ضحايا التلوث البيئي أكبر من ضحايا الحروب!

ضحايا التلوث البيئي أكبر من ضحايا الحروب!

أحمد ترو

كهطول المطر، تتساقط الأزمات على كاهل اللبنانيين، وما من مظلة تقيهم شر ما وصلوا اليه. بكل تأكيد تتصدر الأزمة المعيشية هموم المواطن ومن بعدها بدرجات أطول يأتي الهم الآخر.

فعلا الفقر والعوز قاتلان، وأصدق ما قيل في هذا على لسان الخليفة عمر بن الخطاب “لو كان الفقر رجلا لقتلته”.

في الحقيقة قد يكون هناك مخاطر تهدد وجود الإنسان أكثر من أزمة رغيف العيش، كأزمة التلوث البيئي وبخاصة تلوث الهواء الذي يشكل الخطر البيئي الأكبر على الصحة البشرية، وفقا لتقرير أقرته الامم المتحدة ونشرته في السابع من أيلول – سبتمبر 2019، المصادف لليوم الدولي لنقاوة الهواء من أجل سماء زرقاء.

ويؤكد تقرير نشرته مجلة “ذا لانست” هذا العام، أن التلوث تسبب بـ 9 ملايين حالة وفاة في عام 2019، يعود منها 6,67 مليون حالة وفاة لتلوث الهواء، و 1,36مليون حالة وفاة لتلوث المياه، و900 ألف حالة وفاة لتلوث التربة بسبب ترسبات الرصاص، و870 ألف حالة وفاة لمخاطر سامة بالمجال المهني. ويشير التقرير أيضا إلى أن نحو 92% من الوفيات المرتبطة بالتلوث، تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

طبعا، لبنان غير مستثنٍ من تلك الدول، وربما تكون نسبة الوفيات فيه هي الأعلى بينها، لكن من دون إحصاءات لا نستطيع تأكيد هذا. ومن أين الإحصاءات إذا كان الموضوع أساسا لا يدخل في نطاق أولويات ولا ثانويات الدولة اللبنانية، وهذا ما أكدته مصادر نيابية من داخل لجنة البيئة لـــ “السؤال الآن” بقولها: “لا اهتمامات جدية في هذا الإطار”.

لم يكن هذا الرد صادما، منذ متى كانت السلطة اللبنانية مبالية بأرواح مواطنيها. فالاستحقاقات على أشكالها والوصول إلى مراكز القوى هو الأهم، والسرقات على أنواعها هي الأسبق، والتلاعب على القوانين بكل الأساليب الممكنة وطمس الحقائق بشتى الوسائل المتاحة هو الضروري!!

الافتقار إلى الاحصاءات

أكثر مصادر التلوث في لبنان هي كل ما له علاقة بتلوث الهواء، الذي ينتج عن حركة السير ومولدات الأحياء ومعامل الطاقة والنفايات والمصانع والكسارات، وكل ما يرتبط بالفوضى العمرانية التي شأنها رفع نسبة التصحر ونزع الغطاء الأخضر عن لبنان. بالإضافة إلى المجارير التي تلوث مصادر المياه، كالينابيع والأنهار والبحار، وبالتالي الملوثات الأخيرة تضر بالتربة أيضا وتلوث المزروعات التي يتناولها اللبنانييون. وفي السياق يؤكد رئيس جمعية “غرين غلوب” والمراقب البيئي عن الأمم المتحدة سمير سكاف لـــ “السؤال الآن”: “إن مخاطر تلوث الهواء والمياه والتربة هي من مسببات الأمراض السرطانية، بالإضافة إلى أمراض جلدية وتنفسية والعديد من الأمراض الأخرى، وبالتأكيد في لبنان عدد المتوفين بسبب المشاكل البيئية يفوق عدد المتوفين بالحروب”. وإذ نفى “توافر أي إحصاءات خاصة بأعداد الذين توفو نتيجة التلوث البيئي”، أشار إلى أنه “لا يمكن معرفة أي أمراض سرطانية ناتجة مباشرة عن تلوث الهواء أو المياه أو غيرهما من الأمراض… ممكن أن نخسر سنويا حوالي الـ 200 أو 100 شخص، لكن لا توجد أرقام دقيقة تثبت هذا”.

وزارة من دون فاعلية

“دور وزارة البيئة شكلي، حيث لا يوجد لديها أي تأثير أو فاعلية”، يقول سكاف. على الأغلب هناك العديد من اللبنانيين يتساءلون عن دور وزارة البيئة في تحسين الوضع البيئي للحد من مخاطر التلوث التي أرخت بثقلها على صحتهم، يرد سكاف على هذه التساؤلات: “الوزارة خالية من الموظفين ولا توجد لديها موازنة، وبالتالي لا تملك أي إمكانية لتنفيذ أي فكرة”، يعطي مثلا: “في حال كانت الوزارة تريد تنفيذ عملية الفرز من المصدر ليس لديها إمكانية جدية تستطيع من خلالها إلزام أي شخص أو مجموعة بتنفيذ القوانين البيئية”، مضيفا: “لا وزير البيئة ولا غيره يمكنه توقيف مخاطر التلوث البيئي، وأي حلول على المدى القريب أو البعيد غيرمتوافرة”.

أين الوعود؟

بعد صدور نتائج الانتخابات النيابية استضاف الإعلامي مارسيل غانم في برنامجه “صار الوقت” النواب الذين أنتجتهم “ثورة 17 تشرين”، خلال الحلقة عرض شاب من بلدة برجا أمام النائب نجاة صليبا عون تفاقم نسبة الإصابات بمرض السرطان في المنطقة نتيجة التلوث الذي يسفر عن دخان معملي الجية وسبلين الحراريين اللذان يجاورها جنوبا وغربا. الشاب مخاطبا عون: “حضرتك عملتي ضد المحارق، وتدركين كم تعاني البلدة جراء التلوث بسبب معملي سبلين والجية الحراريين، فمن بين كل 10 أشخاص 4 منهم مصابون بالسرطان، ومن بين كل 10 أطفال يولد 6 مصابين بمرض الربو”،  خاتما حديثه متمنيا منها الاهتمام بالموضوع.

استمعت عون له وأخذت الأمر على عاتقها بحل المعضلة بطريقة علمية واعدة بإجراء مسح لمعرفة نسبة المصابين بمرض السرطان من أجل معالجة المشكلة من المصدر.

بعد مرور أكثر من 4 أشهر على هذه الوعود تواصل موقع “السؤال الآن” مع عون سائلا إياها عن التطورات التي طرأت، لتجيب: “تطورات ضئيلة طرأت على الموضوع، تواصلت مع المسؤولة عن أمراض الرئة داخل مستشفى “أوتيل ديو” وأخبرتني أنه علينا الاتصال بطبيب موجود في بلدة برجا، وهم على استعداد للمساعدة، لكن من دون تمويل لا يمكن البدء في المسح”.

وأكدت عون عملها على معالجة الموضوع، لكنها أولا بحاجة لمعرفة مصادر التلوث، وأيادي الفساد المتورطة لملاحقتهم، وقالت: “أصبح لدي الملف، وبدأت بتحضيره كله، وأنا أعمل عليه بشكل مستمر كما وعدت المواطنين، وبالتالي زرت شركة الكهرباء ورأيت الموظفين كيف يعملون، والآن سأبدأ بأخذ عينات من الفيول المستخدم لفحصه”.

<

p style=”text-align: justify;”>وعن المدى الزمني لمعالجة الموضوع بشكل نهائي، أشارت عون إلى أن “هذا الملف يتخلله فساد كبير عمره سنوات، والكشف عن مصادر الفساد فيه غير سهل أو واضح، لذا سنعالج الموضوع عبر القانون والتشريع والمحاسبة، والمفروض أولا: الحصول على المعلومات، ثانيا: دراسة الملف بشكل دقيق، ثالثا: ارسال كتابات محاسبة إذا لزم الأمر”.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد ترو

صحفي لبناني