ماحي بينبين، من العتمة إلى النور

ماحي بينبين، من العتمة إلى النور
 باريس- المعطي قبال
 
أطياف متكاثرة
بعد هدوء حمى مباراة المغرب- بلجيكا، التي كانت الشغل الشاغل للمغاربة، آن الأوان إلى العودة إلى اهتمامات أخرى، كل حسب انشغالاته. وتعتبر الاهتمامات الفنية-التشكيلية أحد الشواغل والمشاغل الرئيسية. في هذا الإطار يقام بـ «غاليري 21»، يوم الأربعاء 7 ديسمبر ابتداء من الساعة السادسة، معرض الكاتب والفنان ماحي بينين تحت عنوان مركب: «ماحي بينبين لا إثنان»، أو «ماحي بينبين. خطوة الإثنين». إن اختلفت الألوان في أعمال ماحي، (تنحو أكثر إلى النور خارجة من عتمة السواد، عتمة السجن)، فإن الأطياف بعدد المثنى أو الجمع لا زالت على هيئتها العارية، المصارعة للأسلاك والأغلال. لكنها لا تعدو كونها طيفا واحدا أوحد يتعدد ويتكاثر باستمرار.
نحن هنا بصدد الأنا بما هي آخر، الذات بما هي تعدد، بمنأى عن الجنس والهوية. ونجد نفس المبدأ في روايات ماحي وبالأخص في روايته الأخيرة «أخي الشبح»، حيث مبدأ الازدواجية أو الثنائية هو دينامو الرواية. يلاحظ أن هذه الأجسام التي كانت بهندام غليظ في أشغاله الأولى، بدت في الأعمال الجديدة أكثر رشاقة وسلاسة في حركاتها. غير أنه لا زالت بقايا من تروماتيزم أو صدمة تازمامارت التي عاشها عزيز بينبين (الأخ) تستحوذ على مخيل ماحي. إذ يعود بين الفينة والأخرى إلى هذه الفترة راغبا في محو الطرس الذي انكتبت عليه. أطفال الأزقة، معذبو الأرض الجدد لكن واقع البؤس والعنف الذي يرى أنه استحوذ على المجتمع، دفعه إلى فتح ورش جديد مخصص لأطفال الأزقة، معذبو الأرض الجدد. رفقة السينمائي نبيل عيوش، أنجزا مشروع المراكز الثقافية «نجوم سيدي مومن» والذي رأى النور في عدة مدن مغربية موفرا فرصة استقبال، تكوين وتوعية شباب الأحياء الهامشية. الغاية هي انتشالهم من الأزقة مع توفير فرص للتكوين والتعبير عن طاقاتهم الخلاقة.
لذا فإن رابطة الممارسة الفنية بالمعاش اليومي في مشغول ماحي بينبين تبقى رابطة قوية وحميمية. وعليه فإن الفن هو على علاقة وثيقة بالسياسة، لا بما هي بلاغة وخطابة، بل بما هي رموز. أن يبيع ماحي بينبين لوحاته لعشاق الفن أصحاب الإمكانيات من الميسورين، معناه إدخال نوع من الالتزام الفني إلى بيوتهم. لأن كل لوحة إلا وتنطق بحقيقتها على حائط أخرس. حقيقة «تحزيم » الناس بالأغلال والأسلاك، تكميم أفواههم، تكبيل أرجلهم قبل أن ينهضوا للسير نحو التحرر والآفاق النورانية. ولا بد من استحضار ما قاله فريديريك نيتشه عن الفنان «كونه يملك السلطة على إيقاظ قوة الفعل النائمة في أرواح الآخرين». متحف ماحي بينبين في المشغول الفني لماحي تعددت المحطات (نيويورك، باريس، تحناوت، والآن محترفه الخاص بمراكش) وتباينت الإنتاجات بين رسم، نحت، لوحات، وروايات… وخلص الفنان إلى أنه بعد هذا المشوار الغني، آن الأوان لتشكيل ذاكرة لهذا المنتوج التعددي وذلك بإطلاق متحف فني باسمه يحتضن كل ما أنتجه، بحيث يبقى مرجعا ثقافيا وفنيا في المدينة الحمراء يزوره العابرون والمقيمون.
تعلمنا تجارب الجيل السابق من الفنانين الذين يصعب تجميع إنتاجهم بسبب ضياعه أو امتلاكه من طرف سماسرة، أن المتحف الشخصي أصبح أداة ضرورية للحفاظ على ذاكرة الفنان. على مستوى آخر فإن مشروع بناء متحف لا يعني أن ماحي بينبين سيخلد إلى الراحة بل هي فرصة لفتح صفحات الإبداع الفني والروائي على جغرافيات جديدة، إفريقية، آسيوية، عربية…من شأنها إثراء الفن المغربي وتأصيله في العولمة الثقافية الجديدة.
Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".