التهديدات الإسرائيلية الجديدة والواقع الفلسطيني: مخاطر وتحديات
هاني المصري
لا نبالغ في القول إننا بعد فوز اليمين القومي والديني الفاشي في الانتخابات الإسرائيلية أمام مرحلة جديدة تتطلب ردًا جديدًا، فلا ينفع أن يتحدث الجميع تقريبًا عن المخاطر المترتبة على تشكيل حكومة إسرائيلية يتربع فيها أشخاص، مثل إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموترتيش، وغيرهما من الوزراء من حزب الصهيونية الدينية، وغيرهم من المتطرفين من بقية أحزاب الائتلاف القادم، ويتولون مناصب وزارية حساسة تتعلق بالفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، وتبقى السياسات المعتمدة كما هي، والردود الفلسطينية كما هي، نمطية تحكمها ردود الأفعال، ويستمر الانقسام السياسي والجغرافي والمؤسسي على حاله، بل ويتعمق.
الفلسطينيون بحاجة إلى رد بمستوى التحديات والمخاطر المتعاظمة، يكون قادرًا على توظيف الفرص المتاحة، وإذا كانت الأطر والقيادات القائمة ليست بمستوى المرحلة فلترح وتسترح؛ حتى لا يتقدم الشعب لإزاحتها.
أين تقف القضية الفلسطينية الآن؟
في العادة، عندما يواجه شعبٌ، أو حركةٌ وطنيةٌ، أو مؤسسةٌ عامةٌ أو خاصةٌ أو أهليةٌ، مأزقًا خطيرًا يهدد وجودها؛ يتوجب عليه وعليها طرح ثلاثة أسئلة، والإجابة عنها أجوبة وافية بعيدًا عن إسقاط التمنيات على الواقع، بل تشخيص الواقع كما هو، ووضع الخطة الكفيلة بتجاوز هذا المأزق العميق.
السؤال الأول: أين تقف القضية الفلسطينية الآن، وما نقاط القوة والضعف التي تملكها، وما التحديات والمخاطر والفرص، وما العوامل والمتغيرات المحلية والعربية والإقليمية والإسرائيلية والدولية التي تؤثر فيها؟
هل تقف القضية الآن في أواخر العام 2022 في وضع أحسن عما كانت عليه في العام الماضي، أم أسوأ، أم لا تزال تراوح في المكان نفسه؟
الجواب عن هذا السؤال، من وجهة نظري، أن الفلسطينيين في وضع أسوأ عما كانوا عليه؛ لأن الأرض تضيع، والقدس والأقصى يهوّدان، والقضية تهمش، بينما تحوّل الفلسطينيون من تهديد للكيان الإسرائيلي إلى مسألة أمنية اقتصادية، والعامل الذاتي في حالة يرثى لها، بدليل أن الانقسام يتعمق، كما ظهر بعقد جلسة غير قانونية للمجلس المركزي في شباط الماضي، واختياره لأعضاء جدد في اللجنة التنفيذية بصورة غير قانونية؛ كون هذا الأمر من صلاحيات المجلس الوطني الذي سبق أن أعطى بشكل غير قانوني ولا منطقي صلاحياته للمجلس المركزي.
كما لم تقم اللجنة التنفيذية بدورها، بل استمرت هيئة استشارية، كما يدل أن معظم اجتماعاتها في السنوات الأخيرة تشاورية، وإذا عقدت اجتماعًا نظاميًا بحضور الرئيس لا يكون الاجتماع هو مصدر صناعة القرار الذي يتخذه الرئيس في العادة بمعزل عن المؤسسات. كما أنها لم تنفذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي فيما يتعلق بالعلاقة مع دولة الاحتلال والالتزامات المترتبة على اتفاق أوسلو؛ حيث طالبها بوضع خطة لتنفيذها، ولم تنفذ كذلك ضرورة العمل على تشكيل مجلس وطني جديد بالانتخابات حيثما أمكن، وبالتعيين ضمن أسس وبتوافق وطني حيثما يتعذر إجراء الانتخابات. أما المبادرة الجزائرية فلا تزال تدور في الدوامة نفسها التي أفشلت المبادرات والاتفاقات السابقة.
