العنف والاعتداء الجنسي ضد النساء يستدعي ثورة ضد الأبيسية

العنف والاعتداء الجنسي ضد النساء يستدعي ثورة ضد الأبيسية

باريس – المعطي قبال

من التعابير التي ستدرج العام القادم في معاجم اللغة الفرنسية، تعبير «تحرش»، «عنف واعتداء جنسي»، حيث ستحاط بتفاسير وتعريفات جديدة تأخذ بعين الاعتبار دلالتها في الواقع الراهن الموسوم بظواهر العنف، التحرش والاعتداء الجنسي. ولا يمر يوم من دون أن تنفجر فضيحة يتورط فيها هذا المسؤول السياسي، أو تلك الشخصية الإعلامية، الفنية أو الأدبية. بالموازاة، دخلت النساء في بوح علني لتقديم شهادات عن تعرضهن للاغتصاب، للتحرش أو التعنيف. كان هذا البوح بمثابة «كاتارسيس»، تطهير نفسي، ساعدهن على التعايش مع جسدهن وأحلامهن المجهضة. ويعتبر باتريك بوافر دارفور، العراب السابق لجريدة الأخبار المسائية على القناة الفرنسية الأولى من 1987 إلى 2008 ، (تي-إف1)، أحد المتحرشين المحترفين الذين لم تنته بعد حلقات المسلسل الذي تورط فيه، منذ أن أخذت الكلمة على صفحات جريدة “ليبراسيون” الفرنسية 8 نساء تعرضن لاعتداءات جنسية ما بين 1993 و 2008 على يديه. وفي الوقت الذي كان فيه المتفرج الفرنسي يتابع الأخبار على تعاليق هذا النجم الإعلامي، أصبح يتفرج على فضائحه على نفس الشاشة التي كان يطل منها كل مساء على ملايين المشاهدين. آخر مستجد في هذه الحكاية ذات الأطوار اللانهائية،  هو إصدار الصحافية هيلين دوفينك Hélène Devynck لكتاب في عنوان «الإفلات من العقاب» الذي يطرح في الأسواق في 23 من سبتمبر عن منشورات سوي Seuil في 270 صفحة. في هذا الكتاب-الشهادة، تعود الصحافية إلى الحديث بشكل مكشوف عن اغتصابها واغتصاب نساء أخريات من طرف بوافر دارفور.

ما أن توظف صحافية بالقناة حتى يواجهها بوافر دارفور بالسؤالين التاليين: “هل لك شريك؟ وهل أنت وفية له؟”، تلك طريقته لرصد وتصيد ضحاياه المحتملين. فهذا الأخير جزء من ميكانيزم عام أتاح للصحافي بتطويق ضحاياه عن طريق الوعود والإغراء والتعنيف في حالة الرفض. وتتم هذه المحاصرة في مكتبه. وهذا ما وقع لها عام 1993 لما انقض عليها واغتصبها بمكتبه. لا يعتمد الكتاب على شهادة هيلين دوفينك وحدها بل التقت الصحافية كل ضحايا بوافر دارفور لاستجوابهن وأخذ شهادتهن المثخنة بالحشمة، الذنب، الخنوع والحنق. ولم يفت الصحافية التنديد بالنظام الذي يخنق الكلمة لما يتعلق الأمر بشخصيات سياسية، فنية أو ثقافية متورطة في الاعتداء الجنسي. كما انتقدت بشدة سياسة القناة الأولى من هذه الفضائح: بدل أن تأخذ بيد الضحايا، يتم تهديدهن بالفصل عن العمل أو بتطبيق عقوبات في حقهن. وكان رد فعل العديد من المسؤولين في القناة هو: «لم أكن على علم بهذه التصرفات». منذ تسريحه من منصبه عام 2008 انطلقت ونطقت ألسن نساء أخريات باغتصابهن من طرف بوافر دارفور. وفي هذا النطاق كشفت صحيفة “ليبراسيون” مؤخرا عن شهادة 3 نساء تعرضن للاغتصاب والاعتداء الجنسي من طرف المعلق السابق. في انتظار أن تقول العدالة كلمتها، وستكون فرجة إعلامية كبرى، لا يزال بوافر دارفور يخاطب نفسه ببراءته!

يقول المثل المأثور: «لا تضرب المرأة ولو بوردة». لم يعمل أدريان كاتنان، المنسق السابق لحركة فرنسا الأبية التي يتزعمها جان-ليك ميلنشون بهذه الحكمة. على إثر عراك ومشادات مع زوجته، تنرفز كاتنان أكثر من اللازم وعطاها واحد «الطرشة». فما كان على زوجته سوى أن تقدمت إلى مخفر الشرطة لتقديم دعوى بالتعنيف الجسدي. ما أن كشفت أسبوعية لوكانار أونشينيه عن الخبر حتى سارع الصحافيون والناشطون في قنوات التواصل الاجتماعي إلى نقل الخبر والتعليق عليه إما بالتشفي وإما بالتعاطف مع كاتنان ومع الحركة. فما كان على هذا الأخير سوى تقديم استقالته من التنسيقية والاعتراف بتعنيفه حقا لزوجته. اعتبر الكثيرون أن ردة فعل كاتنان سلوك سليم ومثالي يحسب له. فيما يطالب البعض الآخر أن عليه الاستقالة أيضا من منصبه كنائب برلماني. ولا تزال تداعيات هذا الصفعة تستأثر بالرأي العام الفرنسي. وفي هذه الصفعة درس لقوم لا يعقلون!

على أي لا المحاكمات ولا التنديدات ولا التكفير عن الذنوب أو حركة مي-تو بقادرة على وضع حد لهذه السلوكات المتأتية من البنية اللاشعورية للأفراد، بل يتطلب الأمر ثورة ضد الفحولية والذكورية والأبيسية. وتقدم لنا نساء إيران اليوم من خلال مقاومتهن لنظام الملالي نموذجا يجب الاحتفاء والاحتداء به.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".