موت مهسا أميني يعيد الجدل حول ثقافة الحجاب في إيران

موت مهسا أميني يعيد الجدل حول ثقافة الحجاب في إيران

فاطمة حوحو

أعاد مقتل الفتاة مهسا أميني الإيرانية من كردستان على أيدي شرطة الآداب منذ أيام، وبعد اندلاع تظاهرات شعبية واسعة بالبلد، الجدل حول الحجاب بعد قرار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي التشدد في تطبيق قانون الحجاب الإجباري. وأقدمت نساء إيرانيات على الاحتجاج تعبيرا عن غضبهن من جريمة قتل شابة في الثانية والعشرين من عمرها تحت التعذيب، وأقدمت المتظاهرات على قص شعورهن وحرق حجابهن، وقد انتشرت فيديوهات توثق ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، في مشهدية تتكرر منذ العام 2017.

بدأ العمل باللوائح الصارمة لملابس النساء بعد ثورة الخميني في العام 1979 في البلاد، ودار صراع كبير في المجتمع الإيراني حول التدابير والقوانين التي قيّدت حرية المرأة وانتزعت من الإيرانيات حقوقا تحت عنوان “حفظ العفة والشرف”، إذ صار الحجاب كما في معظم البلاد الإسلامية المتشددة معبرا عنه.

لم تستلم النساء الإيرانيات للأمر الواقع، إذ قاومن بقدر المستطاع، وبعضهن تعرض للسجن والتعذيب، بل حتى القتل، وخرجن باحتجاجات كلما سنحت لهن الفرصة بذلك، فكشفن النقاب عن رؤوسهن، وبعضهن نشرن صورا ومقاطع فيديو بحرية، وأخريات موهن وجوهن برموز تعبيرية لتجنب الملاحقات القضائية.

وخلال السنوات الأخيرة حصلت تحركات عدة ضد الحجاب الإلزامي، لا سيما بعد حملة 2014 عبر الإنترنت، بعنوان My Stealthy Freedom جمعت صورًا لنساء إيرانيات غير محجبات، والاحتجاجات في شارع فتيات الثورة عام 2018، وسط اشتداد القمع من شرطة الأخلاق التي يقع على عاتقها تطبيق قانون الحجاب.

وجرت عدة استطلاعات رأي حول الحجاب، أحداها قبل 8 سنوات، 49٪ من المشاركين كانوا مع ارتداء الحجاب اختياريا بكونه “مسألة خاصة”، ووفقًا لتقرير صادر عن المركز الإيراني للدراسات الاستراتيجية، وهو ذراع بحثي لمكتب الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني. أظهرت نتائج استطلاع نشر في عام 2020 أن 72٪ من الإيرانيين، مع وجود غالبية الذين شملهم الاستطلاع يعيشون في البلاد يعارضون التغطية الإجبارية.

وقد تطورت حركة النساء ضد الحجاب الإلزامي بدعم من المعارضة الإيرانية، ومنظمات حقوق المرأة، وتقول إحدى الناشطات الإيرانيات “أولئك الذين لم يزوروا إيران قد لا يفهمون الضغط لارتداء الحجاب”.

وتروي: “ولدت بعد الثورة واضطررت إلى ارتداء الحجاب في الأساس وأنا صغيرة، عندما كنت أذهب إلى المدرسة، وكان علي وضع وشاح وإلا لا يسمح لي بالتعلم، ولا يمكن بعد ذلك العمل، وحتى الظهور في الأماكن العامة. حيث إذا ظهرت المرأة بدون حجاب، تغرم ماليا وتجلد 74 جلدة وتسجن. والحجاب في إيران لا يطبق فقط على المسلمات وإنما يفرض على المسيحيات وغيرهن من الأجنبيات إذا أردن العبور في إيران”.

تدريجيا استطاعت النساء الإيرانيات التخلص من الحجاب الأسود المعروف بـ”التشادور”، وصارت البعض تضعن حجابا يظهر الشعر قليلا، وحتى الملابس تغيرت شيئا فشيئا من الأسود إلى العباءات الملونة، وفتح أزرار ملابسهن، وقد تشجعت النساء على التجول بدون حجاب بعد حملة العام 2014.

