عن التخطيط الاستراتيجي وإعداد مشاريع التنمية

عن التخطيط الاستراتيجي وإعداد مشاريع التنمية

من أجل التدخل في الشأن التنموي المحلي بجماعة توغيلت

إسماعيل الراجي

   تعيش بعض الجماعات الترابية في المجال المغربي، أزمة حادة من حيث بعد التنمية في شتى أبعادها، وخصوصا، الجماعات الترابية ذات الخصائص القروية_ كحالة جماعة توغيلت بإقليم سيدي قاسم_ حيث الواقع التنموي في بعض هذه الجماعات الترابية من حيث بعد الخدمات الأساسية، كخدمة الماء الشروب، وخدمة المسالك والطرق، والتهيئة داخل الدواوير، وخدمة النظافة، والحماية من مخاطر التلوث المحيطة ببعض الدواوير، ما تزال معلقة لليوم دون إنجازات تذكر(ناهيك عن مشاريع التنمية النوعية كالرياضة، والمؤسسات الثقافية…)، فبرغم من أن بعض هذه الجماعات الترابية-القروية تأسست خلال تسعينيات القرن الماضي، إلتهمت خلالها الملايين من الدراهم التي كانت بإمكانها أن تساهم في خلق بيئة، وبنية تحتية تستجيب، لمطالب الساكنة القروية. لكن يبدو أن بعض الجماعات الترابية-القروية، فاتها قطار التنمية على صعيد الجهة والإقليم، لصالح المراكز القروية والحضرية؛ حيث يلاحظ ازدهاره المجالات من حيث الخدمات الأساسية، بالمقارنة مع وضعية بعض القرى التي ما يزال الانسان القروي فيها يعيش تحت رحمة الطبيعة، دون تسجيل تدخل نوعي من الجماعات التي تنتمي إليها هذه الدواوير.

    من أسوء المظاهر في الجماعات الترابية-القروية التي تسيء للبلد، مظهرين بارزين:

  • مظهر الفوارق في الخدمات الأساسية في الجماعة الواحدة؛ حيث لا مساواة ولا عدالة في توزيع العادل للخدمات الأساسية، حالة بعض الجماعات من حيث هذا البعد يعطي صورة عن سياسة التدبير في هذه الجماعات التي تضرب بعرض الحائط توجهات التنموية للدولة، والجهة، والإقليم. هذا المظهر الأول.  
  • أما المظهر الثاني، فهو حالة مظهر بعض الفاعلين السياسيين الأميين المتواجدين في مفاصل الجماعات الترابية.

   هذين المظهرين يعبران عن مأزق التنموي للعديد من الجماعات الترابية- القروية، التي تكتوي بنيران الفاعلين من لا علاقة لهم لا بالسياسية ولا بالتنمية. ونوعية هذا الفاعل السياسي الذي كشفته، وعرته الأبحاث والدراسات الأكاديمية من حيث متغير الأمية، والجهل المركب بقضايا التنمية، والمقاربة التشاركية، والذي بالمناسبة لا ينفع معه لا تكوين ولا هم يحزنون، هو من يتسلط على بعض الجماعات الترابية ويتواجد في مفاصيلها، خطورة هذا النوع من الفاعلين ليس بوجوده في مفاصل الجماعة وفقط؛ بل بمعارضته لسياسة التخطيط الاستراتيجي، واعداد المشاريع وفق أولويات التنمية الترابية، ووفق التخطيط المتناسب بين المداخل والمطالب الاجتماعية، للساكنة كلها المتعلقة ببعد الخدمات الأساسية. إن نوعية هذا الفاعل، تتجاوز خطورته، محدوديته في المعرفة بالتدبير والتسيير والسياسية، بل إنه يساهم بسلوكه في تعميق أخاديد العمل “تحت الطاولة”، حيث يعتمد على سياسية الارتشاء متعددة الألوان في دهاليز الجماعة، من أجل عدم مساءلته في الشأن التنموي الترابي المحلي، لا إداريا، ولا سياسيا. ويستمر التغاضي لليوم عن نوعية هذا الفاعل في المجال القروي لليوم، والذي ما يزال يعتوا فسادا في العديد من الجماعات الترابية التي أصبحت ساكنتها تعبر عن عمق الأزمة وتهميشها في وسائل الاعلام، وعبر وسائط الحقوقيين، ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن تجليات البلاء بنوعية هذا الفاعل، صرف ميزانية التجهيز وفق سياسة من غلب، وليس وفق مطالب التنمية في الجماعة الترابية.

