“17 تشرين”.. انتفاضة وطن
حسين عطايا
بعد مضي ثلاث سنوات على انطلاقة انتفاضة الشعب اللبناني العفوية في السابع عشر من تشرين الأول – أكتوبر من العام 2019، حيث نزل اللبنانيون ومن كل مناطق البلاد، فملأوا الساحات على مساحة الوطن، رافضين منظومة الحكم التي مضت عليها ثلاثون سنة من التحكم في السلطة، والتي ازدادت وتغولت أكثر منذ أواخر العام 2016، أي منذ اعتلاء ميشال عون سُدة الرئاسة الأولى بدعم قوي من حزب الله، بعد ممارسة تعطيل انتخابات الرئاسة على مدار سنتين ونيف، إلى أن تمت بغفلة من الزمن، التسوية الرئاسية التي أنتجت انتخاب ميشال عون .
هذا الأمر، ونتيجة تراكمات عملية من أكثر من محاولة انتفاضة سبقت لحظة السابع عشر من تشرين الأول – أكتوبر 2019، والتي أدت إلى تلك اللحظة الفارقة بتاريخ لبنان، شكلت نقطة فصل في السياسة اللبنانية تختلف عما سبقها، وكذلك ستختلف حتماً عما سيليها فيما بعد .
لحظة “١٧ تشرين”، شكلت ما دون ثورة وما فوق انتفاضة، وساهمت بفعل مختلف عما سبقها من انتفاضات وحراك، حيث أثرت أو حفرت تأثيراً في مجمل السياسة اللبنانية، يختلف عما سبقها من حيث أهمية نتائجها، على الرغم من عدم كثرتها أو فائض النتائج المحققة، إلا أنها كانت على أهمية من حيث ما تحقق .
أولاً: أدت في أيامها الأولى إلى استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، وساهمت بتعرية المنظومة الفاشية الحاكمة أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، لاسيما بعد تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب – أغسطس 2020، مما دفع بالعديد من الدول المانحة والتي قدمت ولازالت المساعدات عبر منظمات غير حكومية أو المؤسسة العسكرية (الجيش اللبناني)، مما خلق سابقة في السياسة اللبنانية وحرم المنظومة من السيطرة أو الاستيلاء على المساعدات الواردة، وهذا ما دفع برئيس الجمهورية وما دونه من مسؤلين إلى توجيه الاتهام لبعض الدول بأن عملها هذا مُخالف للأنظمة والقوانين اللبنانية أو العلاقات بين الدول .
ثانياً: النتيجة الثانية، وعلى الرغم من أنها لم تكن على مستوى طموحات جمهور “17تشرين”، إلا أنها أيضاً شكلت سابقة في إيصال عدداً من النواب إلى البرلمان على أنهم ممثلين لـ”ثورة ١٧ تشرين”، وهذا شكل أيضاً علامة فارقة وجديدة في السياسة اللبنانية، لاسيما الخرق النيابي الذي حصل في بعض المناطق التي كانت سابقاً مقفلة أي تغيير أو خرق، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر دائرة الجنوب الثالثة، حيث سقط مرشحو المنظومة وفاز نائبان من بين صفوف جمهور “17 تشرين”، حتى أنه خلق حالة جديدة أعادت النكهة اللبنانية الديمقراطية لأروقة مجلس النواب، والتي كانت تتم عادة نتيجة صفقات وتسويات ما بين الأحزاب والكتل النيابية المؤثرة .
على الرغم من قلة النتائج إلا أنها شكلت حدثاً في السياسة اللبنانية، يستطيع المنتفضون البناء عليها لتصحيح ما شابها من خللٍ وشوائب .
ولكن، أصاب لحظة “السابع عشر من تشرين” الكثير من الشوائب، والتي منعت من تحقيق نتائج أكثر، من حيث عدم الوصول إلى أهداف وشعارات موحدة، ومن دون إنتاج قيادة موحدة على المستوى الوطني عدا عن ارتماء بعض المجموعات، والتي كانت تُصنف ثورية في أحضان بعض أحزاب السلطة من جماعات يمينية أو يسارية، لا بل سمحت لقوى المنظومة من أن تُعيد ترتيب أوراقها، مما أعطاها بعض القوة في بعض المفاصل لتُعيد تحكمها في اللعبة السياسة الداخلية، وفتحت أمامها فرصاً لاستعادة بعض من علاقاتها الإقليمية والدولية على الرغم من قلتها .
لذلك، مطلوب مما تبقى من جمهور 17 تشرين، ومن مجموعات ما يُسمى بمجموعات ثورية، أن تُعيد ترتيب أوراقها لبناء قوةٍ ذاتية تستطيع من خلالها التغلب على نقاط الضعف، كما المطلوب التخلي عن بعض الشعارات والتي أصبحت من الماضي، وأن تلعب دوراً وسطياً يسعى ويعمل على بناء معارضة وطنية جامعة شاملة تستطيع التصدي لمنظومة السلاح وتوابعها والتي تمكنت من مفاصل الدولة إلى أن أصبحت الدويلة اقوى من الدولة .
هذا الأمر يتطلب :
* الجرأة في مواجهة الحقيقة والاعتراف بها وعدم التعمية والتعميم ما بين كل القوى الموجودة على الساحة السياسية الداخلية .
* الابتعاد عن الطوباوية في الممارسة السياسية ومواجهة الوقائع بواقعية سياسية وحكمة وحنكة .
* ممارسة فن السياسة بمفهومها العلمي وليس وفقاً للمفهوم والتعريف اللبناني للسياسة .
* مواجهة من يسعى للقفز فوق الدستور والقانون وصولاً إلى نسف ميثاق الطائف والدستور التي نتج عنه، لغاية الوصول إلى تغيير دستوري يُلغي مفاعيل الطائف ويؤسس لدولة من ورق ليست بأكثر من ولاية تابعة للولي الفقيه في طهران .
والسؤال الأبرز في هذه المرحلة :
هل مفاهيم “17 تشرين” تبقى صالحة لهذه المرحلة، أو مطلوب صياغة مفاهيم جديدة تواكب المرحلة وتطوراتها وصولاً إلى بناء لبنان الجديد .