عن العلاقات العامة والتسويق في خطاب حزب الله
أحمد مراد
نجح حزب الله وحركة أمل بالاستئثار بكل النواب المخصصين للطائفة الشيعية في مجلس النواب، على عكس الأحزاب والطوائف الأخرى قاطبة.
وعلى الرغم من هذا النجاح الكاسح، يجد حزب الله نفسه في موقف متناقض غريب، بل شديد الغرابة. فهو صاحب القرار الأقوى على جميع الصعد: الأمنية والعسكرية و… لكنه، في الوقت ذاته، الطرف الوحيد الذي “يتمتع” بعلاقات سيئة أو أقل سوءاً مع كل الأطراف والأحزاب والطوائف في لبنان ومع معظم الدول العربية، ولا يخرج التيار الوطني الحر عن كونه واحداً منها، والدليل على هذا سلسلة الاجتماعات “الصريحة” والعقيمة التي عقدها مع حزب الله لترميم الاتفاق على التمسك بـ..الاتفاق!
لا نتطلع هنا إلى إثارة سجال جديد آخرمع الحزب – “فيلّلي فيه مكفيه”! – بقدر ما سنحاول تفحص نهج و”منطق” العلاقات العامة والبنية الضعيفة التسويقية والدعائية/الإعلامية التي يواظب، منذ تأسيسه، على اعتمادها وتكرارها، خصوصاً وأن أحداً من الخبراء أو الاختصاصيين لم يقم بهذه المحاولة حتى الآن، على الرغم من انكشاح هالة القداسة التي كانت تحيط بإطلالات أمينه العام التلفزيونية منذ العام 2006 وتفتت سمعته.
ويمكن لفت الانتباه، قبل الدخول إلى واقع العلاقات العامة في العالم اليوم لتسهيل المقارنة والوصول إلى تقييم هادىء وعلمي، إلى وجود ميزتين “أبديتيتين” تطبعان “لغة” العلاقات العامة والدعاية الإعلامية عند حزب الله:
– الجدية المفرطة المرافقة لأي طرح، حتى لو كان متناقضاً مع نفسه أو مع ما سبقه، ما حوّل استغراب الآخرين ودهشتهم إلى سخرية مكتومة ما لبثت أن صارت تظهر علناً.
– القرار النهائي بغياب – والأصح بتغييب – أي ميل للقيام بنقد ذاتي بأمل الحفاظ على شحنة القداسة المطلوب نثرها على جمهور “البيئة الحاضنة”.
1- واقع العلاقات العامة في عالم اليوم
انتهت ورشة النقاش التي رعتها جمعية العلاقات العامة الكندية أخيراً إلى تحديد اتجاهات كبرى مترابطة تشكل واقع العلاقات العامة اليوم أبرزها:
– نمو القيمة التجارية للسمعة والعلاقات والقدرة على التواصل.
– انتشار شبكات التواصل الاجتماعية وفّر فرصة ذهبية لإنشاء محتوى وبناء علاقات مع مختلف فئات الجماهير.
– المنظمات الغبية (شركات- مؤسسات خاصة ورسمية- دول- أحزاب…) تتحدث لكن القليل منها يستمع. إن الاستماع لصوت الجمهور صار الاستراتيجية الأصح والأدق كأساس لنجاح العلاقات العامة، لكن معظم المنظمات (الغبية) تستخدم تكنولوجيا التواصل من أجل تضخيم صوتها، بدلاً من تحسين الاستماع.
– الانكباب على فبركة وضخّ الأخبار الكاذبة أدى إلى تشويه وعي الجمهور الداخلي وفقدان ثقة الجمهور الخارجي، وساهم ذلك ببلبلة الانتظام التنظيمي وعدم الثقة في عمليات الاتصال والتواصل الداخلي والخارجي في مؤسسات القطاعين العام والخاص.
– المهارات الإستراتيجية والتحليلية هي أسرار العلاقات العامة الناجحة.