ولا يزال التوهان مستمرًا من دون بلورة إستراتيجية سياسية نضالية تقوم بتنفيذها قيادة وطنية موحدة، وذلك على الرغم من تصاعد العدوان الإسرائيلي هذا العام في كل الأماكن، وعلى كل المستويات والأصعدة، وبكل الأشكال، وتزايد أعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين والاقتحامات للأقصى لتغيير مكانته، وللحرم الإبراهيمي وللمدن، وكذلك التوسع الكثيف في المستوطنات، وكلها دلائل على سوء الوضع.
وما يزيد الطين بلة، أن القيادة الرسمية لا تزال، على الرغم من سقوط الأوهام الخاطئة والرهانات الخاسرة، تتحدث عن حل الدولتين، وعن استئناف المفاوضات، وعقد المؤتمر الدولي، وعن تدويل الحل، والحماية الدولية، وعن المقاومة الشعبية من دون تجسيدها حقيقة على الأرض؛ حيث باتت إستراتيجية التدويل بديلًا مؤقتًا من إستراتيجية المفاوضات المرفوضة من دولة الاحتلال، وأصبحت السياسة الفعلية هي التعامل مع الأمر الواقع الاحتلالي، وهو السمة المميزة لسياسة السلطتين على الرغم من الاختلافات بينهما في العديد من المسائل.
وفي هذا السياق، فإن التدويل، واللجوء إلى المحاكم الدولية، والكفاح الديبلوماسي، والحقوق؛ ليست بديلًا من وضع إستراتيجية تكون جزءًا من تصور متكامل، أساسها الصمود والمقاومة لتغيير موازين القوى، وتحقيق أقصى الممكنات في كل مرحلة.
المعارضة تطالب القيادة وتنتظر إلى ما شاء الله
في المقابل، تكتفي الفصائل المعارضة بالمطالبة إما بعقد الانتخابات أو بالتوافق الوطني، وما دام لا هذا ولا ذاك يحدث يتم تكريس ما نحن فيه من انقسام واقتسام بين طرفين وسلطتين، ولا تجد المعارضة نفسها مسؤولة عما يحدث، وعما وصلنا إليه، ولو بعد القيادة الرسمية، وعن واجبها، عبر تقديم بديل نظري وعملي عما هو مطروح، والكفاح لفرضه، بل تبقى بانتظار استجابة القيادة، وهي لا تستجيب، فيرتاح ضمير المعارضة، ويحتفظ كل طرف بما لديه.
الصمود هو الحلقة المركزية في مرحلة الدفاع الإستراتيجي
إذا أردنا أن نشخص الوضع بشكل أعمق ومتقدم أكثر، نجد أن الحركة الوطنية الفلسطينية في مرحلة انهيار، والشعب يمر في مرحلة دفاع إستراتيجي، لا كما يعتقد البعض بأنه في مرحلة هجوم إستراتيجي أو توازن إستراتيجي، وإذا كان الأمر كذلك وأزعم أنه كذلك، فلا بد من قراءة موازين القوى المختلة لصالح الاحتلال، وما حققه على الأرض هنا في فلسطين، ومن تطبيع وتحالف مع عدد من الدول العربية؛ حتى يمكن مواجهة هذا الواقع والكفاح لتغييره.
أوراق قوة فلسطينية لا توظّف كما ينبغي
لا يعني ما سبق أن الفلسطينيين لا يملكون أوراقًا ونقاطًا وعناصر قوة كثيرة، فهم يمتلكون عدالة قضيتهم وتفوقها الأخلاقي، وتواجد نصف الشعب على أرض وطنه، وهذا دليل قاطع على أن المشروع الصهيوني لم يستكمل انتصاره، إضافة إلى تمسك الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه بهويته الوطنية وبحقوقه، واستعداده لمواصلة النضال لتحقيقها، كما تدل الهبات وموجات المقاومة الشعبية والمسلحة التي تصاعدت هذا العام، وأن القضية لا تزال حية، وتحتفظ ببعدها الدولي والإسلامي والتحرري والعربي، خصوصًا الشعبي. فالرأي العام العالمي يدعم الحقوق الفلسطينية، وحركة التضامن في تزايد مستمر، بدليل ما يحصل على امتداد العالم، بما في ذلك في مونديال قطر من مقاطعة عربية للإعلام الإسرائيلي ومن احتفاء بالقضية الفلسطينية، لدرجة سمحت بالقول إن فلسطين هي المنتخب 33 المشارك في المونديال.
مشروعٌ سياسيٌّ على أساس ميثاق وطني
السؤال الثاني: إلى أين نريد أن نصل؟ فإذا كنت لم تحدد أهدافك النهائية، وبالتالي المراحل والتحالفات المطلوبة، فكيف ستصل إليها؟ فتحديد الأهداف النهائية هو الذي يمكّن من وضع الخطط والسياسات وأشكال العمل والأهداف القريبة والمتوسطة.
