أوديسة بلا فصول على المتوسط
باريس- المعطي قبال
بعد شهرين من اللف والدوران في عرض مياه المتوسط، أرست صباح اليوم الجمعة باخرة «الأوسيون فيكينغ» في الميناء العسكري لمدينة تولون بجنوب فرنسا. وكانت الباخرة تحمل على متنها 234 لاجئا من بينهم 75 من الأطفال، إلى جانب رجال ونساء، نقل 4 منهم للعلاج على متن مروحيات إلى باستيا عاصمة كورسيكا، فيما تكفلت السلطات المحلية بالبقية حيث سيخضعون لفحوصات طبية قبل توزيعهم على مراكز استقبال في 9 دول هي رومانيا، كرواتيا ، البرتغال، اللوكسمبورغ، مالطا وإيرلندا، بلغاريا، ليتوانيا.
وقبل إرساء الباخرة جرت مناوشات لفظية واتهامات بين إيطاليا، التي رفضت استقبال الباخرة على أراضيها وفرنسا التي ذكرتها بالمعاهدة الأوروبية القاضية باستقبال اللاجئين والمهاجرين غن كانوا في حالة خطر…وقد استاء القادة الأوروبيون من الموقف القومي الضيق لحكومة جيورجيا ميلوني التي أبدت تشددا راديكاليا حيال هذا الموقف. وهي بذلك لم تخن التعهدات التي ابدتها خلال الحملة الانتخابية، والمطابقة لأيديولوجية التيار الفاشي الذي تتزعمه والقاضية بإبعاد بواخر اللاجئين عن الموانئ الإيطالية وطرد المهاجرين غير الشرعيين من البلاد. وقد عاشت أوروبا سيناريو مماثل عام 2018 لما رفضت حكومة ماتيوه سالفيني، باخرة «أكواريوس» الإرساء في الموانئ الإيطالية وانتهى بها المسار إلى الموانئ الإسبانية. وضعت ميلوني الحكومة والرئيس الفرنسي في موقف جد صعب ألا وهو الموافقة على استقبال باخرة الأسيون فيكينغ ومناقضة المواقف والمبادئ التي تدافع عنها حكومته والتي تنص على الحد من الهجرة اللاشرعية ، لكن بطرق لينة. وفي هذا النطاق يندرج مشروع القانون الذي تقترحه الحكومة الفرنسية للمناقشة خلال شهر يناير القادم. في محادثاتها مع إيطاليا، استندت فرنسا على القانون الدولي القاضي بأن تستقبل الدولة القريبة من الباخرة التي تطلب الإغاثة هذه الأخيرة. وتتم الإغاثة بمعزل عن جنسية الأشخاص الذين يطلبونها. هذا الرفض من شانه أن يعرض إيطاليا لعقوبات أو جرها إلى المحاكم. وقد سبق للمجلس الأوروبي لحقوق الإنسان معاقبة إيطاليا بسبب منعها عام 2012 للاجئين ليبيين وصوماليين من الدخول إلى إيطاليا. إزاء هذا الغضب، أعربت إيطاليا عن استغرابها من الموقف الفرنسي مشيرة على لسان وزير الداخلية ماتيوه بيانتيدوسي ان إيطاليا استقبلت هذا العام 90.000 مهاجر وهذا ما لم تفعله فرنسا التي استقبلت من هذا العدد 38 لاجيء فقط! غير أن فرنسا لم تنتظر طويلا للرد على هذا الرفض إذ علقت استقبال 3500 مهاجر على أراضيها خلال الصيف القادم وهم مهاجرون قد يفدون من إيطاليا.
ليس رفض إيطاليا إذا بسابقة، لكنه قد يحدث شرخا عميقا داخل الإجماع الأوروبي حول مسألة الهجرة. ولربما هذا ما تسعى إليه رئيسة الحكومة الإيطالية ورئيسة فراتيلي إيطاليا وذلك بتقسيم اوروبا إلى جبهتين: جبهة المتشددين في وجه المهاجرين (مثل هنغاريا، النمسا، إيطاليا) وجبهة القانونيين الذين يرغبون في تسوية وضعية من لهم الحق في الإقامة او طلب اللجوء السياسي. في سياسة شد الحبل التي تمارسها الدول الأوروبية، سيبقى المهاجرون واللاجئون أكباش فداء تتلاطمهم مياه المتوسط.
فبعد «الأوسيون فيكينغ»، من غير المستبعد أن تتقدم إلى عرض شواطيء جنوب المتوسط قوارب أو بواخر محملة بمهاجرين جدد يراهنون إما على العيش الكريم وإما على الموت!