بعد أزيد من ستة عقود.. النقيب محمد الصديقي يعود الى مدارس محمد الخامس
جمال المحافظ
نظمت جمعية خريجات وخريجي مدراس محمد الخامس يوم الأربعاء 22 فبراير 2023 بالرباط ندوة ثقافية حول كتاب الأستاذ النقيب محمد الصديقي الذي وسمه بـ” أوراق من دفاتر حقوقي”، وذلك بحضور عدد من الشخصيات والفعاليات من أجيال متعددة، من تلميذات وتلاميذ هذه المؤسسة التعليمية التاريخية التي أسسها وطنيون سنة 1946، بدعم من الراحل محمد الخامس.
هذه الندوة الثقافية، التي تندرج في إطار تثمين العطاء الأدبي والعلمي والفني والحقوقي لقدماء مدارس محمد الخامس، تدش بها الجمعية – كما أكدت الأستاذة خديجة شاكر رئيسة جمعية خريجات وخريجي مدراس محمد الخامس في بداية هذا اللقاء – برنامجا جديدا هدفه تثمين عطاء قدماء تلاميذ وتلميذات هذه المؤسسة التعليمية الوطنية، وهو البرنامج الذي يجسد عودة أخرى، وبصيغة أخرى إلى “المدارس”، عودة محفوفة بالامتنان: الامتنان للعطاء الفكري والأدبي والعلمي والفني والحقوقي، الذي ساهم ويساهم به الخريجون والخريجات، من مختلف الأجيال، في إغناء رصيد الثقافة المغربية الحديثة والمعاصرة، بكتاباتهم وبمؤلفاتهم وبمواقفهم، فأنتجوا وأبدعوا بتعابير ثقافية متنوعة ومتعددة، فأغنوا المكتبات العمومية، ومكتبات الجامعات وخزانات المؤسسات الثقافية. وحين نقدم لهم، هنا في هذه القبة الحافلة بالذكريات، الامتنان العميم؛ فإننا لن نكفيهم حقهم، وقد أعطوا وبذلوا،.
امتنان واعتراف
وقالت الأستاذة شاكر في افتتاح الندوة التي أدارها بدربة واقتدار الأستاذ الجامعي محمد احميدة إن عودتنا هذه محاطة بالاعتراف أيضاً، الاعتراف بجهود بُذلت لتذليل الصعوبات، بإصرار أمام العقبات، أيا كان نوعها: مجتمعية، ذاتية، سياسية، ثقافية…”. فالخريجات والخريجون الذين تركوا بصماتهم في مجالات الثقافة المغربية، لم تكن عطاءاتهم ثمرة نزهة ترفيهية أو إطلالات من أبراج عاجية، بل كانت منبثقة من حياة متدفقة بالأحداث وبالأفكار وبالممارسات، عاشوها في لحظات مميزة من تاريخ المغرب، فوثقوها بمختلف أشكال التعبير الثقافية. وللتذكير فقط..
ولدى حديثها عن كتاب “أوراق من دفاتر حقوقي”، عبرت الأستاذة شاكر للأستاذ النقيب محمد الصديقي، أحد خريجي مدارس محمد الخامس المرموقين، عن عميق الامتنان وخالص العرفان لما قدمه للساحة القانونية والحقوقية المغربية من عطاء ثرٍّ، ومواقفَ معبرةٍ عن إيمانه المتأصل والعميق بالعدالة وبالحق. ولما يجسده للأجيال الحالية، باعتباره رمزاً من رموز النضال من أجل أن يتمتع المغاربة جميعا، نساء ورجالا، بالحرية والكرامة والمساواة.
منتوج للحركة الوطنية
ومن جهته أكد الأستاذ احميدة أن النقيب الأستاذ محمد الصديقي، مناضل أصيل منذ مراحله الأولى بانخراطه في الحركة الطلابية ضمن قيادة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية. كما أنه شخصية من العيار الثقيل وقامة نضالية سياسية وحقوقية في المغرب المعاصر وإنتاج مما زرعته الحركة الوطنية، ومن الأجيال التي ساهمت في بناء المغرب الجديد، داعيا الى العمل على أن يتحول مؤلف ” أوراق من دفاتر حقوقي” إلى مصدر للمؤرخين ومساعدا له في توثيق المراحل والقضايا التي أثارها الكتاب، معربا عن الأمل في أن تكون القيم التي نافح عنها الأستاذ النقيب الصديقي، نبراسا للأجيال الصاعدة.
وفي قراءتهما لكتاب “أوراق من دفاتر حقوقي”، أشادت كل من الأستاذة عائشة بن الراضي المحامية والقاضية السابقة وعبد الرزاق الحنوشي الباحث والفاعل الحقوقي، في مداخلتهما، بمناقب وخصال الأستاذ الصديقي، وما يزخر به مؤلفه من معلومات ومعطيات، حول محطات هامة من تاريخ الحركة الحقوقية والسياسية والصحافية، فضلا عن شؤون مهنة المحاماة والقضاء .