فمنذ اتفاق أوسلو وتعديل “الميثاق الوطني”، أو بالأحرى التخلي عنه، على الرغم من عدم استكمال هذه العملية حتى نهايتها، والفلسطينيون بحاجة إلى عقد اجتماعي، وإلى ميثاق وطني جديد، أو صياغة الميثاق القديم بصورة تستجيب للحقائق الجديدة والخبرات المستفادة، وبما لا يخل بالرواية التاريخية وبالأهداف والحقوق الأساسية.
هناك خلط ما بين الميثاق الذي يتضمن الأهداف والحقوق الأساسية والقيم والمبادئ وأشكال العمل الأساسية، وما بين المشروع السياسي الوطني. فبعد أوسلو أصبح الفلسطينيون من دون ميثاق، وتخلّوا عنه لصالح مشروع توهموا أنه سيقود إلى الاستقلال، فقاد إلى تعمق الاحتلال والانقسام وتهميش القضية وتقسيم الأرض والشعب.
وبعد فشل المشروع السياسي المترتب على أوسلو، الذي أوصلنا إلى كارثة بكل معنى الكلمة، لم يتم إحياء المشروع الوطني القديم (برنامج إنهاء الاحتلال وحق العودة وتقرير المصير والحرية والاستقلال والمساواة)، ولا بلورة مشروع وطني سياسي جديد يحفظ الحقوق ويأخذ الدروس والعبر من التجارب السابقة، وأهمها لماذا لم ينتصر الفلسطينيون على الرغم من مرور حوالي قرن من الزمان، والتضحيات الهائلة والبطولات الباسلة، وكيف يمكن أن ينتصروا.
الخلافات والتشتت أساسًا نتيجة للمصالح المتناقضة
هناك ضياع وتشتت وخلافات لا تنتهي؛ أساسًا نتيجة عدم بلورة رؤية وطنية موحدة، وبسبب المصالح المتنوعة والمتباينة والمتناقضة التي أوجدتها عشرات السنين من الاحتلال، وأكثر من 15 عامًا من الانقسام، فضلًا عن التدخلات الإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية؛ ما خلق ظروفًا مختلفة لكل تجمع فلسطيني، وحتى داخل التجمع الواحد. وما يقوم به الاحتلال من مصادرة وتهويد واستيطان وتهجير وفصل عنصري وتقطيع المناطق وخلق للمعازل أذكى التربة الخصبة لما يجري.
آراءٌ مختلفةٌ ومتناقضةٌ
هناك خلافات بين من يرى من وراء الكواليس أن ليس بالإمكان أبدع مما كان، وأننا هُزمنا بلا شك، وليس أمامنا سوى القبول بما يطرح علينا إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
وهناك من يرى أهمية الحفاظ على الوضع الراهن وأن الانقسام نعمة، وهو أفضل من الوحدة على أساس التفريط والتخاذل، وهذا صحيح، ولكن الوحدة المطلوبة هي على أساس مشروع وطني وديمقراطي، وشراكة حقيقية. مشروع يجسد القواسم المشتركة لكل الفلسطينيين، ويراعي الظروف والمهمات المختلفة لكل تجمع من دون تحول الخصائص إلى الأساس وتجاهل القواسم والمهمات المشتركة.
وهناك من يرى أننا انتصرنا أو على وشك الانتصار، وضرورة العودة إلى نقطة الصفر، وشطب كل ما حصل، وضرورة الإطاحة بما هو قائم، وكأنه ممكن إعادة عقارب التاريخ إلى الوراء، وشق مسار بديل قافزًا عن الواقع الذي تشكل بعجره وبجره، بما في ذلك عن الإنجازات التي تحققت على الرغم من الكارثة التي وصلنا إليها، مثل تبلور الهوية الوطنية وإحياء القضية وإقامة الكيان الوطني الموحد، ولا يلغيه إنكاره، بل العمل الدؤوب والمتراكم لتغييره.
