجدادهم.
والمؤسف أن السيد أوريد عندما كان واليا على جهة مكناس تافيلالت (2005/2009) لم يفعل شيئا لحماية ممتلكات مغاربة “كولومب بشار” في أراضي واحات أنيف وفركلة وتيروك وملعب وتافيلالت بإقليم الرشيدية من سطوة الورثة الذين ظلوا يستغلون أراضي الجموع والخطارات منذ دخول الإستعمار الفرنسي وخصوصا منذ تاريخ ضم الصحراء الشرقية الى الجزائر في 1951. وأنا شاهد عن اهمال شكاياتهم لاسترجاع أراضيهم التي سيطر عليها أبناء عمومتهم عندما كانت الحدود مفتوحة في بداية التسعينيات.
وهذه دعوة للدولة المغربية لحماية حقوقهم وارثهم وابقاء الرابطة معهم وتحفيظ أراضيهم باسمهم وحمايتها. ومنحهم الجنسية المغربية، لأنها دلائل مادية قاطعة على كون الصحراء الشرقية أرضا وإنسانا وحيوانا ونباتا جزء لا يتجرأ من حوزة التراب الوطني المغربي في دائرة حدودها الحقة..
***
توحيد البلاد يقتضي استراتيجية متكاملة وفي القلب منها عدم خسران معركة التاريخ سواء في قضية الصحراء الشرقية أوالغربية أووسبتة ومليلية والجزر الجعفرية.
فإذا خسرنا معركة التاريخ خسرنا كل المعارك الأخرى.
لذلك، وبسببه، أقول إن قضية الصحراء معركة تاريخ قبل أن تكون معركة سياسية أو ديبلوماسية أو عسكرية.
يحز في النفس أن ينبري مؤرخ، من وزن حسن أوريد، للتنكر لتاريخية مغربية الصحراء الشرقية. أو يخيم الضباب على المرجعية التي يتحرك منها، هل من داخل السلطة أم من خارجها؟ هل هو “كاتب سلطاني” أم مثقف مستقل؟
وفي الوقت الذي يضحي شاهد على العصر من الجزائر إسمه علي بلحاج بحريته وهو في أرذل العمر ليقول كلمة “حق”تاريخية وسياسية، بخصوص تونس أو بخصوص إقليم تندوف. تلتزم الأنتلجنسية المغربية موقفا ضبابيا من مطالب استرجاع الصحراء الشرقية المغربية.