أفكار بصدد زلزال تركيا وروسيا وتداعياته حول الشرق الأوسط وأوروبا

أفكار بصدد زلزال تركيا وروسيا وتداعياته حول الشرق الأوسط وأوروبا

 ترجمة بتصرف لمقال تحليلي للمفكر الفرنسي جيل كيبيل، نشر بـ”الفيغارو”:

 تسببت الهزة التي حصلت في تركيا الشرقية وشمال الغرب السوري في صدمة كبيرة في المنطقة وأقلقت أوروبا. إن عدد القتلى مرتفع جدا، وآلاف المباني سقطت مثل قصور من ورق أو رمل، لأنه لم يجر احترام إجراءات البناء ضد الزلازل، وخاصة في سوريا التي حصلت فيها حرب منذ أكثر من عشر سنوات، وهي ضحية حكم غير صالح.

كثير من مجموعات الإنقاذ ذهبت إلى مكان الزلازل، وجل هؤلاء من مبعوثي الحكومات الأوروبية، لكنهم يقولون إنهم اصطدموا بمشكلات جيوسياسية ظهرت في منطقة الكارثة.

اتجهت فرق الإنقاذ الأوروبية إلى تركيا، مع أن الرئيس أردوغان كان يعمل على تصعيد الخلاف مع أوروبا، من السويد إلى اليونان، وهو على خلاف مع أكثرية المؤسسات والحكومات في الدول الأوروبية. والضرورة أجبرته بشكل مؤقت أن يضع جانبا لغته التي استعملها والتي كانت من أهم موارد حملته الانتخابية التي كانت محددة في 14 ماي – أيار، ولكن يمكن للنتائج الكارثية للزلزال أن تؤخرها، وهو يستطيع أن يستخدم حالة الطوارىء لإسكات معارضيه. وقد لاحظنا أن تويتر أصبح خارج الخدمة في تركيا، بالرغم من كونه في بداية الزلزال لعب دورا كبيرا في عمليات الإنقاذ، ولكن النقص الصارخ في الإنقاذ، وتأخر تنظيم عمليات الإنقاذ، وقد شاهدنا الآلاف يموتون مجمدين من الجليد تحت الأنقاض. هذا الوضع يمكن أن ينقلب عليه، مثلما تشير مصادر عدة، ويظهر من خلال ردّات الفعل الغاضبة من ضحايا منطقة الضحايا.

أما بالنسبة إلى سوريا وعمل فرق الإنقاذ بها، فالمشكلة أكبر بكثير، بسبب الإقفال السياسي من جهة نظام الأسد، الواقع تحت العقوبات الدولية. ومن جهة أخرى جزء كبير من المنطقة التي تعرضت لهذه الهزة هي تحت سيطرة القوات المعارضة للنظام، في إدلب، والتابعين لتركيا في عفرين والكرد في الشمال الشرقي.

وقد أدى التأخير وبطء عمليات الإنقاذ في سوريا إلى تضاعف أعداد الضحايا يوما بعد يوم، ومات الكثيرون تحت ردم المباني المهدمة بسبب عدم امتلاك فرق الإنقاذ للآليات من أجل عمليات الإنقاذ، والتي لم تستطع الوصول في الوقت المحدد.

من جهة أخرى أرسلت روسيا وبعض الدول العربية فرقا للإنقاذ صوب المناطق المتضررة والواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، ولكن أدلب كان صعبا الوصول إليها، أو لأن الممر الوحيد الذي يمكن الوصول إليه هو من تركيا، وهو غير قابل للاستعمال بسبب الزلزال.

لا شك أن المنطقة الحدودية السورية ـــ التركية هي الآن من أسوا مناطق التوتر الجيوسياسي، بل هي مركز رئيس لهذا التوتر. حيث أن خط الصدع فيها يمتد للشرق الأوسط وأوروبا. وهذه المنطقة تعتبر خط مرور آلاف المجاهدين الأوروبيين نحو الشرق، والذين توجهوا لمبايعة خليفة داعش والقتال في صفوفه أواخر 2020 . ومن هذا الخط يتوافد حاليا نحو الغرب وأوروبا آلاف المهاجرين  الموجودين حاليا، وفي المستقبل، وهؤلاء يأتون من منطقة كبيرة تمتد حتى الهند.

