كرنفالُ الأوسِمَة
نجيب علي العطار
لا يَنِي عهدُ العاهاتِ العقليّة يرتكبُ تأديَةَ دورِ الإبهار على مسرحِ الإتفاه/ التَتْفيه. ولعلَّ الأكثرَ بيانًا، وتِبيانًا، للعبثِ الواقع على هذا المَسرَح، أو المَرْسَح على ذِمّة سعيد عقل، هو أنْ نُضيفَ إليه إحدى المُشتقّاتِ اللُغويّة للتفاهة شرطَ أن تكون على وزن “مُفاعَلَة”، أو “تفاعُل”، حتّى يُفيدَ المقولُ المقصودَ من المعنى. إذ أنّ ما يجري في المسرِح الجمهوريّ، منذُ ألفِ سنةٍ إلّا سِتّةِ أعوام، لا يسبحُ إلّا في فَلَكِ التفاهة، أو ما يُعادلُها. وممّا شَرَعَتْ جَوْقَةُ القصر الجمهوريّ به لتَبْهَرَ المُشاهدينَ وتُسَحِّرَ عقولَهم هو قيامُ الرئيس، لا أطالَ الله بقاءً له، بتفريقِ الأوسِمةِ على ثُلّةٍ من المَوْسومين، فتَراهُم يُساقونَ إلى هُبَلِهم زُمرًا سيماهُم على صدورِهم من أثرِ الفسادِ لا تعرفُهُم إلّا بِتَتَافُهِ بسماتِهم وتهافُتِ الأوْسِمَةِ من بين أيديهم ومنْ تحتِ أرجُلِنا.
لا غرابةَ، في حضرةِ البؤس سُباعيّ الأبعاد، أن يُشكِلَ معنى الوِسام على كثيرين ممّنْ لا عَهدَ لهم بهكذا أَوسِمة، فلا حَرَجَ علينا إنْ سألْنا أهل الذِكرِ الراقدينَ في معاجمِهم. الوِسامُ لُغةً، والعُهدَةُ على العَرَبِ ولُغتِهم، هو «ما وُسِمَ بِهِ الحيوان من ضروب الصُّور»، ووِسامُ الدّابّةِ هو «ما تُوسَمُ به من علامةٍ تُميّزُها»، وهو “ما يُعلّقُ على صدرِ مَنْ أحسَنَ عملًا مُكافأةً له”، والإنسانُ، على ذِمّةِ البيولوجيا وأهلِها، حيوانٌ من حيثُ جسدِه، وبالتّالي لا تِبيانَ يُرجى من التعريفاتِ أعلاه لفَهمِ حفلةِ الجُنونِ والمُجونِ السياسيِّ التي تُقامُ في الماخور الجمهوريّ. والوَسْمُ لا يحملُ في ذاتِه أيَّ معنًى مُجرّدًا، إذ أنّه يكون بالعارِ مرّة وبالوَقارِ مرّةً أُخرى، أمّا المَوْسِمُ فهو «وقتُ ظهور الشيئ أو اجتماعُ النّاس له”.
لو أرَدنا، من تعريفات أهل الذِكر للوِسام/ الأَوسِمة، تحصيلَ معرفةٍ ما بما يدور في لُبِّ صاحبِ الفخامة لتَبيّنَ، والعُهدةُ على السُخرِية، أنّه يُقيمُ كرنفالًا للوَسْمِ كما لو أنّ الأسبوع الأخير من عهدِه ليس إلّا مَوْسِمًا للأوسِمة. وليستِ الغرابةُ في ميقاتِ توزيعِ الأوسِمةِ الذي يُوحي بأنّه الرئيس على عَجلةٍ من أمرِه لتكريم بُناةِ لبنان الجديد، ولا عَجَبَ إنْ ابتكَرَ، في الثواني الأخيرة له في عرينِه، مصطلَحَ وِسام مُعجّل مُكرّر، أو وِسام مُستعجِل باللّهجةِ المَحكيّة. فرُبّما، ورُبَّ مُحالٍ يُقالُ كأنّه حقيقةٌ واقعةٌ، قد انشغلَ طيلةَ فترة حُكمِه، أو الحُكمِ باسمِه، في الإصلاح والتغيير ومُكافحة الفساد وما يُشاكلُهما في قاموسِه الخاصّ جدًا به. إنّما الغرابةُ، بل الحقارةُ أو ما يُعادلُها ممّا تجود به لُغاتُ العالم، تكمنُ في طبيعةِ المَوسومِين، أو معظمهِم على الأقلّ، كأنّما يُريدُ أبو الشعب أن يَسخرَ من آلام الشعب وتكالُبِ المُفسدينَ عليهم فيأتي بأعتى المُفسدين وأكثرِهم عُتهًا ليُقلّدَه وِسام الإستحقاق بُرتبةِ فاسد.
وعادةً ما تحملُ الدقائقُ الأخيرةُ الكثيرَ من المُفاجآت، فلسنا ندري هل يَمنحُ الرئيسُ نفسَه وِسامًا في خِتام كرنفالِه العظيم؟ ربّما يقومُ بذلك إذ أنّه بلغَ في ابتكار المهازِلِ مبلَغًا تستحيلُ معَه علينا، وعلى الرئيس نفسِه، معرفةُ ما قد يفعلُه الرئيس بهذا البلد الأمين، ولِسانُ حالِ التاريخِ يصيحُ؛ فغُضَّ الطَرْفَ إنّكَ عونٌ.
على أنّ وِسامًا أخيرًا لا بُدَّ أن يُختتمَ به عهدُ المهازِل السياسيّة وهو وِسامُ الإجرام المُتعمّدِ بحق لبنان. لا بُدَّ أن يُعلّقَ هذا الوِسامُ على نواصي أولئك الذين أوصلوا ميشال عون إلى حُكمِ هذا البلد بتسويتِهم غير السَوِيّة، كتاريخِهم وحاضرِهم، لا لشيئٍ إلّا ليلعَنَهم التاريخُ والمُستقبلُ وما بينهُما. ومن وحيِ الخيالِ يُحكى أنّ شاعرًا قد اطّلعَ على الغيبِ فرأى وسمعَ ثم عادَ إلى عالم الشهادة وكَتبَ بيتَينِ من الشِعرِ، فقال:
يجورُ الزّمانُ على قومٍ إذا قيلَ لعونٍ يا بابا
<
p style=”text-align: justify;”>فلو كانَ عونٌ لنا أبًا لعَمري اليُتمُ قد طاب