وهناك من يطرح أن التغيير يبدأ بالتعامل مع الواقع لا الاستسلام له، ولا القفز عنه؛ من أجل تغييره وفق ما تسمح به الإمكانات وموازين القوى في كل مرحلة، وتقدر عليه قوى وأدوات التغيير، فطرح الشعارات الكبرى، والتمترس ورائها حتى لو كانت ثورية جدًا وصادقة جدًا؛ لا يؤدي إلى التغيير، بل يساهم بحسن نية في تكريس القائم، من خلال عدم الانخراط في المعارك الراهنة، انتظارًا للمعارك القادمة في المستقبل، والاكتفاء بتسجيل مواقف للتاريخ، وترديد عبارة “ألم نقل لكم”.
الأهداف القريبة والمتوسطة والبعيدة
فيما يتعلق بالأهداف، يجب تحديد الأهداف النهائية بوضوح، وهي: هزيمة المشروع الاستعماري الصهيوني، وتفكيك نظام التمييز والفصل العنصري، وإنهاء الاحتلال العسكري، وإقامة دولة ديمقراطية واحدة تتسع لليهود من دون أن يحتفظوا بتفوقهم القانوني والسياسي والعنصري.
أما فيما يتعلق بالأهداف على المدى القريب، فمنها إحباط مخطط تغيير مكانة الأقصى والقدس وتهويدهما، ووقف توسيع الاستيطان تمهيدًا لإزالته، ومنع نجاح ضم مناطق (ج) أو جزء منها، ومنع تهجير فلسطينيين من داخل الخط الأخضر أو الضفة أو غزة، أو بينها، أو إلى خارج فلسطين، خصوصًا إلى الأردن وسيناء، ورفع الحصار الظالم عن قطاع غزة ووقف العدوان العسكري ضده، وإسقاط قانون القومية العنصري، وإطلاق سراح الأسرى، والدفاع عن الحقوق المدنية، والحفاظ على الهوية الوطنية لشعبنا في الشتات وبلدان اللجوء، وكذلك إحباط مخطط تحويل السلطة إلى وكيل أمني بالكامل للاحتلال، وتغييرها لتصبح أداة في خدمة المشروع الوطني، إضافة إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، والتخلي عن التزامات أوسلو، وتفعيل المقاطعة بكل أشكالها وحركة التضامن مع الشعب الفلسطيني، وملاحقة إسرائيل دوليًا بوصف ذلك جزءًا وفرعًا من إستراتيجية الصمود والمقاومة، وتشكيل جبهة فلسطينية عربية عالمية لعزل ومقاطعة حكومة اليمين الفاشية تمهيدًا لإسقاطها، وإجراء الانتخابات الفلسطينية على كل المستويات، وجعلها أداة في مواجهة الاحتلال وليس لتكريس سلطة أوسلو وتجديد شرعيتها، كخطوات على طريق دحر الاحتلال وإنجاز الاستقلال الوطني، وتحقيق المساواة وحق العودة، وكمرحلة على طريق إقامة الدولة الديمقراطية على كل أرض فلسطين، فضلًا عن المطالبة بإدراج حزب الصهيونية الدينية بأحزابه الثلاثة على قائمة الإرهاب.
إسقاط وهم الحلول: حل الدولتين والدولة الواحدة
هنا، لا بد من القول بحسم إن وهم الحصول على أي حق، بما في ذلك استقلال دولة فلسطين وإنهاء الاحتلال، لا يمكن أن يكون عبر التفاوض، أو التسوية؛ لسبب بسيط، وهو أن دولة الاحتلال ترفض أي تسوية، وتريد إقامة “إسرائيل الكبرى” على حساب الفلسطينيين، من دون إعطائهم أي حق من حقوقهم.
وإذا كان حل الدولتين عبر التفاوض والتنازلات سقط، فلن يحل محله حل الدولة الواحدة الديمقراطية كما يتصور البعض، بل يحل محله حل الدولة الاستعمارية الاحتلالية الإحلالية العنصرية، التي لا تريد العدالة والحقوق المتساوية للمواطنين، ولا ضم الفلسطينيين، بل تريد أن تقيم دولة واحدة بأنظمة مختلفة تمهيدًا للتهجير، فمشروعها لا يكتمل من دون طرد أعداد كبيرة إضافية من الفلسطينيين داخل وطنهم، ومن أرضهم إلى الأردن، وغزة بعد توسيعها على حساب سيناء، وجعل من تبقى منهم حطابين وسقائين.
كما سقط وهم إقامة هدنة طويلة الأمد، وهو وجه آخر لحل الدولتين، مثلما سقط حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، وهي وجوه لعملة واحدة، تقوم على اليأس والاستسلام للأمر الواقع الاحتلالي، هذا مع استثناء دعاة إقامة الدولة الديمقراطية بعد هزيمة المشروع الاستعماري وإقامة الدولة الديمقراطية على أنقاضه.
