الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الأول.. ميثولوجية الأخيار والأشرار

الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الأول.. ميثولوجية الأخيار والأشرار

كاركاسون- المعطي قبال

   في هذا اليوم الذي يصادف الذكرى الأولى لغزو القوات الروسية لأوكرانيا، خصصت وسائل الإعلام الغربية، أمريكية وأوروبية، تغطية دقيقة للغزو الروسي، تاريخه، حيثياته، مخلفات الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تسبب فيها. تدخل الخبراء في الشأن الروسي، المحللون الصحافيون، والإعلاميون لاحتلال القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي. وثمة انطباع عند قراءة التعاليق والتحاليل أن الحرب التي تخوضها أوكرانيا حرب مقدسة وأن زيلنسكي بطل نجح في قهر الدب الروسي وأن الجنود رجال ونساء هم أبطال لم تقهرهم الآلة الجهنمية الروسية.

   هكذا خلق الإعلام وذلك منذ اندلاع الحرب، ميثولوجيا الأخيار والأشرار.غير أن الحديث جاء مكرورا وفي اتجاه واحد. هكذا تحولت أوكرانيا إلى محور ثابت في الأخبار على مدار العام الحالي. بلد غيرت تقاسيمه حرب من تحت الغطاء تغديها بسخاء امريكا وأوروبا. لأن هذين القوتين لا ترغبان في وضع حد للعداء التاريخي بين روسيا واوكرانيا، بل تراهن على هزيمة روسيا وبالأخص هزيمة فلاديمير بوتين. إلى الآن، سحقت «طاحونة اللحم» في الخنادق ما بين 100.000 و200.000 جندي شاب، ولا زالت الحرب في بداياتها الأولى. بغزوه لأوكرانيا غير بوتين النظام العالمي. حول هذا البلد الممزق والموزع بين الشرق الروسوفوني والغرب التابع لأوروبا، إلى دولة حقيقية توحدها المقاومة. لكن المساعدات التي أغدقتها أوروبا (ماديا، عسكريا، وعلى مستوى استقبال اللاجئين) دون الحديث عن التحاقها بالأطلسي كانت أنبوب تنفس لزيلنسكي ولنظامه.

   على مستوى آخر، أنعش بوتين بتصرفاته الديبلوماسية النفوذ الأمريكي. كان جو بايدن، بإيعاز من المخابرات الأمريكية، أول من كشف عن استعداد بوتين لغزو أوكرانيا الشيء الذي دفعه إلى مساندة زيلنسكي. ضخت هذه الحرب كذلك دماء في شرايين الأطلسي، هذا الكيان الذي قال عنه إيمانويل ماكرون بانه يوجد في حالة احتضار دماغي. كما أن أمريكا وضعت قدما ثابتة في أوروبا.

   اليوم يركد الأوروبيون وعلى رأسهم ألمانيا وبولونيا وراء العم سام القادر وحده على فتح مظلته النووية وتوفير الحماية لدول تبين أن عتادها العسكري غير قادر على مواجهة الترسانة العسكرية الروسية. كما أن أوروبا سارت على منوال المتحدة الأمريكية بتسليمها للدبابات، القاذفات وأسلحة الدفاع الجوي. ستكدس أوكرانيا هذه الأسلحة لغذ أفضل مفضلة استعمال الأسلحة الأمريكية المتطورة. على أي فالولايات المتحدة الأمريكية هي الرابح الأول في هذه الحرب. لأنها باعت المزيد من الغاز وبأثمنة مرتفعة، وباعت أيضا الأسلحة. فالمساعدات الأمريكية لأوكرانيا والتي بلغت إلى الآن 112 بليون دولار، يتم استرجاعها مضاعفة وبطرق ملتوية إلى نفس الصندوق! ساعد انهيار السلاح والعتاد الروسي على طفرة الصناعة الحربية الأمريكية ويتسارع الأوروبيون اليوم إلى تشكيل درع وقائي بل دفاعي بفضل هذه الأسلحة المتطورة.لذا فإن الضجيج المنظم من حول هذه الذكرى، هو للاستعراض بخلفيات مبطنة هي تفكيك النظام الروسي، بيع الأسلحة، الزيادة في مواد الطاقة، تفعيل سياسة التضخم، وتلك سمات النظام العالمي الجديد الذي ستملي فيه أمريكا باسم الديمقراطية سياستها الجديدة.

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".