الكرنفالات: مهرجاناتٌ وطقُوسٌ ضاربةٌ فى القِدَم
د. محمّد محمّد خطّابي
تنظّم فى العديد من مناطق العالم فى هذه التواريخ (خلال منتصف شهر فبراير من كل عام) تظاهرات احتفالية تقليدية متوارثة كبرى تعرف بـ”الكرنفالات”. لقد عشنا، وعاش العالم معنا، وما زلنا نعيش في خضمّ أجواء مشحونة بالهلع، والرّعب، والخوف، والترقب، والرّوع بعد انتشار وباء ”الكورونا فيروس” الخطير الذي ما فتئ يلقي بظلاله الثقيلة، وأشباحه المخيفة، والمُرعبة، والمُريبة على العديد من مناطق العالم ونواحيه وأصقاعه التي لم تجد بدّاً – عند تفشّي هذا الوباء – من أن تلغي، أوتؤجّل، أوتعلّق غير قليل من التظاهرات، والملتقيات، والإحتفاليات الثقافية، والموسيقية، والرياضية، والإعلامية، والاقتصادية والفنية وكان العالم وكأنّه أمسىَ يشهد مرحلة جديدة من الحروب والمواجهات الوبائيّة، بعد أن عجزت الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف زحف التنّين الصّيني العملاق، أوصدّ وردّ تقدّم الجنس الأصفر اقتصادياً وعسكرياً وبشريّاً كما كان يسمّيه مستقرئ المستقبل الفرنسي ذائع الصّيت “ميشيل دي نوسترداموس” فى رباعياته الشهيرة التي كتبها ونشرها فى القرون الوسطى، والتي ترجمت الى مختلف لغات الأرض، وفى هذا السّياق كانت قد ألغيت فى غير قليل من البلدان بعض المهرجانات الجماهيرية الكبرى التي تنظّم احتفاءً بموسم الكرنافالات خلال شهر فبراير من كلّ عام، ومع ذلك فقد واجهت بعضها هذه المخاطر، والتخوّفات، والأهوال بالتحدّي، وعادت هذه المهرجانات الكرنفالية الصّاخبة فى موعدها في كلٍّ من اسبانيا، والبرازيل، وكولومبيا، والأوروغواي، وايطاليا والأرخبيل الكناري وبلدان أخرى من العالم.
أشهرها كرنفال البرازيل
هذه الاحتفاليات الكرنفالية تتمثّل فى تظاهرات رمزية تقليدية متوارثة كبرى من أشهرها كرنفال مدينة “ريّو دي جانيرو” بالبرازيل الذي يقوم أساسا على استعراض مواكب عربات مزكشة كبرى، يقوم المشاركون والمشاركات فيها باِرتداء أقنعة، وتشارك فى هذه الاستعراضات أجواق موسيقية متنوّعة تتميّز بشكل خاص بموسيقى الصّامبا الصّاخبة، وبالإضافة إلى الشوارع الكبرى الفسيحة التي تجتاحها هذه الموالكب المبهرجة تقام استعراضات كبرى كذلك فى مكان يسمّى ” امسو درومو” الذي شيّد خصيّصاً فى مدينة ريّو دي جانيرو الشاطئية المترامية الأطراف لهذه الغاية على وجه التحديد . وتعتبر البرازيل بدون منازع من أكبر بلدان العالم إحتفالا بالكرنفالات، وأصبح هذا التقليد فى هذا البلد الشاسع عادة لصيقة بحياة كلّ برازيلي. وكرنفال ريّو دي جانيرو عالم آخر صاخب متعدّد الألوان والألحان والهرج والمرج، والصّخب والدّأب واللّجب، تمتزج فيه كلّ أنواع البشر وأصناف الأعراق والأجناس على إختلافها، فضلاً عن العديد من ضروب الأزياء الملوّنة والمزكشة والمثيرة، والأقنعة على اختلاف أشكالها فى بلد خلاسيّ ومولّد ينحدر سكانه من كلّ جنس وعرق ومن كلّ صوبٍ وحدب.