تتحدث المعلومات الصحفية عن هروب مساجين سياسيين من داعش استفادوا من انهيار مباني السجون، وذلك في سياق الكارثة الإنسانية، ومن الأرجح أن تنعكس بازدياد التوتر والعنف، بينما الحكومات الأوروبية هي في وضع استنفار أحمر.

 بخصوص مخيمات الاعتقال الموجودة في المنطقة الكردية، والتي تطورت حتى تحولت إلى قلعات لداعش.

وتتابع الحكومات الاوروبية بقلق كبير حدة التوتر وإطلاق النيران على الحدود بين الأتراك والأكراد، لأن العنف وعدم الأمان يمكن أن يترجم بشكل ميكانيكي بازدياد أعداد اللاجئين الذين سيأخذون الطريق نحو أوروبا، ويشكل هذا الوضع ضغطا كبيرا على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي.

وهذا المركز الكبير المشكل لعدم الاستقرار هو انعكاس لعدم الاستقرار الذي يمثله الشرق، وهو موجود أيضا بين منطقتين من الصراعات الدولية، أولا الحرب الروسية- الاوكرانية التي هي أول مواجهة مسلحة بهذا الحجم على الأراضي الأوروبية منذ أواخر الحرب العالمية الثانية، والتي تدخل سنتها الثانية. وأيضا المواجهات العنيفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، بينما مدير “السي أي إي” بلمرت يقارن الوضع الحالي بأوائل الانتفاضة الثانية في فلسطين، في خريف العام 2000، حيث كثرت العمليات الانتحارية ومهدت البساط للعملية التي قامت بها القاعدة في 11 أيلول 2001.

تعد الجولة التي قام بها الوزير الاسرائيلي لليمين المتطرف ايتمار بن غفير  في ساحة الأقصى في القدس، شبيهة بالجولة التي قام بها أرييل شارون من 12 سنة تحديدا، وحصلت غارات إسرائيلية من الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين، تسببت بتسعة قتلى، وحصلت بعد ذلك ردّات فعل من الفلسطينيين، وقامت المقاومة باغتيال 7 يهود كانوا متجهين إلى المعبد اليهودي في القدس.

زيارة أنطوني بلينكن إلى إسرائيل في 30 و31 يناير – كانون الثاني لم تعط أي نتيجة، بينما الحكومة الاسرائيلية تحضر لتوسيع الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية والرئيس محمود عباس يرفضان التعاون من الآن وصاعدا في ملف التصدي للإرهاب.

تنظر القارة الأوروبية بقلق بالغ لثورة العنف هذه، مع غياب أي حل سياسي، خصوصا بالنسبة إلى نتائجها المتوقعة على القارة الأوروبية التي هي مكان إقامة ملايين من اليهود وملايين من المسلمين.

وتذهب آراء إلى أنه خلال العقود الماضية الهجومات القاتلة ضد معابد ومدارس ومحلات يهودية في أوروبا، كان ذلك نتيجة لمواجهات في الأرض المقدسة في ظل عدم وجود أي افق لحل سياسي.

في هذه الظروف الملتهبة في أوروبا ممكن أن تضرم النار ويزيد غليان شرارها، ففي السويد بعدما تم إحراق نسخة من القرآن في ساحة عامة، خلال تظاهرة مرخصة لها، قام شخص بأخذ إذن لإحراق نسخة من كتاب التوراة، بنفس الطريقة التوراة. وطبعا منع هذا الأمر.

إن الوضع في أوروبا متقلب على وجه خاص مع إضرابات متكررة لجهة انكلترا وفرنسا، ومع غلاء معيشة كبير، بعد توقف إمدادات الغاز الروسي، وكذلك مع اشتداد التوتر الموجود في البحر المتوسط بسبب تدفق الهجرة غير الشرعية.

من جهة أخرى نجد الأحزاب اليمينية المتطرفة تتقدم بكافة البلدان الأوروبية، من بلاد اسكندنافيا حتى اسبانيا، مرورا ببولونيا واليونان. وطبعا لا ننسى فرنسا في ظل تقدم البروباغندا المعادية للإسلام، التي تذكر بالحقبة الدموية من 2012 إلى 2019 للجهاد الإسلامي، والخوف من التغيير الديموغرافي لمصلحة المسلمين في أوروبا بسبب موجات الهجرة، مما يعزز نظرية التبديل الكبير أو الاستبدال الكبير.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة