رسالة إلى أمراء الطوائف والمذاهب في لبنان
د. وفيق ريحان
ماذا تريدون بعدما أثخنت سيوفكم جسد الوطن بالجراح العميقة، وبعدما أقحمتم البلاد في حروب أهلية على امتداد أكثر من ربع قرن من الزمن، وقضيتم على كل أمل بسيادة دولة القانون والمؤسسات، ونهبتم المال العام وأموال المودعين، ودمرتم الإقتصاد والمجتمع، وأفقرتم قرابة تسعين بالمئة من الشعب اللبناني، وعرقلتم أعمال القضاء في وطن الإشعاع والنور، وأطفأتم بيوت المواطنين وحل الظلم والظلام في كل ساحات الوطن، ثم تقاسمتم أهالي ضحايا جريمة العصر في مرفأ بيروت وإتهمتم بعضهم بالعمالة للسفارات الأجنبية، وتآمرتم على عمليات التحقيق الجنائية في قضايا الفساد اللامحدود لرموز سلطة الفساد، وتهريب الأموال نحو الخارج في أدق الظروف وأحرجها وسط تعتيم إعلامي وقضائي وإداري ومصرفي من منظومة الفساد، أمراء الحرب والكانتونات الطائفية، وأرباب الفتنة وصناعها في لبنان. ثم ألم ترتو بعد مشاريعكم الطائفية والمذهبية من دماء اللبنانيين الأبرياء؟ لقد دمرتم كل مرتكزات الدولة القانونية وجعلتم دستور الوطن تحت نعالكم القذرة، واشتركتم مع مافيات الكهرباء والمازوت والمحروقات والدولار والسلع المدعومة وفي كل الجرائم المالية والإدارية، ثم تصديتم لكل أشكال التعبير عن الرأي ولانتفاضة السابع عشر من تشرين التي شكلت شعلة الأمل للبنانيين من أجل الخلاص من ظلمكم وتعسفكم وإقدامكم على سحق أجساد المنتفضين وفقء أعينهم في ساحات المواجهة، ثم وقفتم ضد كل أشكال محاربة الفساد ومحاولات إنقاذ الوطن من لصوصه وجلاديه، حتى دمرتم الإدارة اللبنانية والمرافق العامة والأمن والقضاء والاقتصاد والعملة الوطنية، وهجرتم الطاقات الشابة الى كل أنحاء العالم، من أجل العيش بكرامة، وها هي الآن الجامعة اللبنانية، جامعة الوطن تتهاوى أمام أعينكم والقطاع التربوي ينحدر الى أدنى مقومات القدرة على الاستمرار، كما دمرتم قطاعات الماء والكهرباء والاتصالات والأشغال العامة والنقل وكل ما يحتاجه الوطن، والآن، ماذا تريدون بعد؟
لقد اقترب الاستحقاق الرئاسي وما زلتم تتناحرون على السلطة، غير آبهين بهموم الوطن والمواطن، وتنتهكون حرمة الدستور عند كل استحقاق دستوري، والوطن يغرق في أتون الأزمات القاتلة، ولربما تشعرون أنتم بالقوة واللذة أزاء ضعف المواطنين على الاستمرار في مواجهتكم بسبب تفاقم الأزمات المعيشية، وبلوغ شهر أيلول الذي تحسب له العائلات ألف حساب، لكن كيف يمكن للبنانيين أن يتخلصوا من فسادكم ووعودكم الكاذبة؟
لقد سئمنا منكم ومن أكاذيبكم وتسلطكم لقد أصبحنا بأمس الحاجة الى وجود دولة حقيقية حاضنة لأبنائها، سيدة حرة ومستقلة ومزدهرة، دولة قادرة على حماية شعبها وحدودها وثرواتها واقتصادها وأمنها من كل عبث طائفي أو مذهبي أوميليشياوي، دولة العدالة ذات القضاء العادل والمستقل، ولن يكون هذا الوطن بعد اليوم كيانات قومية أو طائفية أو مذهبية لأي مكون سياسي تقليدي، بل وطناً نهائياً لجميع أبنائه، بجناحيه المسلم والمسيحي على حد السواء عابراً للمناطق والطوائف.
ارحموا شعبكم واتفقوا على إنقاذ الوطن للمرة الأخيرة بإختيار رئيس جديد للجمهورية مستقلاً عن المحاور الداخلية والخارجية، يتحلى بروح المواطنية الصادقة، ويكون متعاوناً مع الجميع من أجل مصلحة الوطن، ومنفتحاً على جميع أصدقاء لبنان في العالم، وإلا فإن رياح تشرين التغييرية سوف تهب من جديد.