متى يعلنون ميلاد أصيلة؟
اسماعيل طاهري
يبدو أن تجربة مهرجان/ موسم أصيلة الثقافي الدولي تتجه نحو الأفول بعد تقسيم دورته الـ43 إلى دورتين، واحدة للصيف والثانية للخريف، وذلك للسنة الثانية على التوالي.
وخصصت الدورة الأولى من الموسم، للفنون التشكيلية، وتستمر من 30 يونيو إلى غاية 24 يوليوز الجاري.
أما الدورة الثانية فستنظم من 16 أكتوبر إلى 5 نونبر المقبل، وتستضيف مجموعة ندوات ينتظر أن يشارك فيها محاضرون أجانب، بالإضافة الى تنظيم مشاغل للفنون والحفر، ومعارض فنية وورشات إبداعية.
ويبقى سؤال سر التراجع الكبير للمهرجان في السنوات الأخيرة مطروحا بقوة، وهو ما اضطر، على ما يبدو، منظميه إلى تقسيمه إلى شطرين، وهو الموسم الذي اعتادت المدينة عليه كل صيف لدرجة لم يعد يثير فضول الساكنة. كما أن زوار أصيلة الذين يحجون بكثرة إلى المدينة، ويضاعفون عدد سكانها أكثر من مرة، لا يبالون بندوات المهرجان وفقراته، إضافة إلى كون دول الخليج العربي تكاد ترفع اليد عن تمويل المهرجان، وبدا أن حجم مشاركتها يتقلص سنة عن أخرى. وبذلك أصبح المهرجان ظاهرة صوتية ذات صدى إعلامي فاقع، تشبه فقاقيع التمدن في “مدن الملح” بلغة الروائي العظيم عبد الرحمان منيف.
وتأتي هذه التطورات عقب اقتناع معظم المحللين الموضوعيين بغياب الجدوى الثقافية والاقتصادية للمهرجان على مر العقود الأربعة الماضية، علاوة على استنزافه لمقدرات الجماعة وإضعاف مفهوم الدولة وحضورها في المدينة. فالجماعة الفقيرة تخصص أكثر من مليون سنتيم يوميا لتمويل عمليات منتدى أصيلة طيلة السنة في مجالات الإنعاش العقاري والحملات الخيرية ذات النفحة السياسية التي لا تخفى على أحد. وكذا توظيف هذه الميزانية الضخمة في تمويل تسيير وصيانة البنيات الثقافية التابعة للمنتدى، التي تظل مشلولة ومغلوقة طيلة السنة في وجه العموم، وهي بنيات شبه مصادرة من الدولة، كقصر الريسوني، ومكتبة مقر المجلس البلدي(المسماة بندر بن سلطان)، ومركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، والملعب الشرفي المغتال، الذي تحول إلى علب إسمنتية لبناء متحف ومركز فني (sentre de desing)، ومركب الملعب الرياضي في مرج أبي الطيب الأعلى. فالمنتدى لم يصادر حقوق الدولة، بل امتد إلى وضع اليد على ممتلكات الساكنة، وأفضل مثال على ذلك هو الاستحواذ على حي سكني بكامله بأرضه وسكانه وبراريكه وآباره، ويسمى هذا الحي بحي المكسيك، أو حي مرج أبي الطيب الأعلى، الذي يعود تاريخ بناؤه إلى سنة 1912. وهو مسجل باسم منتدى أصيلة الثقافي في سجلات المحافظة العقارية. دون ذكر توظيف مسطرة نزع الملكية لتعزيز الرصيد العقاري للمنتدى بقوة الاحتيال القانوني والإداري..
وأمام هذه المعطيات التي تستحق أن تسجل في كتاب غينيس، فالعمر الافتراضي للسيطرة على مقدرات المدينة قد وصل إلى نهايته.