ومن أشهر الكرنفالات الأخرى فى العالم أيضاً كرنفالات مدينة ”برّانكييّا” الكولومبية، (مسقط رأس الفنّانة الكولومبية العالمية شكيرة أو شاكرة ذات الأصول اللبنانية) فضلاً عن جزيرتي ”ترينيداد و طوباغو” والعديد من بلدان أمريكا الجنوبية الأخرى فى منطقة الكرايب، ناهيك عن كرنفال “ماردي غراس” فى ”نيو أورليانز الأمريكية” وهي احتفالات كبرى تستعرض فيه أجمل العربات المزدانة، وارتداء أغرب ما يمكن أن يصل إليه الخيال فى عالم الأقنعة و”المُتوَجَّهين” وهم (لابسو الوجوه المستعارة والأقنعة).
ومن الكرنفالات الشهيرة فى العالم كذلك تلك التي تقام فى الأرخبيل الكناري (جزر الخالدات) خاصّة فى جزيرتي ”تينيريفي” و”لاس بالماس دي غران كاناريا”، وهذه الجزر هي تابعة لإسبانيا اليوم والمحاذية جدّاً لسواحل المغرب الجنوبية، وتختلط فى هذه الكرنافالات الكنارية بعض تقاليد المناطق الإستوائية بالعادات الشعبية الأوربية فى مجال الرّقص والغناء. كما يعتبر مهرجان مدينة ”البندقية” الإيطالية من أشهر الإحتفاليات الكبرى التي تقام فى هذا القبيل وما يتخلله من عروض وأزياء غريبة، وأقنعة مثيرة ورقص مقنّع، وحفلات تنكّرية، وموسيقى وغناء وبهرجة لا حدود لها، ويعود هذا المهرجان إلى القرن الحادي عشر الميلادي.
وهناك كرنافال مدينة ”قادس” الإسبانية الشهير، وقادس هي مسقط رأس الشاعر الإسباني الكبير رفائيل ألبرتي. وفى مدينة “بلنسية” الإسبانية يقام كلّ سنة كذلك (خلال شهر مارس) مهرجان إحتفالي آخر ضخم يسمّى ”فاياس”، تُصنع خلاله العشرات من المجسّمات والأقنعة والصّور من الخشب أو الكارتون المقوّى ثم تلوّن جميعها بألوان وصور زاهية مزكشة رائعة، وعند نهاية هذا المهرجان الصّاخب تُحرق جميع القطع والدُمى العملاقة التي صُنعت والتي قدّمت أثناء العرض بإستثناء قطعة واحدة فقط تنجو من لهيب النار، وهي التي تحظى بالعفو عليها خلال هذا العرض المثير من طرف لجنة حكّام المهرجان، ويحتفظ بها فى مكان آمن فى هذه المدينة.
مرحباً أيتها الأفراح!
معروف أنه فى هذه المهرجانات والاحتفالات والكرنفالات لا مجال للحزن والشكوى والأنين والعبوس أو للعزلة والإنزواء والانطواء، فقد استمرّت هذه التقاليد قائمة حتى فى أحلك وأقسى الظروف التي مرّت بهذه البلدان بإستثناء حالة إسبانيا على وجه الخصوص، حيث كانت هذه المهرجانات محظورة على عهد الجنرال فرانكو، وكان وما يزال شعارها الدائم: وداعاً أيّتها الأحزان! مرحباً ايتها الافراح!
وتستمدّ هذه التظاهرات الفنية والشعبية أصولها من تقاليد عريقة ضاربة فى القدم، وتنحدر كلمة ”كرنفال” فى اللغة اللاتينية السّوقية (عامية القرون الوسطى) من مصطلح ”كارني ليفار” التي تعني أهجر أكل اللحم وذلك بسبب الاحتفالات المبالغ فيها حيث كانت تقدّم فيها جميع أنواع المأكولات ببذخ كبيرخاصة اللحم. فى تواريخ ،ومواسم كان محظوراً فيها أكل اللحم عند إخواننا المسيحييّن (الكواريسما). وقد انتقلت عدوى الاحتفالات بالكرنفالات من البرازيليين وغيرهم من شعوب أمريكا اللاتينية إلى بعض الشعوب الهندية والمولّدين الذين ينحدرون من أصول إفريقية أو أسيوية أو من مناطق أخرى من العالم.
