أدعياء الديمقراطية.. من الرسوم المُسيئة إلى حرق المصحف الشريف!
عبد الله النملي
نشهد في السنوات الأخيرة بالغربـ،، حملة كبيرة على الدين الإسلامي بكافة مقدساته، بدءًا من الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومرورًا بالحملة الشرسة على النقاب، وكذلك تصاعد المد اليميني المعادي للمهاجرين، وانتهاء بالحملة المسعورة إلى حرق المصحف الشريف، حتى باتت حرية التعبير في أوروبا، مقتصرة على هذه الأفعال والحوادث المُدانة لاستفزاز المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حيث أقدم منذ أيام فقط، في استوكهولم، متطرف دانماركي على حرق المصحف الشريف أمام السفارة التركية، بمباركة حكومية. ومن السخرية خرج علينا، وزير العدل السويدي، في مؤتمر صحافي، ليبرر أفعال هذا المتطرف، والسماح له بحرق نسخ القرآن بحماية الشرطة، بقوله: نعيش في ديمقراطية فيها حيز واسع جدا لحرية التعبير والإعلام، ونحن نعتز بذلك، ولا توجد لدينا أي نية بتضييق مجال الحريات! .
واستنكرت دول عربية وإسلامية الحادث الإجرامي، وفي هذا الصدد، أصدر المغرب بيانا لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أدان فيه ” بشدة إقدام متطرفين بستوكهولم على إحراق المصحف الشريف “، كما عبرت المملكة ” رفضها المطلق لهذا الفعل الخطير”، وأعربت عن ” استغرابها لسماح السلطات السويدية بهذا العمل غير المقبول، الذي جرى أمام قوات الأمن السويدية “، وطالبت ” بالتدخل لعدم السماح بالمس بالقرآن الكريم وبالرموز الدينية المقدسة للمسلمين “، وشددت أن ” هذا العمل الشنيع الذي مس بمشاعر أكثر من مليار مسلم من شأنه تأجيج مشاعر الغضب والكراهية بين الأديان والشعوب”، وأكدت المملكة ” أن قيم التسامح والتعايش تقتضي عدم الكيل بمكيالين والتعامل بنفس الحزم والصرامة مع كل مس بمقدسات الأديان ومشاعر المنتسبين لها . “
إن الذي حدث في السويد، ما هو إلا موجة في بحر كراهية الإسلام، بحيث تحولت مقدسات المسلمين ورسول المسلمين إلى “مادة للتهجم وللهزل” لدى بعض المتطرفين ومثقفي وصحفيي الغرب، تحت ستار حرية الفكر والتعبير. ولا يحتاج الأمر لكثير من العناء لإظهار فظاعة الجريمة المُقترفة بحق الإسلام من قبل المتطرفين السويديين التي أثارت غضبا كبيرا، وهو غضب يعكس موقفا من الآخر الذي يسمح بتجاوز منظومة القيم الدينية والحضارية، وفي مقدمتها ما يتعلق بحرية التعبير، التي يبدو أنه يفهمها ضمن منظور خاطئ، يستند إلى التهجم على مقدساتنا الإسلامية، مما يؤشر إلى أن كل ما بذلناه من حوار الأديان والثقافات لم يفض إلى نتائج تحد من مساحات التباعد.
لقد أظهرت الحملات المسعورة المتكررة على الإسلام بجلاء الفرق الواضح بين الحضارتين الغربية والإسلامية، ففي الوقت الذي دعا فيه الجميع إلى حرق المصحف بما في ذلك أقباط المهجر من الكنائس الشرقية، لم نر دعوة واحدة لحرق الإنجيل أو التوراة ردًا على ذلك، والسبب الرئيس هو أن حضارة المسلمين تمنعهم من تلك البربرية، وأن مكوناتهم الثقافية والحضارية يهيمن عليها الدين الإسلامي الذي ينهانا عن أن نبادل المشركين بالإساءة، لأن دورنا هو إخراجهم من الظلمات إلى النور، ولأننا نعلم جيدًا أن منطلقاتهم من حرق المصحف تنبع من جهلهم بالإسلام، والدليل على ذلك أن تلك الحملات المسعورة لحرق المصحف أدت إلى حملات مباركة لمحاولة معرفة المزيد عن الإسلام، بل دخلت أعداد كبيرة من الغربيين في دين الله، فقط لأنه يحمل مكونات الحضارة الأعلى، وبمجرد أن يقرأ الغربيون عن الإسلام فإن المنصفين منهم لا يمتلكون سوى الاعتراف بأن الإسلام هو الدين الأرقى بين الأديان السابقة.
