ثلاث من علامات الساعة في مغرب العجائب!

ثلاث من علامات الساعة في مغرب العجائب!

د. محمد الشرقاوي

المشهد الأول: عشرات الميكروفونات تبدو متراصة في مؤتمر صحفي لنقل جديد الألمعية الفنية والإبداع غير المسبوق لفنان الأجيال، وقد أكمل سمفونيته الجديدة “كنكميو الحشيش ومن بعد!”. وفي هذه اللحظة في مهرجان عاصمة المغرب، يكتمل النصاب الثقافي والرمزي لـ”جيل طوطو” وثنائية الملاحم الكبرى بين الوشم والمخدرات في مغرب العقد الثالث من القرن الجديد.

بشرى سارّة للمغرب الجديد بتكوين جيل جديد من أتباع طوطو، بانتظار تخريجات وتقليعات قادمة بما فوق العبثية، وما يتجاوز نزوات كل عشائر البوهيميين والفوضويين وما بعد الحداثيين. وينبغي أن يشيد المرء بالنبوغ المغربي الاستثنائي في تحقيق نبوءة عالم الاجتماع محمد جسوس الذي قال: “إن مستقبل المعارك التي ننادي بها هو مستقبل الشباب، وبالتالي مآلها هو ما يملكه هذا الشباب من إمكانات ومؤهلات على ضمان انفتاحه وازدهاره، أكثر ما يمكن، وفي هذه الحالة، يمكن لنا أن نطمئن أنفسنا على مصير معاركنا الكبرى من أجل مجتمع ديموقراطي متحرر، أما إذا حدث عكس ذلك، إذا كان شباب هذا البلد مهمشين، مقموعين، مكبوحين، مكبوتين، مطاردين في مختلف مرافق الحياة، فيمكننا من الآن أن نصلي صلاة الجنازة على هذه البلاد وعلى مستقبلها”.

المشهد الثاني: ألمعية أكاديمية ومنهجية نادرة يجود بها الزمان المغربي دون بقية دول العالم، عندما يوصي وزير التعليم العالي بأن يتم تعليم فن الشيخات للجيل الجديد لأنه “ثروة وطنية”. تصريح الوزير التقدمي ثورة مغربية من الثورات العلمية التي تحدث عنها توماس كون Thomas Kuhn في كتابه الشهير “بنية الثورات العلمية“The Structure of Scientific Revolutions

ويستقي وزير التعليم العالي، وهو الأكاديمي المتخصص في الفلسفة السريالية التي أسسها الشيوخ والشيخات، الحكمة العميقة في تأصيل فن الشيخات من تأملاته الأنطولوجية باعتبار أنه “واش كاين سي مغربي تيمشي للعرس ومكيتحركش!”. وإذا حضرت الملاحظة والمعاينة، كما قال وزير إحياء طريقة الشيخات، فهي تلغي بقية المناهج والحجج والبراهين في الثورة العلمية الجديدة في العهد الجديد.

المشهد الثالث: لم يعد في المغرب حبابيٌ واحد، ولا جابريٌ واحد، ولا مرنيسية واحدة، ولا منجرة آخر يدخلون إلى منصات المحاضرات العامة في الجامعات المغربية. تغيرت المعادلة في النهضة بالجامعة المغربية إلى ألمعية القرن الثاني والعشرين دفعة واحدة. فرجال المرحلة الآن “مثقفون” من طراز جديد وعيار مختلف: مشايخ ووجوه وعظ ونهي عن المنكر يحاضرون في الجامعات المغرب عن “أسلمة” حقول المعرفة الصرفة، والمعرفة في العلم منهم براءة موثقة، لأنها لا تتقمص عباءة دين ولا عمّة أيديولوجيا، ولا تحكمها معياريات أو ينبغيات باسم الزهد الديني. ويجازف هؤلاء المتحاملون على طبيعة العلم المتحرر من أي أصباغ عقائدية بالتفكير الدعوي في مؤسسة عقلانية لا تقبل عادة إسقاطاتهم ونزعاتهم التي تسعى لكي يكون العلم مجرد ظل للدين، وهو خروج عن خط الجامعات في الدول المتقدمة.

لا يمكن أن تجتمع هذه النزعات الثلاث في مغرب العجائب بالصدفة. وحتى التخلف ليس نقمة أو لعنة تأتي بها الشياطين إلى هذه الأرض السعيدة. بل هو إرادة قوى ذات نفوذ تسعى لتجويف الجامعة المغربية من قوامها العقلاني ومن نواتها التي ينبغي أن تعلّم التجديد والتفكير النقدي. جامعات يقودها زعيم حركة استعادة أمجاد الشيخات، ووعاظ يسدلون لحاهم لكي تصبح المشيخة بديلا للأستاذية المسؤولة عن تعليم العلوم العقلانية ونشر تفكير غير انطباعي وغير أسطوري.

<

p style=”text-align: justify;”>دعوتُ من قبل لتأسيس دراسات التخلف في الجامعات المغربية، لكن يحتاج الأمر اليوم لتعديل مهم: دراسات هندسة التخلف وصناعة جيل الجماجم في مغرب العجائب!

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. محمد الشرقاوي

أكاديمي وكاتب مغربي