وأخطر مما في المحصلة هو ظهور بوادر يأس حاد في وسط النخب المثقفة في المدينة وهيئات المجتمع المدني، لدرجة أن معارضي الوضع القائم عن قناعة يسقطون تباعا في شباك صاحب “منتداه وحماه”، أمام الواقع المر الذي تشرف عليه السلطة الإدارية المحلية وتزكيه، ومنهم من تحولوا وتحوروا قسرا لمسايرة منتدى بنعيسى والانتفاع بريعه، أو على الأقل حماية ممتلكاتهم ومصالحهم وتجارتهم من جبروته في البر والبحر. أو طمعا في منصب شغل. ويتحولون إلى حواربين تحت الطلب.
كما أن فئة من المعارضين، لنموذج بنعيسى ومنتداه وتسييره للجماعة، من خلد إلى الصمت وأعطى لنفسه “تقاعدا نضاليا” مريحا، في انتظار غودو الذي قد يأتي أو لا يأتي.
كما أن بعض النخب المحلية غادرت المدينة نهائيا أو مؤقتا.
ومع ذلك بقي في الساحة من لازال قابضا على الجمر ويعارض هذا الوضع، رغم التهديدات والمضايقات التي تطالهم، وتطال عائلاتهم ومصالحهم. ويتطلعون إلى غد مشرق لمدينة تحتضر اقتصاديا وثقافيا منذ أزيد من أربعين سنة. وصارت من أفقر مدن شمال المغرب، حيث تتجاوز فيها نسبة البطالة 40 في المئة. وأصبح الناس يتندرون بحرقة على وضع المدينة الذي لم يتغير في الوقت الذي تحولت فيه دواوير إلى مدن تنمو وتتقدم وتجاوزت مدينة أصيلة التي عمرها أكثر من ألف سنة. ويشيرون بالأصابع إلى جماعة اكزناية جنوب طنجة، التي كانت مجرد دوار والآن أصبحت مدينة/ جماعة حضرية تتطور يوما عن يوم.
فخلاصة القول إن أربعين سنة من جمعية المحيط / المنتدى، والكلام الكبير حول المهرجان الدولي انتهت إلى تصحر سياسي وثقافي واقتصادي، وتفقير للجماعة وإحالة سكانها على التهميش والهشاشة.
هذا المسار المؤلم حقا حرم شباب المنطقة من حقهم المشروع في التعليم والتنمية والشغل، فلا يعقل أن تكون أصيلة المدينة الوحيدة في المغرب التي لا تتوفر على منطقة صناعية، ولا على ميناء صيد في المستوى ولا على كلية جامعة، ولا على فنادق مصنفة، ولا حتى على سوق أسبوعي من المستوى المطلوب. وبعد عقود من الاستقلال لا تتوفر المدينة الزرقاء إلا على ثانوية تأهيلية واحدة. وثلثي سكانها يعيشون في أحياء القصدير أو أحياء هامشية ناقصة التجهيز.
فماذا بقي للشباب في المدينة الزرقاء بعد اغتيال كل شيء جميل فيها غير مشاريع الهجرة إلى الديار الأوربية أو الارتماء في أحضان شبكات استهلاك والمتاجرة في مختلف أنواع المخدرات والعنف.
لقد ابتعدت عن الكتابة عن أحوال أصيلة منذ الانتخابات الأخيرة لأني غاضب من نخبها. ولكن حبي لأهالي هذه المدينة الطيبين حملني على التراجع وقول كلمة تبدو لي حقا لمناصرتهم والتضامن معهم، وحمل الدولة على التدخل لإنقاذ مستقبل شباب المدينة المهدد بالضياع، طبعا لأن الدولة مسؤولة بشكل كبير على ما جرى لهذه المدينة الجميلة خلال أربعين سنة من حكم غير شرعي ولا مشروع لمحمد بنعيسى و”منتداه وحماه“.
ويبقى السؤال: متى يعلنون ميلاد أصيلة؟