من يراهن على غيره يخسر ومن يراهن على شعبه يكسب
السؤال الثالث: كيف نحقق ما نريد؛ أي ما السياسات والخطط وأدوات العمل وأشكال النضال والمقاومة المناسبة والقادرة على تحقيق الأهداف الموضوعة؟
إن الإجابة عن هذه السؤال تتطلب، أولًا، قراءة ميزان القوى، وهل يمكن تعديله خلال فترة قصيرة، وتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى مرة واحدة، أم أن الاختلال في ميزان القوى بشكل فادح يطرح إمكانية مرحلية تحقيق الأهداف؛ حيث يتحقق كل ما يسمح التغيير الذي نحدثه في موازين القوى بتحقيقه.
هناك من تحكمه الغيبيات ويتصور زوال إسرائيل هذا العام أو الذي يليه، وهو ليس بحاجة إلى وضع إستراتيجيات، بل يكفيه انتظار حدوث النبوءة أو طرح شعار التحرير وخيار المقاومة، حتى لو ذكّرناه بأن الفلسطينيين والعرب يردد كثير منهم أن إسرائيل ستزول قريبًا منذ قيامها وحتى الآن، وهي لم تزل ولن تزول إلا عندما تتوفر أسباب زوالها.
وهناك من يراهن على إيران ومحور المقاومة والحرب الكبرى التي سيخوضها لإزالة إسرائيل، وتراجع هذا الرهان مؤخرًا عندما تراجع سيناريو الحرب، خصوصًا بعد ترسيم الحدود المائية بين لبنان وإسرائيل، الذي فتح باب التسويات؛ حيث لم يعد باب الحرب هو الوحيد المفتوح.
وهناك من يراهن على الحرب الأوكرانية، وعلى العالم الجديد الذي سيقوم بعدها، وشطح بعضهم إلى حد القول إن أوكرانيا ستكون بدلًا من إسرائيل؛ لأن إسرائيل بزعمه باتت عبئًا على أميركا والغرب. وهناك من يراهن على اتساع الحرب، وأن تصبح عالمية ونووية تزول فيها إسرائيل.
وهناك من يراهن على تفاقم التناقضات الداخلية الإسرائيلية وأنها ستزيل إسرائيل، ومن ومن ومن … إلخ. غير أن الرهان أولًا وبل كل شيء يكون على الذات وعلى الشعب.
يجب أن نتذكر أن وعد بلفور قدّم في الحرب العالمية الأولى، وأن إسرائيل قامت بعد الحرب العالمية الثانية، وأنه تم توقيع اتفاق أوسلو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام نظام القطب الواحد، وهذا يقتضي الحذر من أن تبلور الوضع العالمي والإقليمي الجاري يمكن أن يقود إلى هزيمة فلسطينية كبرى أخرى، خصوصًا إذا اندلعت حروب كبرى؛ نتيجة خطأ فلسطيني في الحسابات، فهناك أكثر من سيناريو يجب الاستعداد لها جميعًا، ويجب عدم الرهان على طرف أو محور، بل على الشعب وقواه الحية، وهذا الطريق وحده هو الذي يمنع أن تأتي المتغيرات على حسابنا، وهو الذي يوفر فرصة لأن تكون لخدمتنا.
تستوجب مرحلة الدفاع الإستراتيجي التركيز على:
أولًا: توفير عوامل الصمود والتواجد الشعبي الفلسطيني على أرض فلسطين؛ حيث سيتعرض الشعب لمخططات أكثر كثافة وعدوانية للتهويد والضم والتهجير والفصل العنصري، وستجري محاولات لتصفية القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها.
ثانيًا: تنظيم وتطوير المقاومة بكل أشكالها، مع التركيز على أن تكون جزءًا من إستراتيجية، وخاضعة لقيادة موحدة، وكذلك التركيز على المقاومة الشعبية بشكل رئيسي؛ حيث يجب أن تُستخدم المقاومة المسلحة أساسًا للدفاع عن النفس، وتستهدف الجنود وقطعان المستوطنين المسلحين، مع عدم استهداف المدنيين، وعدم دفع الصراع للحسم قبل أن نملك القدرة على الحسم، ولا الانجرار وراء معارك قبل أوانها أو لا نقدر عليها.
<
p style=”text-align: justify;”>