الأقنعة والكرنفالات
تعتبر الأقنعة من أولى الوسائل التي يتمّ استعمالها خلال الاحتفالات بهذه الكرنفالات، ولقد وجد الإنسان منذ أقدم العصورفى العديد من مناطق العالم فى هذه الأقنعة والكرنفالات وسيلة تعبيرية أثيرة، ومتعة مثيرة لما يختلج فى نفسه من مشاعر ورغبات، وذلك عندما يخفي وجهه إمّا للدّفاع عن نفسه أو لإحياء عوائده المتوارثة باحثا عن تفسير أو تبرير لما يساوره من شكوك، وما يعتمل فى نفسه من خوالج وتطلّعات.
ويأتي ظهور الأقنعة أيضاً فى العديد من الحضارات والمجتمعات القديمة للتوصّل إلى إمكانية تجسيد صور وموجودات أخرى كانت فى غالب الأحيان بالنسبة للإنسان القديم بمثابة رموز ذات قدرات هائلة، وهو بواسطة ذلك يفرض سيطرته على المحيطين به. ومن ثمّ نجد فى مختلف الثقافات القديمة أنّ ”القناع” كان يعني رمز القوّة والسلطة لإثارة الرّعب والهلع فى الآخرين.
ولم تكن قيمة الأقنعة التي كانت تستعمل فى الرقصات وبعض الطقوس القديمة تكمن فى حدّ ذاتها كأقنعة، بل فيما كانت تقدّمه أو تشخّصه أو تجسّده. وما زالت هذه التقاليد الشعبية المتوارثة حاضرة فى معظم بلدان أمريكا اللاتينية إلا أنّ معناها الرمزي تحوّل إلى مظاهر احتفالية.
احتلت الأقنعة التي ارتبطت باحتفاليات المهرجانات والكرنفالات على إمتداد مختلف مراحل تاريخ الحضارات القديمة السابقة للوجود الكولومبي فى القارة الأمريكية مكانة مرموقة، خاصّة فى مجال الفنون الشعبية، مثل الرقص، والغناء وبعض التظاهرات التي ترجع أصولها إلى فجر التاريخ.
ويتفنّن كل بلد من بلدان أمريكا الجنوبية فى صنع أشكال عديدة متباينة من الأقنعة التي لها صلة بتاريخ هذه البلدان وبالأحداث التي تعاقبت عليها، وقد أصبحت هذه الاقنعة اليوم تشكّل جزءاً أساسياً من التراث الثقافي والحضاري لهذه البلدان.
وهذه الوجوه المستعارة هي من الغنى والتنوّع، مّما يبعث على الإعجاب والحيرة، إذ ثمة آلاف الأشكال والأحجام ذات الرموز والإيحاءات المتعدّدة، وتعكس كلها عادات وتقاليد السكّان الأقدمين لهذه المنطقة من العالم، وقد خضعت هذه الأشكال لتأثيرات واضحة بعد إكتشاف أمريكا، وتظهر فيها قوّة الإبداع لدى السكان الأصليين وعفويتهم، وهي تعبّر عن إحساس مرهف بالتعامل مع الطبيعة ومحاولة فهمها وتفسيرها وتقليدها.
إنّ المسرحيات والمهرجانات التي عرفتها الحضارة الإغريقية القديمة وكذا مناطق أخرى من العالم فى آسيا خير دليل على مدى أهمية هذه الوسيلة فى المجتمعات الغابرة، وقد استعمل سكان أمريكا هذه الأقنعة كذلك فى المعارك والحروب والمواجهات التي كانت تنشب فيما بينهم فى مختلف حقب التاريخ، كما إستعملها السّحرة والمشعوذون فى التطبيب وطرد الأرواح الشرّيرة. وهناك أساطير تحكي أنّ الحكام فى المجتمعات الهندية عندما كانوا يصابون بمرض أو أذى أو علّة كانت تغطّى وجوههم بأقنعة معيّنة معروفة عندهم، ولا تنزع إلا إذا مات حاملها أو شفي من علّته، كما كانت لديهم أقنعة خاصّة بالمراسيم الجنائزية، حيث كانوا يدفنون موتاهم من عليّة القوم بها.