اعتبرت بعض النساء الإيرانيات وحتى النسويات منهن أن فرض الحجاب من قبل السلطة السياسية الدينية في إيران ليس مشكلة كبيرة، وأن الاهتمام يجب أن ينصب على قضايا حقوقية أخرى للنساء، مثل الطلاق والمساواة في القضاء وغيرها،. لكن بعضهن اعتبرن أن موضوعة فرض الحجاب ليست قضية ثانوية، وهي مهمة للغاية ومتعلقة بحرية المرأة في التحكم بجسدها ولباسها وشخصيتها. وبحسب ناشطة إيرانية فإن الرقابة الذاتية المفروضة حكما بسبب قوانين مكبلة للمرأة الإيرانية يجعلها عديمة الثقة بالنفس لطرح أسئلة من نوع آخر حول النظام والفساد، وهو عمليا تسهيل لعدم مساءلة النساء للمسؤولين عنه.

ولا يجب تغييب مسألة أن كثيرا من الرجال الإيرانيين يشاركون النساء مطلبهن في حق عدم ارتداء الحجاب، وهناك رجال خلال حملات التضامن قاموا بوضع الحجاب والتقطوا صورا مع زوجاتهن وبناتهن دون حجاب، تعبيرا عن تضامنهم.

في العودة إلى الماضي، لا بد من الإشارة إلى أنه في الثامن من كانون الثاني ــــ يناير 1963، أصدر الإيراني رضا شاه مرسوماً  حظر فيه على النساء ارتداء الحجاب وأغطية الرأس. وربط الحجاب الديني كعلامة على الفقر والثقافة الريفية غير الإيرانية. وبعد سنوات، رفع محمد رضا شاه نجل رضا شاه هذا الحظر، ومنح الإيرانيين حرية الاختيار في طريقة لبسهم. وجاء القانون كمحاولة لزيادة الشعبية، مع تراجع دعم الشاه.

ومع بداية الثورة الإسلامية في عام 1979، بعد فترة وجيزة من توليه السلطة، أصدر المرشد الأعلى آية الله الخميني مرسوماً يقضي بأن الحجاب أصبح الآن إلزاميًا لجميع الإيرانيات، إلى جانب معايير صارمة من اللباس المحتشم. ويستمر تطبيق هذا القانون اليوم، حيث تفتقر النساء الإيرانيات إلى الحرية الأساسية في اختيار ما يرتدينه في الأماكن العامة. على الرغم من حقيقة أن غطاء الرأس قد تم ارتداؤه في إيران منذ آلاف السنين، إلا أن التطبيق كان عنفيا واستخدم كذريعة لقمع النساء الإيرانيات واضطهادهن.

لقد منح الغموض في دور الحجاب المجال للعديد من الحكومات لاستخدامه كسلاح سياسي تحت عنوان “حماية ثقافتنا من ثقافة الغرب” ولو بالقمع للنساء والأقليات.

والسؤال هل عندما تُجبر النساء الإيرانيات على ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، يتم نشر الدين والثقافة. فإذا كانت الثقافة مجموعة مشتركة من القيم والأفكار، فإن تشريع ممارستها بالقمع يعد أمرًا غير منطقي، لا سيما في مجتمع متعدد وفي إيران تعداد السكان غير المسلمين لا يقتصر على 400 ألف نسمة فحسب، بل إن العديد من المواطنين المسلمين، وفقًا لبعض الدراسات الاستقصائية، يميلون إلى العلمانية. وبالتالي فإن فرض الحجاب لا يسلب اختيار المرأة فحسب، بل يفرض الدين أيضًا على أولئك الذين قد لا يلتزمون به أو الذين يختارون عدم ممارسته. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الشعب الإيراني لا تؤيد قانون الحجاب الإلزامي. ووفقًا لمسح أجرته GAMAAN، لم يوافق 72.4٪ من المشاركين في الاستطلاع على أن الحجاب إلزامي في الأماكن العامة.

وإذا كان ارتداء الحجاب جزءًا من “ثقافة” إيران، فلماذا لا يشارك الناس في هذه الممارسة طواعية؟ وليس كتكتيك لقمع النساء والأقليات الأخرى عبر تسييس الحجاب.

إن اعتبار الإكراه ثقافة هو تكتيك سياسي للحفاظ على نظام اضطهاد المرأة في إيران، وتشريع قانون الحجاب الإلزامي هو مجرد سلاح من أسلحة القمع التي يستخدمها النظام الإيراني ضد حرية شعب بأكمله.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فاطمة حوحو

صحافية وكاتبة لبنانية