مرحبا بالكريسماس ومختلف أعياد الميلاد
اسماعيل طاهري
بعض اليساريين المغاربة يتوجهون، هذه الأيام، عبر تدوينات، بالتهنئة إلى المسيحيين العرب بمناسبة أعياد الميلاد.. ومنهم من ذهب بعيدا في تعداد مناقبهم وأفضالهم على اللغة العربية والفكر العربي التقدمي اليساري على وجه الخصوص، علاوة على الإسهامات في مجالات الأدب والفن والمعرفة. ومنهم من دون لائحة بأسمائهم …
جميل..
هناك مغالطة في هذه القضية/ المسألة..
لم تعد أعياد الميلاد خاصة بالمسيحين سواء كانوا عربا أو عجما.. أعياد الميلاد أصبحت احتفالا خطفته الرأسمالية وشركات الموضة وأصحاب التخفيضات / الصولد/ الريباخا (/Ribaja/solde) الذين يستغلون العيد لبيع ما تبقى من ملابس ومتعلقات فصل الشتاء من ماركات الموضة الخاصة بالسنة الماضية.
أما الطبقة البورجوازية الغربية فتستهلك ماركات /موضات هذا الشتاء رغم أسعارها الغالية.
اللعبة الرأسمالية واضحة ولا غبار عليها. والكنائس باختلاف مذاهبها أصبحت هامشية في هذه الإحتفالات التي تدوم لأسابيع وتعرف رواجا اقتصاديا كبيرا في الدول الغربية كما تعرف أكبر حركة للسكان بين المدن في كل دولة غربية. وأصبح تبادل الهدايا بهذه المناسبة أقدس من الإحتفالات الكنسية نفسها التي لا يحضرها الا قلة من المؤمنين. فحجوزات الطائرات والقطارات والفنادق والمطاعم والملاهي ترتفع ذروتها رويدا رويدا انطلاقا من الأسبوع الثاني من شهر دجنبر الى نهايته.
إلى ذلك، فقد تزايد الوعي لدى المسلمين لفهم كون عيد ميلاد المسيح يعنيهم أيضا ماداموا يؤمنون – كمسلمين – بكافة الأنبياء والرسل ومنهم نبي الله عيسى عليه السلام وحتى الصلاة.. وبهذا المعنى فعيد الميلاد ليس غربيا أو شرقيا أو أمريكيا..بل هو عيد المسلمين أيضا. ولكنه في النهاية محطة تجارية وسياحية مهمة، وكثير من دول العالم الثالث /التابعة تقلد الغرب في هذه “المناسبة العظيمة: الكريسماس” بوعي غو بدون بوعي بإرادة وبدونها ما دامت اقتصاداتها تابعة للمتروبول الغربي.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا انتشرت ظاهرة تهنئة المسيحيين العرب وغيرهم بأعياد الميلاد بين اليساريين الذين، وبدون وعي منهم، يكرسون منطق الطائفية والهويات القاتلة للبنان وسوريا والعراق ومصر ومعظم دول الشرق العربي.. وهل هذا مؤشر على تنامي التصحر الفكري الذي بات يتخبط فيه اليسار المغربي.
سنحتفل رسميا برأس السنة الميلادية كما احتفلنا بعيد المولد النبوي، وغدا سنحتفل برأس السنة الأمازيغية، بل ونطالب بجعلها عطلة رسمية في المغرب ولم لا عيدا وطنيا. وكل القبائل المغربية تحتفل بها وهناك من يسميها السنة الفلاحية، وأذكر عندما كنت صغيرا أننا كنا نحتفل بها ونسميها رأس السنة الفلاحية حيث أكلة “الفداوش” و”إفنوزن” و”الكسكسو بسبع خضاير” ولعبة من يتناول بالصدفة علف الخوخ أو علف التمر داخل قصعة الكسكس ومن ظفر بها يسمى با”المبروك” وتغدق عليه الهدايا والتهاني سواء كان ذكرا أو أنثى ، كبيرا أو صغيرا من أفراد العائلة الممتدة.
وفي هذا الأفق سنفرح ونحتفل مع أصدقائنا الصينيين برأس السنة الصينية. وأطالب رئيس الحكومة المغربية بتحضير برقية بالمناسبة لإرسالها الى رئيس الحكومة الصينية في الوقت المناسب لتقديم التهاني بهذه المناسبة الجميلة.
ما أحوجنا الى الإحتفالات بأفراحنا وأفراح الآخرين. في هذا الزمن الصعب المليء بالأحزان والتضخم والجفاف والغلاء وجفاف الأرواح وخوائها من القيم الأخلاقية المدنية قبل الدينية.
الفرح والاحتفال بالأعياد والمناسبات خصلة جميلة “شدوا عليها بالنواجد”. تقيكم من الإمساك وعسر الهضم والضغط الدموي والسكري وجنون الشرايين.
ولكن لا تفرغوا الأحداث من عمقها الجمالي والمعنى المتجدد لها عبر الزمن، ولا تسقطوا في لعبة التطييف والبلقنة والتعليب والهويات القاتلة كما يسميها أمين معلوف. وهبال أصل الأشياء والتمثلات القديمة المتوارثة منذ الحروب الصليبية والاستعمار والاستيلاب.
إذا أعدنا كل شيء الى أصوله سنوقف التطور ونصبح أصوليين ينشدون الجمود، والحال أن الحركة والتحرك والتقدم والمستقبل أمام البشرية وليس وراءها. (وفي الحركة بركة كما يقال)، ولتكن حركية المعنى وديناميتها التي لا تنتهي بمؤول غير ديناميكي (كريماص + بورس) ديدننا ليكون لنا مكان مميز في المستقبل فوق الأرض وتحت الشمس.