وهكذا استعرضت الأستاذة بن الراضي ، أبرز المحطات التي رافقت مسار الأستاذ النقيب محمد الصديقي، منذ مرحلته الابتدائية بمدينة مراكش قبل الانتقال سنة 1952، الى الرباط، لمواصلة تعليمه الاعدادي والثانوي بمدراس محمد الخامس وبعدها في كلية الحقوق بالرباط بعد حصوله على شهادة الباكالوريا، وقضائه مرحلة تدريب بمكتبي المحاماة لكل من محمد التبر بالدار البيضاء وعبد الرحيم بوعبيد بالرباط.
تقدير المحامين والقضاة
كما أشارت عائشة بن الراضي الى أن الأستاذ النقيب محمد الصديقي الذي كانت سمعة طيبة وحظوة متميزة لدى زملائه، وذلك لأخلاقه المهنية الرفيعة وحرصه على أداء رسالته بنبل واتقان، وكذلك لما كان يحظى به من احترام ليس من لدن زملائه المحامين فقط، ولكن لدى كافة أوساط أسرة القضاء، إذ كانت مرافعاته، ومذكراته تحظى لديها بتقدير واعجاب كبيرين، إذ كثيرا ما كانت تشكل دعما للثقافة القانونية والقضائية.
وفي هذا الصدد قالت بن الراضي وهي إحدى خريجات مدارس محمد الخامس، إن الأستاذ النقيب الصديقي يعد بحق “رجل الأخلاق والالتزام ورمزا من رموز المحاماة” داعية الأجيال الحالية الى الاستفادة من معين ما طرحه في مؤلفه ” أوراق من دفاتر حقوقي”.
مقدمة لمشروع أوسع
أما عبد الرزاق الحنوشي، فيرى أن فكرة الكتاب الذي يحقق نوعا من المتعة والانجذاب، ترتبط بحدثين متزامنين يتعلق أولهما بانتهاء مهام الأستاذ الصديقي بالمجلس الدستوري في سنه 2017 ورجوعه إلى مهنة المحاماة، وثانيهما دعوته في 16 ماي 2019 للمشاركة في افتتاح الجلسات الحوارية التي ذهبت هيئة المحامين بالرباط على تنظيمها التي شكلت المتن الأساسي للكتاب.
وقال من الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن عند كل قارئ للمؤلف هي ماهية الكتاب؟، أي في أي جنس من الكتابة يمكن أن نصنفه؟، في الوقت الذي ذهبت بعض الآراء الى اعتباره ” سيرة ذاتية” أو ضمن صنف “المذكرات”، لكن الذين يعرفون الرجل وغنى مساراته المهنية والفكرية والنظرية، يعرفون أيضا أن ما تضمنه الكتاب لا يغطي كل جوانب مسيرة الرجل وعطاءاته.
وخلص الحنوشي إلى القول في هذه الندوة الثقافية التي تميزت بنقاش حول الكتاب وصاحبه، وحفظ ذاكرة مدارس محمد الخامس، إن “أوراق من دفاتر حقوقي” ، وإن كان قد حقق الأهداف المتوخاة من منفعة وإفادة وفتح لأفق استمرار البحث والتأمل في العديد من القضايا الحقوقية والقانونية والسياسية، فإنه مع ذلك يمكن اعتباره مجرد مقدمة لمشروع أوسع يرصد كل محتويات هذا المؤلف ويتوسع في مناقشة ما لم يستطع إثارته أو ما تناوله باقتضاب فرصته حيثيات وظروف.
في معترك الحقوق والحريات
يتناول كتاب “أوراق من دفاتر حقوقي”، مسارات الصديقي في مهنة المحاماة والعمل الحقوقي والسياسي والمدني، متوقفا عند بعض معارك الدفاع في محاكمات لها تاريخ وفي معترك الحقوق والحريات وقضايا كان لها ارتباط بشؤون العدالة وشجونها، فضلا عن سبر أغوار بعض المحطات الأساسية في تاريخ الحركة الحقوقية على المستويين الجمعوي والمؤسساتي .
كما يقدم الأستاذ الصديقي في الكتاب الذي عززه بصور ومستندات منتقاة من أرشيفه الخاص، شهاداته حول العديد من الشخصيات التي عرفها وعمل الى جانبها عن قرب كعبد الرحيم بوعبيد، وعبد الرحمان اليوسفي، وعبد العزيز بناني وعبد الواحد الراضي وعبد الرحمان القادري، وعبدالرحيم المعداني، ومحمد بوزوبع، وأحمد الشاوي، ولطيفه التازي، وإدريس السغروشني.