وكان المحاربون الذين يخرجون للدفاع عن القبيلة أو الجماعة يرتدون بعض الأقنعة التي تحمل صور الصقور أو النمور وبعض الحيوانات المفترسة الأخرى لإثارة الرّعب والفزع فى قلوب خصومهم ذلك أنّ ضراوة تلك الحيوانات كانت معروفة عندهم. وكان هؤلاء المحاربون فى أحيان أخرى لا يكتفون بوضع الأقنعة وحسب بل كانوا يتسربلون بجلود هذه الحيوانات وريشها. وكان النمر الأرقط يحظى بأكبر نصيب فى هذه الحالات وبعد أن إستقرّ الإسبان فى القارة الامريكية أصبحت الأقنعة تستعمل فى الإحتفالات والمهرجانات التي تقدّم فيها الرقصات التي تذكّر بالصّراعات والمواجهات القتالية سواء بين السكان أنفسهم أو بينهم وبين الحيوانات المفترسة، وصارت هذه الأقنعة شيئا فشيئا تكتسب أشكالا جديدة إستقدمها المكتشفون معهم من عالمهم العتيق ونشروها بواسطة المبشّرين، ومن هذه الأقنعة والأردية تلك التي كان يرتديها الإسبان خلال الاحتفالات التي تجسّد مواجهات وحروب “المسلمين والنصارى” أيام الحملات الاستردادية التي خاضها الإسبان ضد معاقل المسلمين فى شبه الجزيرة الإيبيرية فى آخر عهودهم بها، وتعرف هذه التظاهرات باحتفالات (موروس إي كريستيانوس) والتي ما زالت تقام حتى اليوم فى المنطقة الشرقية من إسبانيا خاصة فى مدينتي بلنسية وألكوي وسواهما من المدن الأخرى خاصة فى مدريد التي استحدث بها هذا التقليد لاوّل مرّة عام 2002 خلال احتفالات هذه العاصمة بعادات وتقاليد المدن الإسبانية الأخرى، و انتقل هذا التقليد مع الإسبان إلى معظم بلدان أمريكا الجنوبية التي أصبحت هي الأخرى تقيم هذا النّوع من الاحتفالات حتى اليوم فى المهرجانات الشعبية والكرنفالات.
انواع الأقنعة ودواعي استعمالها
أدخلت على أشكال الأقنعة التي إستقدمها الأوربييون معهم إلى هذه البلدان إضافات عدّة حيث طبعت بطابع كل بلد وما تمليه تقاليده ،ومعتقداته ،وحضارته. وقد إنتقلت هذه الأشكال الجديدة من جيل إلى جيل . ويتسابق الصنّاع التقليديون فى صنع هذه الأقنعة التي ما فتئ الإنسان ” المتحضّر” يستعملها هو الآخر حتى اليوم فى حفلاته التنكرية التي تضرب أصولها فى التاريخ القديم. وخلال الحفريات الآثارية فى مختلف بلدان أمريكا اللاتينية عثر على أنواع عديدة من هذه الأقنعة المصنوعة من مختلف المعادن كالذهب والفضّة والنحاس والسبج والأحجار البركانية ،والأحجار السوداء الزجاجية والجزع وهو نوع من العقيق، والمحارات، والصدف واليشم الذي كان يستعمل كثيراً فى تزويق وتنميق مختلف هذه الأقنعة. وبالإضافة إلى وظيفته الجمالية والطقوسية كان القناع يحظى عند السكان الأصليين باحترام كبير.