ومنذ قرن من الزمان شاعت عند الغربيين عبارة للكاتب روبرت هابنلاين (Robert Heinlein) الذي قال “حقك في أرجحة قبضتك ينتهي حيث تبدأ أنفي”. ويصوغها بعضهم في شكل طرفة يصور فيها رجلا يتثاءب ويتمطى على مقعده بحديقة عامة، فيفرد يده بكل قوة لتستقر في أنف جاره الغافل، والذي ما أن رقأ دمعه، وذهب احمرار وجهه، واختفت أصداء صرخته، حتى قال لجاره: يا عزيزي لقد هَشّمت أنفي!. وحتى لا يحدث مثل ذلك، وضع الحقوقيون قوانينهم الوضعية لتكفل عدم المساس ببعض تلك الحريات البدهية، وإن أدى الأمر إلى منع الحرية عن طريق الحبس لأولئك العابثين بالحريات. فاحترام الأديان السماوية والأنبياء قضية محل اتفاق، لذلك يمكن تفعيل الاستفادة من القوانين الدولية لتقريرها وعقاب من يخالفها، إلا أنك تجد عند التطبيق تَفَلُّت دعاتها من الغربيين عنها. ولنأخذ على سبيل المثال الغرب، فقد أطلقت دول غربية يد الإعلام فنال من الإسلام بل من رسول البشرية، حيث تطاول حثالة من أَسْفَهِ سُفهاء الغرب على الإسلام و جناب الرسول الكريم واستهزؤوا به وبالقرآن الكريم، وكان نصيبهم من ديمقراطية الغرب الزائفة، السلامة من العقاب، على الرغم من وجود أعداد كبيرة من المسلمين في الغرب، تحتل ديانتهم الرتبة الثانية في تلك البلدان، فضلا عن شعوب كاملة يسوؤها ويغضبها مثل هذا الصنيع، إلا إنك لا تجد لأدعياء الحقوق أثرا، وكأنهم لم يوقعوا بالأمس أو يدعوا العالم للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية.
لقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات السياسية واحترامها”، ثم قرر الإعلان أن من الحريات الدين، حيث تنص المادة الثامن عشرة “لكل شخص الحق في حرية التفكير وفي حرية الضمير والدين”. وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية تحظر بالقانون “أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف”. فبموجب نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية، فإن على الغرب أن يحترم الدين الذي أفادت تقارير الأمم المتحدة نفسها أنه أكثر الأديان انتشارا، وأن تحظر بالقانون أي دعوة تثير الكراهية الدينية لدى المسلمين.
إن الاعتراض على الإسلام في الغرب أمر مفهوم، لكن غير المفهوم الإساءة المتعمدة و المتكررة للإسلام بحجة حرية التعبير، حيث أن تلك الطعونات الرعناء في الإسلام وفي نبي الإسلام، تنبئ عن مصداقية بعض الدول الغربية، وتبين ما يعنيه التزامهم بتلك القوانين المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية. فالإهانات الوقحة الموجهة للإسلام والنبي الكريم، تمثل محاولة لاستفزاز المشاعر الراسخة للمسلمين عبر العالم، ذلك أن الاعتداء على المقدسات الدينية لا يندرج تحت مسمى الحرية، بل هو وجه من وجوه الاعتداء على حقوق الإنسان بالاعتداء على مقدساته. وبينما يحظر على البعض البحث ولو في مسألة تاريخية مثل المحرقة اليهودية سدا لذريعة معاداة السامية، يُباح لآخرين الطعن في دين الإسلام ونبيهم جهارا، في دلالة واضحة على التحدي المتعمد لمشاعر المسلمين.
إن “مَنْ أمِن العقوبة أساء الأدب”، وتقال هذه المقولة لمن يتجاوز حدوده بالتصرف مع أو التعدي على الآخرين دون الخوف مما قد يردعه من عقاب أو حتى توبيخ. ونعرف جميعاً، أن الهدف من العقوبة هو الردع والتخويف من شيء ما، حتى لا يتكرر ويتفشى، ذلك أن الإساءة للأديان دون رادع أو زجر له تداعيات خطيرة على حياة البشرية، بالنظر لكونه يهدم كل الجهود الإنسانية الخيرة إلى تعزيز حوار الحضارات بين مختلف معتقدات الأمم والشعوب التي تسعى للتقارب، كل ذلك يؤدي إلى خلق العداوات بين أهل الديانات المختلفة، وتهيئة أسباب النزاعات والحروب، وهو اتجاه يخالف الاتجاه العالمي العاقل، الساعي إلى تقارب الأديان وتفاهمها، فضلا عن أنه لا يوجد عامل في نشأة الإرهاب أقوى من عامل الإساءة للدين ورموزه، لأن الطرف المعتدى عليه، سيكون في حالة تشنج، خاصة حين لا يسمح له بالتعبير عن نفسه وعرض وجهة نظره، ويعامل بمكيالين، والواقع خير شاهد على ذلك، فإذا اعتدي على الإسلام ورموزه، اعتبر ذلك من حرية التعبير، لكن مع اليهودية يعاقب كل من يتعرض لها، ويصبح ملاحقا في حياته ومهددا في مستقبله. وإذا كانت هناك آثار سلبية للإساءة للأديان، فقد بات من الضروري علاج هذه الظاهرة بالاحترام المتبادل بين الأديان، وذلك عبر إصدار قانون يجرم الإساءة للمقدسات على غرار قانون ” معاداة السامية “.