التصور الصليبي للبابا بندكتوس السادس عشر للإسلام
باريس- المعطي قبال
غيب الموت في 31 من ديسمبر الماضي عن سن 95 عاما التصور الصليبي للبابا بندكتوس السادس عشر بعد صراع مع المرض. ويحظى البابا لدى الكاثوليك بشعبية فائقة تظهر من خلال الطوابير التي انتظمت منذ الساعات الأولى بعد إعلان وفاته. وقد بلغ مجموع الزوار 65 ألف شخص توافدوا من عدة بلدان على ساحة القديس بطرس بالفاتيكان بروما لتوديع البابا.
تبقى استقالته من منصبه في 11 من فبراير 2013 نقطة تحول في السلطة الدينية والسياسية الكاثوليكية أدت ببعض الأصوليين الكاثوليك إلى الحديث عن الدسائس التي دبرت ضده لتقديم استقالته فيما اعتبر البعض الآخر أن الفضائح وبالأخص فضائح الاغتصاب والتحرش كانت من الأسباب الرئيسية لهذه الاستقالة.
يوم الخميس القادم، ستقام مراسم الدفن الرسمية. هل سيتم تكريس قداسة البابا خلال هذه المناسبة كم كرست قداسة يوحنا الثاني؟
لم تكن نظرة بابوات الكنيسة الكاثوليكية 265 للإسلام نظرة انفتاح وفهم ورغبة صادقة في خوض حوار تفاهم، يل كانت مشفوعة بتصور صليبي. يبقى بندكتوس السادس عشر وريث هذا التصور وقد عبر عنه بشكل مكشوف في ما أسمي ب «خطاب راتيسبون» لما استدعته في 12 من سبتمبر 2006 جامعة هذه المدينة الألمانية للحديث في موضوع «الإيمان، العقل والجامعة». وقد سبق له أن درس بهذه الجامعة قبل أن يصبح بابا على رأس الكنيسة بروما. لم يتطرق البابا للإسلام إلا من خلال ثلاث فقرات وعبر حوار تم بين الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني وعالم فارسي. في هذه المقابلة يتوجه الإمبراطور إلى العالم بالسؤال: «وفر لي البرهان عن شيء واحد أتى به الرسول محمد؟ ستجد أشياء سيئة ولاإنسانية مثل أوامره لنشر الدين بحد السيف». خلف هذا التصريح استياء في أوساط الدول الإسلامية بحيث طالبت باستدعاء سفرائها كما خرج المتظاهرون للتنديد بهذا التصريح، أحرقت خلالها صور البابا، ونظمت هجمات على بعض الكنائس كما قتلت امرأة مسيحية بالصومال. كان من نتيجة هذه الأحداث أن تراجع البابا عن تصريحه وقام بزيارة لتركيا زار خلالها الجامع الأزرق. واستمر التقارب بين المسلمين والمسيحيين إلى أن تمخض عن تنظيم أول منتدى إسلامي- كاثوليكي بروما في 4 من نوفمبر 2007. جاءت زيارة مفتي الأزهر، الشيخ أحمد الطيب لروما لتكرس نهاية قطيعة مطولة. على الرغم من الديبلوماسية الناعمة بين المؤسسات والمنظمات الإسلامية الكاثوليكية، على الرغم من مديح حوار الأديان فإن فتوى البابا بندكتوس السادس عشر في خطاب راتيسبون يبقى مادة استلهام بالنسبة لا فحسب لمجموعة من الكاثوليك المتطرفين، بل أيضا لمجموعة من المثقفين والسياسيين الأوروبيين الذين يعتبرون الإسلام خطرا على القيم المسيحية وعلى الغرب الكاثوليكي. ولنا في تصريحات ميشال ويلبيك التي سبق أن عالجناها في مقال سابق، خير مثال. هذه التصريحات التي هي اليوم محط دعوى قضائية رفعها مسجد باريس ضد ويلبيك. المؤسف أن جوزيف راتسينجر، اسم ولادة البابا بندكتوس، في حديثه عن العقل والدين والإيمان، لم يقرأ ابن رشد وبالأخص مؤلفه فصل المقال الذي يبين أن الفيلسوف القرطبي حسم بطريقة فلسفية دقيقة في علاقة العقل بالنقل منذ قرون خلت.وخلافا لوفاة يوحنا بولس الثاني الذي أظهرت خلاله الدول الإسلامية عن حزنها لم تصدر عن العواصم العربية-الإسلامية على إثر وفاة البابا بندكتوس، ردود فعل تذكر!
Visited 6 times, 1 visit(s) today