   ومن عجائب الفهم لذا بعض المنتخبين في الجماعات-القروية؛ اعتقاد أن مسؤوليتهم في الجماعة تتعلق بالاجتماعات، والامضاءات على الأوراق التي يعدها الكاتب العام أو أحد الإداريين، أو المعارضة من أجل المعارضة؛ حيث كما هو معلوم مهمة المنتخبين الأساسية تكون بالأساس هي تمثيل الساكنة أحسن تمثيل وترجمة مطالب خدمات القرب للساكنة في برنامج عمل جماعة يلبي للساكنة مطالبها، بشكل عادل ومتساوي، ويراعي مقاربة النوع، وأولوية التنمية الترابية. اليوم من يستطيع أن يحاسب هذا الفاعل السياسي في الجماعات الترابية-القروية التي يسير بها المنتخبين نحو هاوية اللاتنمية وبتواطؤ الإداريين والتقنيين؟ ثم ماذا يفعل الجهاز الإداري والتقني في الجماعة؛ كجماعة توغيلت التي يستشف منها أن الفاعل السياسي هو من يأمر  بلا علم في التنمية على الأجهزة هناك؛ دون مراعاة الأولويات التي تتطلب لغة التخطيط الاستراتيجي واعداد مشاريع التنمية وفق الإطار المنطقي للمشروع؟ ودون الرجوع إلى مشاركة المجتمع المدني؟

   يبدو أن أزمة بعض الجماعات الترابية في العالم القروي المغربي كجالة جماعة توغيلت، أكثر تعقيدا مما يمكن تصوره في نص هذا المقال، حيث والله أعلم أنها أزمة بنيوية مستمرة، تزيد تعقيدا يوما بعض يوم. وإن أزمة العالم القروي التنموية في جزء منها كبير، يتعلق بالتدبير الذي يسلكه فاعليها في المجال، حيث كما هو معلوم من إرث بعض الجماعات الترابية القروية توغيلت مثلا، تجد الفاعل الأمي هو نوعية الفاعل الذي يكون في مفاصل الجماعة، وهذا الفاعل هو من يملي، ويوجه بتحالفاته مسار التدخل في التراب الجماعة منذ سنوات لليوم، وها هو الحبل السري الذي كان يغذي مثل نوعية هذا الفاعل في الساحة الانتخابية مستمرا لليوم، ولا دليل على أن هذا الحبل سينقطع في المستقبل القريب، حيث البنية جد صلبة بفعل الشوائب القاتلة لعملية الانتخابات في المدارات القروية، حيث كما هو معلوم يشكل المال أحد المرتكزات غير المشروعة التي يستعين بها بعض أنواع الفاعلين السياسيين خلال كل استحقاق انتخابي، ومن مارس اللعبة السياسية في الميدان في العالم القروي، يعلم جيدا على ماذا نتحدث؟

   لا يمكن احداث ثقب في جدر اللاتنمية إلا بنخب تنموية حقيقة، مشبعة بحس المسؤولية والعلم والتكوين السياسي والتشاركي، نخب قادرة على ترجمة الإطار النظري للتخطيط الاستراتيجي واعداد مشاريع التنمية وفق الإطار المنطقي للمشروع، وانطلاقا من المقاربة التشاركية التي هي مستويات؛ أعلاها مستوى المشاركة التي تعنى بالمشروع من أوله إلى آخره، من طرف المعنين بالمشروع.

   لقد قدم لنا منظرون ومخططو التنمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، دورة المشروع الشهيرة التي تعتمد على أربع مراحل أساسية، ينبغي تحديدها في أي مشروع تنموي، ويعد تغيب أي مرحلة من المراحل خللا في المشروع المزمع إنجازه، ولا يستقيم مشروع بدون مراحله الأساسية. ودورة المشروع على المنوال التالي: مرحلة التحليل؛ مرحلة التخطيط؛ مرحلة التنفيذ؛ مرحلة التقييم.

