فيلم ماجدة بنكيران.. عندما تُفضي ضجَّةُ القبائل إلى موت السينما وإقبار الإبداع…
عبد السلام بنعيسي
تقاطر سيلٌ من برقيات التضامن من بعض القبائل الصحراوية، مع قبيلة الركيبات، بسبب الفقرة التي وردت في الشريط الوثائقي: زوايا الصحراء زوايا الوطن، الفقرةُ التي تمت الإشارة فيها، عن طريق الخطأ، إلى أن الشيخ أحمد الركيبي كان عاقرا. كِميةُ البرقيات المتضامنة التي تهاطلت على القبيلة المذكورة، والضجة الضخمة التي أثيرت حول الشريط المذكور، كانتا ملفتتين للنظر، ويجوز القول إنهما تثيران الدهشة والاستغراب.
المعروف عن أهل ساكنة الصحراء أنهم ذوو علمٍ، ودينٍ، وتقوى، ويجادلون بالتي هي أحسن، ولا تزِرُ، عندهم، وازرة وزر أخرى، وأنهم متسامحون، ويرعون الأدب والشعر، ويعشقون الفنون بكافة أشكالها، وهم يحظون بكافة ضروب الاحترام والتقدير من أشقائهم المغاربة غير الصحراويين، وتُوفِّرُ لهم الدولة العديد من الامتيازات، بالقياس مع باقي المواطنين، ومن ضمن هذه الامتيازات، تخصيصُ المركز السينمائي لمبلغٍ مالي سنوي مهم من أجل إنتاج أفلام وثائقية عن المجال الصحراوي والثقافة الحسانية، ويتم تنظيم مهرجان سينمائي حول هذه الأفلام مرةً في العام في مدينة العيون، ولقد أُنتجت العديد من الأشرطة الوثائقية الجيدة في هذا السياق، وتمكنت تلكم الأفلام من تعريف المشاهدين، في عموم المغرب، بالثقافة الحسانية والمجال الصحراوي..
فكيف يتمُّ ضربُ صفحٍ على كل هذه المعطيات ويقع التركيزُ على خطأٍ عابرٍ حدث في شريط وثائقي واحد؟ لماذا تجيّشُ النفوس، وتُحشدُ همم القبائل، ويقع تصوير الأمر وكأن زلزالا قويا ضرب المنطقة بفعلِ فاعلٍ؟ هل بهذا الأسلوب يعالج خطأٌ حدث في فيلم؟ ألم تكن تكفي إثارة الخطأ خلال مناقشة الفيلم، وكتابة مقال صحافي عنه لإعادة الأمور إلى نصابها؟ وهل الخطأ إياه يستحق كل هذه الضجة القبائلية المثارة حوله؟ ألم نقم من خلال هذه الضجة بتعميم الخطأ الوارد في الفيلم حتى على الذين لم يشاهدوه؟ لو كان شريط زوايا الصحراء زوايا الوطن من إخراج واحدٍ من أبناء الصحراء، وكانت الشركة المنتجة له في ملك بارونٍ من بارونات الأقاليم الجنوبية، هل كانت الضجة حوله ستأتي كتلك التي أثيرت حول مخرجته مجيدة بنكيران؟ هل كنا سنعاين ضجة، بنفس الحدة، وعلى ذات الدرجة من الغضب والانفعال؟
الشيخ أحمد الركيبي عاش في القرن السادس عشر الميلادي في عصر الدولة السعدية، ولاشك في أنه كان له إخوة وأعمام وأخوال وأقارب، وإذا افترضنا أنه كان عاقرا، فإن أعضاء قبيلة الركيبات الحاليين قد يكونون منحدرين من إخوة أحمد، ومن أعمامه، وأقاربه، فكون الشيخ الركيبي كان عاقرا، لا يعني بالضرورة الإساءة لقبيلته، أو التقليل من شأنها بأي شكلٍ من الأشكال…
وفوق هذا وذاك، فإن الإبداع في السينما مقترنٌ بالحرية، وبالحق في الخطأ، ومعالجةُ الأخطاء في السينما تتم بتبيانها عبر الحوار والإقناع. لكن عندما تصبح الأفلام الوثائقية تحت رحمة العمالات، والقبائل، والعشائر، وتخضع لنفوذ وتأثير العصبيات الهوجاء، فهنا علينا أن نقرأ على السينما السلام…
بعد هذه الضجة حول فيلم زوايا الصحراء زوايا وطن، كان الله في عون اللجنة المكلفة بقراءة وانتقاء مشاريع الأفلام الوثائقية التي ستقدم إليها في المستقبل، لاشك أن الرعب سيسكن أفئدة أعضائها، وسيعيشون دائما تحت الضغط والإكراه، وكان الله في عون المركز السينمائي المغربي حول كيفية تدبيره لتمويل إنتاج هذه الأفلام، وقبول أو رفض البعض منها. سيكون الفزع سيد الميدان في المركز السينمائي، وبطبيعة الحالة ستموت، في ظل هذه الأجواء المرعبة، السينما، وسيقع إقبار الإبداع، بل كيف سيستمر المركز السينمائي نفسه في أداء وظيفته التي كان يقوم بها في السابق، عقب هذه الضجة المثارة حول شريط مجيدة بنكيران؟؟؟