على خطى زهرة الفاسية.. فرانسواز أتلان تحيي ليالي الأنس الأندلسية

   على خطى زهرة الفاسية.. فرانسواز أتلان تحيي ليالي الأنس الأندلسية

باريس- المعطي قبال

   يبقى التراث الموسيقى شاهدا على انتماء يهود المغرب للغة، للمخيل والأرض التي رأوا فيها النور قبل مغادرتهم إلى بلدان أخرى. ولدى سماع نبرات العود، الناي أو الكمان غالبا ما تصدر عنهم عبارة «يا حسرة على ذاك الزمان». عبارة تلخص الجنة المفقودة وخسارة الاجتثات التي لحقت بهم باختيارهم مغادرة أرض الأجداد. وعليه تبقى الموسيقى، إلى جانب فن الطبخ واللباس، رابطة وصل روحية تنقلهم في البعد إلى قرب الوطن والموطن.

   ولموسيقى اليهود المغاربة سجل حافل يجب أن ينضاف إلى سجل الموسيقى المغربية عموما. ثمة تكامل وتزاوج في فن الطرب حتى وإن لم تكن هناك جسور ميكانيكية تربط بينهما. ينهل هؤلاء الفنانون من نفس التراث الموسيقي كلمات، ألحانا وآداء. وقد ترك هؤلاء الفنانون إلى اليوم بصمات واضحة على فن الملحون، الشعبي، الأندلسي. ولنا في زهرة الفاسية أحسن مثال. من مواليد 1905 بمدينة صفرو. تميزت في أصناف عديدة مثل الملحون، الشعبي الغرناطي. في الثلاثينات من القرن الماضي أصبحت أيقونة حقيقية ومحط إعجاب المغاربة من مسلمين ويهود. كانت أول امرأة أدت أغاني توحي للجنس مثل أغنية «هاكا أماما اعطي لماما» قبل الشيخة رميتي التي غنت بدورها « قطع واعطي للشيخة الرميتي تخيط».

   غنت زهرة الفاسية في قصر محمد الخامس. كما كانت أول فنانة تؤلف وتؤدي أغانيها أمام الجمهور. وسجلت، وكانت من الأوائل، أغانيها لدى دار كولومبيا ريكوردز وغراموفون كومباني. غادرت المغرب عام 1962 للعيش بإسرائيل حيث طواها النسيان. عام 1976 التقاها إيريتس بيتون، إسرائيلي من أصول مغربية، وتأثر لما آلت له من بؤس وإهمال. ألف قصيدة يذكر فيها مجد الماضي الذي عاشته ووضعيتها في الوقت الحاضر. في بحثه عن اليهود العرب واليهود الأشكناز بإسرائيل، تشير إدوين سيروسي إلى أن ثقافة وموسيقى الأشكناز غيبت الثقافة الشرقية وبالأخص الموسيقى العربية. الاحتفاء الوحيد الذي جاء بعد غياب زهرة الفاسية هو الذي نظمته مدينة الصويرة عام 2009 في إطار مهرجان الأندلسيات وكان مناسبة للاحتفال بالتلاحم الموسيقي اليهودي-العربي بالمغرب.

   على نهج أيقونة الموسيقى اليهودية المغربية زهرة الفاسية، يمكن الإشارة إلى الفنانة رايموند أو إلى الموسيقيين إستير الفاسي، الشيخ مويجو، جو عمار، بوطبول، سامي المغربي، كوهين بنحاس. ويرجع الفضل إلى الكحلاوي التونسي الذي جمع في قرص مدمج «موسيقيي يهود المغرب». وتتضمن هذه المجموعة تسجيلات تغطي الفترة الواقعة بين 1934-1985.

   لم يندثر التراث الموسيقي اليهودي المغربي، بل ينبعث من رماده بين الفينة والأخرى في حفلات الزفاف أو الختان، بل وانبعث خلال المونديال حيث رقص اليهود المغاربة على إنجازات الفريق المغربي وهم يرددون أغاني مغربية افتخارا بأسود الأطلس. جيل جديد من الفنانات يسرن على نهج زهرة الفاسية ورايموند. مشوار الفنانة فرانسواز أتلان شاهد على هذا الانبعاث. نشير فقط إلى بعض أهم محطات هذا المشوار: ولادتها في 27 من يوليوز بمدينة ناربون بجنوب فرنسا. مغادرة عائلتها للجزائر لتستقر بجنوب فرنسا. دراسة فرانسواز للبيانو في سن السادسة رفقة والدتها. دراستها بالكوسيرفاتوار وعلم الموسيقى بمرسيليا وإكس أونبروفانس. تعلمت تقنية الإنشاد بأوبرا باريس. اشتغلت وأحيت رفقة محمد بريول عدة حفلات موسيقية أندلسية. وإن كانت من أصول جزائرية حصلت عام 2018 على الجنسية المغربية. في 30 مارس كانت من بين الفنانين الثلاث الذين أدوا أناشيد دينية إسلامية، مسيحية ويهودية أمام العاهل المغربي خلال زيارة البابا فرانسوا للمغرب. فرانسواز أتلان حاصلة على عدة جوائز قيمة اعترافا بفنها وآدائها الموسيقي. في إطار «مهرجان الملتقى» الذي تنظم نسخته الأولى بباريس والذي يتضمن ندوات، دروس في اللهجة العبرية المغربية، محاضرات في القضايا السياسية، سيكون الحفل الموسيقي الذي يحييه ثلاثة فنانين، كل في ميدانه: فرانسواز أتلان، كارولين كازاديس، طه العلمي، مستهلا للمهرجان وسيكون هذا الحفل تحت شعار السلم والسلام. وهو إحياء للهويات المتعددة التي تشكل الكيان المغربي.

Visited 68 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".