وهناك ضروب أخرى من الأقنعة الخفيفة التي يحملها أصحابها فى المهرجانات الشعبية، وهي مصنوعة من الورق المقوّى المبلّل الذي يمكن طيّه بسهولة وإعداده بمختلف الأشكال المطلوبة، ثم يوضع فى مكان حارّ ليجفّ وأخيرا يلوّن حسب نوعية الحفلات أو الرّقصات أو المناسبات، وتجتهد القرائح الشعبية فى صنع أغرب الأقنعة والأردية والتي يكون لها وقع وتأثير فى الجماهير، وتصنع أقنعة وقبّعات عريضة مزيّنة بريش الدواجن والطيور النادرة. وقد إعتاد السكان فى العديد من المناطق على طلاء أبدانهم بخطوط ملوّنة، وتغطية وجوههم بأقنعة حيوانية ويبدأون فى خوض غمار معركة حامية بين قوّى الخير والشرّ حيث تكون الغلبة فى الأخير للجانب الخيّر على الجانب الشرّير فتشيع السعادة ويعمّ الحبور بين جميع الحاضرين.
وهناك نوع آخر من الأقنعة التي لا توضع على الوجه بقدر ما هي تستعمل فى بعض الحفلات والرقصات حيث يتمّ وضعها للزينة، وهي تصنع من جذوع لحاء الشجر ويقوم الفنان بنحتها بمختلف الأشكال المتفاوتة بين الفرح والحزن، والملهاة والمأساة والدعة والعنف. وما زال هذا النوع من الإبداع الفنيّ مستعملا بكثرة فى مختلف بلدان أمريكا الجنوبية، كما تصنع من جذوع الشجر كذلك تماثيل كاملة لأناس فى أوضاع مختلفة (صياد، إسكافي، عازف على القيثار.. إلخ) وقد اعتاد سكان هذه المناطق على لمس اللحى والشوارب التي تصنع لهذه التماثيل حيث يعتقدون أنّ فى ذلك مجلبة للسّعد وحسن الطالع عندهم.
وهناك أقنعة تصنع خصّيصا لتقديم رقصات فى مواسم معيّنة تؤرّخ لأحداث مشهورة فى تاريخ هذه الشعوب كالاحتفالات التي تقام للشمس والأهرامات أو البحر أو للفلاحة أو لبعض تقاليد الصّيد، حيث تستعمل فى مثل هذه الحالات رؤوس الحيوانات المحنّطة مثل الأيّل أوالنمر ثم تلبس هذه الأقنعة على رؤوس الراقصين الذين يقومون بدور الحيوانات التي تركض فى أعداد هائلة فى مختلف الاتّجاهات مذعورة محاولة الفرار من سنان الرّماح والنبال التي تطاردها وتنثال أو تنهال عليها من كل جانب، ثم تذعن أخيراً وتخرّهامدةً أمام الضّربات الفاتكة وتهلك فى تشنّج عضلي وارتعاش، وتذكّرنا هذه الصّورة بقصيدة الشاعر الحطيئة الشهيرة التي يقول فى بعض أبياتها الرائعة:
فَبَينا هُما عَنَّت عَلى البُعدِ عانَةٌ / قَدِ اِنتَظَمَت مِن خَلفِ مِسحَلِها نَظمَا .عِطاشاً تُريدُ الماءَ فَاِنسابَ نَحوَها / عَلى أَنَّهُ مِنها إِلى دَمِها أَظمَا. فَأَمهَلَها حَتّى تَرَوَّت عِطاشُها / فَأَرسَلَ فيها مِن كِنانَتِهِ سَهمَا. فَخَرَّت نَحوصٌ ذاتُ جَحشٍ سَمينَةٌ / قَدِ اِكتَنَزَت لَحماً وَقَد طُبِّقَت شَحمَا. فَيا بِشرَهُ إِذ جَرَّها نَحوَ قَومِهِ / وَيا بِشرَهُم لَمّا رَأَوا كَلمَها يَدمىَ .فَباتَوا كِراماً قَد قَضوا حَقَّ ضَيفِهِم / فَلَم يَغرِمُوا غُرماً وَقَد غَنِمُوا غُنمَا .