2- أحدث التوقعات العلمية عن أحوال التسويق في العام 2022
على صعيد موازٍ، استضافت NATIONAL، أكبرمؤسسات العلاقات العامة في كندا، أخيراً قمة Influencer Marketing للإجابة عن سؤال واحد يدور حول التطورات التي لحقت، عالمياً، بالتسويق وما هو الواقع الذي سيكون عليه ليس في المستقبل القريب إنما في العام الجاري 2022 بالذات. ولأجل هذا، استدعت الشركة العقول الرائدة العاملة في هذا الحقل في كندا لتنتهي قمة المناقشات إلى تحديد 10 اتجاهات تؤثر على التسويق الحديث أبرزها:
– التسويق الناجح (للسلع والأفكار…) يجب أن يعتمد استراتيجية صناعة المحتوى وتحسين جودته ويكفّ عن الركض واللهاث لتوليد “مؤثرين ونجوم” على شبكات التواصل وشاشات الإعلام التقليدي.
– ضرورة التحول إلى عقد شراكات استراتيجية حقيقية قادرة على محاكاة طموحات مختلف الفئات الاجتماعية وتأمين مصالحها، وتوديع مرحلة وأسلوب الحملات لمرة واحدة.
– التسويق المؤثر يسير مع الاتجاه السائد والمقبول اجتماعياً، والمكوّن الأساسي لنجاح العلاقات العامة والتسويق يكمن في طبيعة الاتصال والتواصل مع الجمهور وإشراكه.
3- الهيكل التنظيمي
يتكون النظام المؤسسي أو الهيكل التنظيمي للمؤسسة من الأنشطة والمهام التي يتم توزيعها بين العاملين بالمؤسسة ويحدد كيفية القيام بعمليات التنسيق والإشراف ويسمي القائمين بها. إن هيكلة التنظيم في المؤسسة هي التي تحدد اسلوب عملها ونتائجه. فالهيكل يوفر الأساس الذي يتحكم بإجراءات التشغيل القياسية وبروتين العمل، كما يحدد الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية صنع القرار في كل إجراء يتمّ اتخاذه.
لكن ما هي العوامل التي تُملي على المنظمة أو الحزب اعتماد هذا الهيكل (الخريطة التنظيمية) أو ذاك؟
تحت عنوان (هيكل العلاقات العامة/ الاتصال – النتائج الرئيسية لدراسة عالمية)، طرحت جامعة تشيستر البريطانية بعض النتائج الأساسية للدراسة التي أجرتها في العام 2017 والتي اعتبرت أنها “الأكثر جوهرية من نوعها حتى الآن”.
خرجت الدراسة التي شملت 278 رئيساً ومديراً عاماً ومدير علاقات عامة واتصالات في القارات الخمس بالعالم، بنتائج عدة أبرزها وجود “اختلافات ملحوظة في نوع الهياكل الإدارية المعمول بها في أقسام العلاقات العامة في المؤسسات الخاصة والعامة العالمية”:
- – كل منظمة تتبنى تصميمًا هيكليًا يناسب ظروفها الخاصة، وليس هناك أي صيغ شائعة أو موصوفة لكيفية قيام المنظمات بتصميم الهياكل التنظيمية لأقسام العلاقات العامة.
- – بينما شهدت العقود الثلاثة الماضية نموًا ملحوظًا في مجموعة الأدبيات التي ركزت على دور الاتصال والعلاقات العامة، تم إجراء القليل من الأبحاث نسبيًا لاستكشاف الهيكلية والإطار التنظيمي الذي يجب اعتماده.
لكن العلاقة الأكيدة الموجودة بين حجم المؤسسة (سواء كانت شركة تجارية أو مؤسسة رسمية أو حزباً سياسياً) وهيكليتها التنظيمية والوظيفية، تتيح الاستنتاج بأن دوائر وأقسام ووحدات الهيكل التنظيمي للمؤسسة – أي مؤسسة – قلما تعتمد واحداً من الهياكل التنظيمية المعروفة، وخصوصاً نماذجها الأربعة الأشهر عالمياً.
4- نماذج العلاقات العامة والتواصل مع الجمهور
كان (Hunt &,Grunig) قد حددا في العام 1994 أربعة نماذج توضح طبيعة ممارسة العلاقات العامة في مختلف أنواع المنظمات، ركزت كلها على طبيعة الاتصال واتجاهه وتوازنه في المنظمات واستنتجا أن:
التواصل غير المتوازن يحاول تغيير اتجاهات الجمهور
التواصل المتوازن يحاول تعديل العلاقة بين المنظمة و/أو الحزب وجمهوره
وهذه النماذج هي:
نموذج الوكالة الصحفية، نموذج الإعلام العام، نموذج الاتصال غير المتماثل، نموذج الاتصال المتماثل.
1- نموذج الوكالة الصحفية Press Agency
يمثل هذا النموذج أقدم أشكال الاتصال المستخدمة في العلاقات العامة وهو الاتصال الهابط، حيث تنساب المعلومات باتجاه واحد من الإدارة إلى العاملين، ومن المنظمة إلى الجماهير الخارجية. ويعتمد العاملون في العلاقات العامة على النشر Publicity كنشاط اتصالي أساسي في توصيل رسائلهم إلى الجمهور ويتجاهلون رد فعل هذا الجمهور Feedback.
2 – نموذج المعلومات العامة Public information
يعتمد هذا النموذج على عملية تقديم المعلومات للجمهور ليس بغرض البيع أو الترويج لسلعة أو خدمة، إنما لضخ الأفكار والمعلومات وهذا ما يجعله يختلف عن النموذج السابق. ولكن يظل الاتصال في هذا النموذج في اتجاه واحد من المنظمة إلى الجمهور. ووفقا لهذا النموذج، تكون العلاقات العامة عبارة عن مكتب للاستعلامات. ولعل هذا النموذج هو الأكثر استخداماً في المؤسسات التعليمية والحكومية والمنظمات غير الهادفة إلى الربح والأحزاب، وكذلك في الاتحادات النقابية والأحزاب الديكتاتورية.
3 – النموذج غير المتوازن Two way Asymmetrical
يكون الاتصال وفقاً لهذا النموذج في اتجاهين: من المنظمة إلى الجماهير وبالعكس، وهو يسعى إلى خدمة أهداف ومصالح المنظمة في المقام الأول. لذلك أطلق عليه تسمية النموذج غير المتوازن، أو “نموذج الاتصال الإقناعي”. يسعى العاملون في العلاقات العامة، وفقا لهذا النموذج، إلى التعرّف على اتجاهات الجمهور من خلال استطلاعات الرأي والمقابلات ومناقشة الجماعات الصغيرة
4 – النموذج المتوازن Two Way Symmetrical
هذا النموذج هو تطوير للنموذج السابق. فهو لا يتوقف على سعي المنظمة إلي جعل الجمهور يتكيف معها، ولكن يذهب إلى أن المنظمة نفسها يجب أن تتكيف مع البيئة الخارجية، بما فيها الجماهير الفاعلة تجاه هذه المنظمة.
تتوقف قدرة مخططي برامج العلاقات العامة عند اعتماد نموذج ما، على عدة عوامل منها: الاستقلالية في اتخاذ القرار، والموقع والأهمية التي يتمتع بها الجمهور عند المنظمة، ومناخ تغطية وسائل الإعلام، وكذلك القيود القانونية والتنظيمية.
لكن المؤكد أن هناك متغيرين أساسيين هما: التعقيد التنظيمي والحجم التنظيمي. فكلما كانت المنظمة أكبر وأكثر تنوعاً، زادت تفصيل الهياكل الإدارية سواء من حيث الهيكلية العمودية أوالأفقية المستخدمة لتسخير وتوجيه والتحكم مع الأقسام والوحدات التي تم إنشاؤها.
يبقى أن أهمية الحجم التنظيمي وتأثيره المحتمل على هيكل المستوى التنظيمي هو أحد الموضوعات الأكثر شيوعاً ضمن أدبيات الإدارة التنظيمية، وهذا يفسر كيفية مواجهة التحدي المتمثل في التعامل مع أعداد كبيرة من أعضاء المنظمة عن طريق تقسيم الوحدات التنظيمية الكبيرة إلى وحدات أصغر شبه مستقلة. ويكمن التحدي المعقد في تحديد أي حل هيكلي “أفضل”.
5- حزب الله: ملامح عامة ومتغيرات عميقة
صار واضحاً أن حزب الله يعتمد في علاقاته العامة على النموذج الثاني (نموذج المعلومات العامة)
الذي يقوم على ضخّ المعلومات والتعليمات إلى الجمهور، وهكذا تكون علاقاته العامة عبارة عن مكتب للاستعلامات، وهو النموذج الأكثر استخداماً في المؤسسات التعليمية والحكومية وكذلك في الاتحادات النقابية والأحزاب الديكتاتورية.
ويعتمد حزب الله الهيكل التنظيمي الرأسي الهرمي الذي “يتصل” من خلاله مع جمهوريه الداخلي والخارجي من فوق إلى تحت، إلى جانب بنية تنظيمية/عملياتية سرية مصانة وخارج البحث، وتظهر بنية علاقاته العامة وإعلامه واتصاله ممسوكة تشتغل بنبرات ومستويات متفاوتة يريد من خلالها تحقيق أهدافه التكتيكية والاستراتيجية وهي تتألف من:
– خطابات الأمين العام
– مواقف وإطلالات القادة الرئيسيين
– مواقف كتلة الوفاء للمقاومة وبياناتها وإطلالات عناصرها الإعلامية
– الأجهزة الإعلامية المختلفة (تلفزة، إذاعات، صحف ومجلات…) مضافاً إليها قطعان الذباب الالكتروني
– جيش من الصحافيين المبثوثين في وسائل إعلام متنوعة يردفه سرية من “مدراء مراكز الأبحاث” و”المحللين” في مختلف أنواع الحقول مثل: زهران وعبد الساتر وجواد ورفيق نصرالله والعميد المتقاعد سويد والعميد المتقاعد حطيط و…
– وحدات تدخل راجلة وراكبة مدربة وسريعة وجاهزة للقيام بمهمات متنوعة: من كتائب التدخل والصراخ “شيعة شيعة..” لبث الخوف في الخصوم، إلى الهجوم على مقرات وسائل إعلام ناشزة، إلى التدخل المسلح المباشر، وصولاً إلى وحدات متخصصة لتنفيذ عمليات إسكات “الأعداء” والقيام بعمليات نسف وتفجير و…
كما يتمتع حزب الله بعدد كبير من المزايا والرزايا أبرزها العلاقة الأبوية العريضة والعميقة مع محيطه الذي يحب أن يطلق عليه تسمية “البيئة الحاضنة” لإظهار صفته كـ”طرف محضون” وتكريسها من جهة، وإظهار مدى حماية وصون كرامة هذه البيئة.
فالحزب هو “دولة” بيئته.. يقدم الوظيفة والمدرسة والمستشفى والتدفئة والمازوت ويصون العفاف والكرامة لكنه يتميز عن الدولة بكرمه لأنه يعفي “مجتمعه” من تأدية الضرائب مكتفياً باستبدالها بتقديم الولاء. وهو، في هذا السياق واضح وحاسم: الحزب يحمي ويبني مقابل أتاوة الولاء والصدوع. وليس بلا معنى الإنتشار المتكرر لحدوتة ما قبل السحسوح وما بعده.
وإذا كانت طبيعة العلاقة القائمة بين حزب الله وجمهوره اللصيق تتيح له المونة والسحسحة التي تعقبها تلاوة فعل الندامة بصوت متهدج متكسر وبكرامة شخصية مهدورة علناً، فكيف “يجبي” الحزب حقوقه من أصحاب أصوات لا تكتفي بإعلان عدم ولائها له بل بمناصبته العداء خصوصاً في توطيد إمساك اليد الإيرانية بالداخل اللبناني؟
هنا، لا يغيّر في الواقع شيئاً استذكار أسماء أشخاص كانوا أحياء بل يتمتعون بحيوية فائضة وأحلام خضراء مثل لقمان سليم أو محمود شطح أو جبران تويني ورفيق الحريري وصولا إلى خليل نعوس ورفاقه في الحزب الشيوعي اللبناني..
في أغسطس 2020، كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن سليم جميل عياش الذي اتهمته المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري العام 2005 هو في الحقيقة جزء من “الوحدة 121″ وهي فرقة اغتيال متخصصة قالت إنها نفّذت أربع عمليات اغتيال أخرى على الأقل، بأوامر مباشرة من قيادة حزب الله.
وذكرت أن “الأدلة غير المدرجة في الإجراءات العلنية للمحكمة الدولية”، تؤكد جميعها وجود وحدة اغتيالات متخصصة كانت وراء سلسلة من التفجيرات بسيارات مفخخة، استهدفت قادة عسكريين وسياسيين وصحافيين لبنانيين على مدى عقد من الزمن على الأقل”.