ترسيم الحدود البحرية: سوريا لا تريد
حسين عطايا
عَهدٌ آفل يلهث خلف بعضٌ من إنجازات، أتت ظروف جعلت من أمر ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل أمرٌ ضروري وحتمي، فكان العهد وبطانته متشوقون لإنجاز ولو أدى ذلك الى التنازل عن ثروات وتعديل حدود لبنان الجنوبية، لإن برأيهم من المُعيب على عهد الرئيس القوي ان ينتهي دون تحقيق ادنى إنجازا، مما دفع بهم للتعلق بحبال بالوسيط الأميركي آموس هوكشتاتن ولو ادى ذلك بهم الامر الى السير حُفاة على مسارات واشنطن للوصول الى خاتمة سعيدة بنظرهم للفوز بالترسيم الحدودي، لعله يكون حبل خلاص لعهدٍ منتهي تجرع الفشل تلو الآخر.
على الرغم من كل الهالة التي رسمها المحيطين بالرئيس القوي لحظة وصوله لكرسي بعبدا بعد كل الذي حصل في لحظة تخلي من بعض قيادات الرابع عشر من اذار التي تفرقت صفوفهم قبل وبعد التسوية الرئاسية المشؤومة التي ساهمت بعد فراغٍ اشتغل عليه حزب الله واتباعه لمدة سنتين ونصف الى ان اتت الفرصة التي اتاحت لهم إيصال حليفهم ميشال عون الى كرسي بعبدا وحدثت معجزة الرئيس القوي بإيصال لبنان الى جهنم وفق وصفه .
فأتت الاشهر الاخيرة من عهد ميشال عون لتلعب لعبة المعجزة، نتيجة الحرب الروسية ــــ الاوكرانية، والتي اوصلت اوروبا الى ازمة مُحرجة على صعيد الطاقة، مما دفع بالادارة الامريكية لتسريع خطوات الوسيط الامركي بزيارات مكوكية مابين بيروت وتل ابيب بالاضافة الى ضغط امركي فعلي على كل من لبنان واسرائيل الى ان وصلت الامور الى خواتيمها، ولا احد يتنكر لاستسلام ادارة العهد العوني الى التنازل عن الكثير من نقاط القوة في الخط ٢٩ وتراجعوا الى الخط ٢٣ وهذا الامر سهل كثيراً في التوصل سريعاً الى خاتمة سعيدة للتوقيع على اتفاقية الترسيم .
في هذا الامر ، لا بد من التطرق الى هروب العهد وحلفائه ” حزب الله ” من حقيقة التهرب من واقعية اعترافهم بدولة إسرائيل وعملية التطبيع المقوننة من خلال الاتفاقية المذكورة، حتى عملية الهروب من الاعتراف بأن اتفاقية الترسيم هي معاهدة مابين دولتين لبنان وإسرائيل، على الرغم من كل النفي وكل النفاق الذي تقوم به إدارة العهد وحزب الله من خلفهم .
كما لا يختلف إثنان في لبنان على تهرب العهد برؤسه الثلاثة من الاعتراف بأن هذه الاتفاقية هي معاهدة كون ما سينتج عنها هو وفقاً للفقرة الثانية من المادة ٥٢ من الدستور اللبناني، حيث تقول ” بأن اي اتفاقية لا تُجدد سنة فسنة او ينتج عنها واردات مالية ” هي معاهدة يجب ان توافق عليها الحكومة مجتمعة وترسلها لمجلس النواب ليُصادق عليها وتُصبح نافذة وارسال نسخة عنها للامم المتحدة .فكيف إذا كان الامر يتعلق بترسيم وتعديل حدود الدولة اللبنانية جنوباً .
إذن الحرب الروسية ــــ الاوكرانية وما يتطلبه السوق الاوروبي لاحتياجات بديلة عن الغاز الروسي، يُضاف اليها التفاهم الامركي ــــ الايراني، والذي سهل وجعل من التوصل الى تفاهم حول نقاط عديدة، منها السماح لايران بزيادة صادراتها من النفط، عدا عن تفاهمات حول الازمة الرئاسية الحكومية في العراق والترسيم البحري جنوباً .
كل ذلك ادى الى خاتمة سعيدة للترسيم الحدودي وغدا سيأتي الوسيط هوكشتاين الذي يحمل معه الوثيقة النهائية الموقعة منه شخصيا كوسيط وضامن لاتفاقية الترسيم، على ان تجري في مقر القوات الدولية في الناقورة جنوباً لاجراء عمليه التوقيع على الاتفاقية من قِبل لبنان وإسرائيل وتبليغ نسحة عنها للامم المتحدة والولايات المتحدة بصفتها الضامنة للاتفاقية والمُسهلة في حال حدوث اي خلافات فيما بعد .
على الرغم من هذه الخاتمة السعيدة، إلا ان الطعنة القوية اتت من الحليف السوري، والتي اتت عصر امس حيث انه بعد أن تم تشكيل وفد للذهاب الى سوريا للبدء بمفاوضات حول الترسيم الحدودي البحري شمالاً، إلا ان النظام السوري ابلغ عبر سفارته في بيروت وزارة الخارجية بعدم استعداد سوريا لاستقبال الوفد المذكور بسبب ارتباطات مسبقة .
هذا الامر هو تهرب من اللقاء لحسابات سورية خاصة، ولسؤال مشروع: لماذا ستُعطي لعهد في اخر ايامه انجازاً ؟؟.