 بالإضافة إلى هذه المراحل أضاف بعض المخططون؛ مرحلة التقييم التي تخص ما بين مرحلتي التنفيذ والتخطيط. ومن بين الأمور التي لاحظ مخططو التنمية، أنها تحتاج إلى تفنيد، هي كل من مرحلة التحليل ومرحلة التخطيط، التي صاغ بخصوصها منظرو ومخططو التنمية تقنيات تخص استعمال المقاربة التشاركية إلى أعلى مستوى ممكن، فمن بين التقنيات التي ذاع صيتها، وهي محل اعتماد واقبال من طرف فاعلين رسميين وغير رسميين، أداة التخطيط المشاريع بالأهداف التي يرمز لها بالفرنسية (PPO). ومن أهمية بالذكر؛ أن هذه التقنية اعتمدتها منظمات غير حكومية كالمنظمات الألمانية في المغرب، بالتعاون مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، وفي هذا السياق يشار إلى المشاريع التنموية التي استهدفت مقاربة النوع الاجتماعي في المغرب.

   إن منهجية التخطيط المشارع بالأهداف، ليست نظرية أو استراتيجية في ذاتها، بل هي وسيلة من أجل الوصل إلى مكامن المشكل الأساسي في الوضعية السلبية المراد تنميتها سواء بالحد من مظاهرها السلبية، أو تطوير قدرة ما تكون أكثر نجاعة. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تنقسم منهجية التخطيط بالأهداف، إلى مرحلتين كل واحدة منها تختص بتقديم عناصر تفصيلية عن المشروع التنموي المراد اشتغال عليه. والمرحلتين تسبقهما، ما يمكن أن نقول عنها أنها مرحلة الصفر، وفيما يلي المرحلتين على المناول التالي:

   من الجدير بالإشارة أن هاتين المرحلتين تسبقهما مرحلة أساسية التي أشرنا لها بمرحلة الصفر؛ يمكن اعتبارها المستوى الأول، لبناء المشروع ككل. إذ فيها نحدد الوضعية السلبية المراد اشتغال عليها، وتحديد مجالها، وما يرافق هذين العنصرين من خصائص أساسية، وكل ما تقدمه لنا مونوغرافية المجال من معلومات …إلخ. فهذا المستوى هو أرضية تحديد فكرة المشروع التنموي، إذ الفاعل التنموي الهادف والساعي إلى بلورة مشروع تشاركي وفق منهجية PPO، مطلوب منه الانطلاق منه، وبالمقاربة التشاركية؛ اجتماع مع الساكنة المعنية(عينة ممثلة ) بالمشروع التنموي، وفتح ورشة عمل؛ قد تستدعي أكثر من يوم عمل حسب المشروع، ويهدف من خلال تلك الورشة، معرفة المشكل، وأسبابه وتجلياته…إلخ، وغيرها من المعارف الأساسية التي شق منها يتم استنطاقه من خلال الوثائق الرسمية، الإحصائية، والمونوغرافية، وبيبلوغرافيا المنطقة، هذا بخصوص المستوى الاولي، والمستوى الثاني_المهم_ هو عمل ورشة التي تعني النزول إلى الميدان، والتقاء المعنين كما أشرنا سابقا، وهنا يختار التقنية المناسبة التي تلائم العينية _التي من خلالها، أن تمكنه من التجاوب مع المعنيين_ فمن بين أدوات التي تسخر لهذا المضمار أداة العصف الذهني. كما يتم اعتماد أثناء الورشة، حوارات وأسئلة مباشرة، تطرح على المجتمعين والمتداولين، ومن خلال الكتابة إن كان المشاركون يجدون الكتابة والقراءة. واليوم تم تطوير مقاربات أخرى كملء استبيانات، ونحوها من الأدوات التي تساهم في اخراج مشروع بمقاربة تشاركية، ووفق مراحل وخطوات منهجية تراعي الأبعاد الاستراتيجية في التخطيط ككل.

   هذه كان لمحة عن طبيعة العمل التنموي في بعض المجالات المغربية التي أصبح فيها الفاعلين التنمويين سواء السياسيين أو المجتمع مدني، ينهجونها في تدبير شأن التنمية الترابية، أما في حالة جماعة توغيلت فلا يمكن الحديث إلى على مقاربة “لمن غلب”.

Visited 46 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

اسماعيل الراجي