شهرزاد حزينة باختفاء أندريه ميكال
اعتادت الصحف الفرنسية اليومية معالجة غياب هذا الفنان أو ذاك الكاتب أو المفكر بطريقة سريعة على مانشيتاتها الأولى. المحير في الأمر أنها لم تكن في المستوى هذا اليوم إزاء اختفاء مؤرخ كبير من عيار أندريه ميكال الذي رحل البارحة عن سن 93 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض. تذكرت صحيفة “لوموند” في عددها اليوم غياب المغنية البرتغالية ليندا دي سوزا التي ذاع صيتها في الثمانينات، بدل الإشارة إلى اختفاء مفكر كبير بحجم أندريه ميكال!
ثمة من يصنف هذا الأخير في خانة المستشرقين، فيما ينسبه البعض الآخر إلى مدرسة الحوليات Les Annales، في الوقت الذي يستعصي فيه ترتيب أو نسبة أندريه ميكال إلى مدرسة أو إلى اتجاه بعينه. يتقاسم أندريه ميكال و جاك بيرك عشقهما للعالم ولثقافاته المتنوعة. وتعتبر إتقان اللغة العربية الدرجة صفر لهذا العشق. عاش اندريه ميكال وعاين تحولات الشرق والغرب وانغمر في حركيتهما الدائمة.
أندريه ميكال من مواليد السادس والعشرين من سبتمبر 1929 ببلدة ميز بمحافظة مونبلييه. التحق بمدرسة المعلمين بباريس عام 1950 وحصل على التبريز في مادة النحو عام 1953. ما بين 1953-54 نال منحة دراسية بالمعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق. بمصر اعتقله البوليس المصري بدعوى قيامه بأعمال تجسسية. بعد عودته لفرنسا حصل على الدكتوراه في الآداب عام 1967. جعلت منه أعماله في مادة جغرافية العالم العربي مرجعا أساسيا بالنسبة لعلماء الجغرافيا. كما أن ترجماته للشعر العربي ولألف ليلة وليلة رفقة جمال الدين بن الشيخ اظهرت عمقه الثقافي ودرايته بالتراث العربي بمختلف أشكاله. من بين دراساته القيمة في مجال التاريخ والجغرافيا: «الإسلام وحضارته، الجغرافيا الإنسانية للعالم الإسلامي إلى غاية منتصف القرن التاسع» في أربعة أجزاء. «شرق حياة»، «العرب، الإسلام وأوروبا» بمساهمة دومينيك شوفالييه وعز الدين كلوز. « عن الجزيرة العربية والإسلام » بمساهمة جمال الدين بن الشيخ. « الحدث: القرآن، السورة LVI ». «من الخليج إلى المحيطات» في المجال الشعري ترجم أندريه ميكال شعراء مثل ابن المقفع وكتابه كليلة ودمنة، مجنون ليلى ، ونصوص شعرية مجهولة وتبقى ترجمته لليالي من أحسن الترجمات على الإطلاق. إذ تظافرت فيها شروط الإدراك والتمكن من اللغتين من طرف جمال الدين بن الشيخ وأندريه ميكال. نقلا إلى القاريء الفرنسي لا فحسب محكيات وأقاصيص حقا مثيرة، بل أيضا زخم روح اللغة العربية. ترك أندريه ميكال بصماته الرقيقة على بعض من تلامذته الذين اشتغلوا معه وإلى جانبه من أمثال عبد الفتاح كيليطو الذي يعتبر اليوم الراعي المعنوي لتراث ميكال.
Visited 8 times, 1 visit(s) today