تجاذب حول خزانة إمبرتو إيكو
باريس- المعطي قبال
المكتبة رفيقة عمر الكاتب الثانية، وأحيانا رفيقته الأولى! إنها مرآة يقرأ فيها تجدد أو انهيار التاريخ، طفرة الإبداع والفكر. المكتبة ملجأ لمقاومة العزلة والرهبة. وقد تسقط الخزانة على صاحبها وتقتله كما حدث للجاحظ وقد جاوز التسعين عاما لما وقع عليه صف من الكتب فأرداه قتيلا! وينمي بعض الكتاب مع مكتباتهم الخاصة علاقة عشق مشبعة بالغيرة والهوس، بحيث لا يعيرون الكتب، لا يخطون عليها في الحواشي ملاحظات أو خربشات.
على أي تبقى المكتبات الخاصة تراثا بلا ثمن. ويوم تحرق أو تتلف مكتبة ما، قد يصاب أصحابها بالجنون. لأنهم يواجهون إمحاء للذاكرة. جرت العادة أن يوصي هذا الكاتب أو ذاك الفيلسوف بتوريث مؤسسة أو جمعية، تحمل فيما بعد اسمه. كما تتسلم الدولة ممثلة في وزارة الثقافة هذا التراث للحفاظ عليه ورعايته.
بفرنسا يقوم «معهد ذاكرات النشر»، IMEC، بهذا الدور حيث يضم وثائق كبار الشعراء والروائيين والفلاسفة والفنانين، الذين عهدوا أو عهد ورثتهم للمعهد بهذه الوثائق. من جان جونيه إلى سيلين مرورا بناظم حكمت، كاستورياديس، إيف بونوفوا، فرانتز فانون، مارغريت ديراس، كلود إيستيبان، كاتب ياسين، آلن روب غريبه وعشرات الآخرين. بإيطاليا سلط الإعلام مؤخرا الأضواء على خزانة إمبرتو إيكو الذي توفي منذ 7 سنوات. وتعتبر هذه الخزانة كنزا ثمينا مثيرا لعدة تساؤلات. عند وفاته، سلم الكاتب والفيلسوف قسم من الخزانة الخاصة إلى خزانة برادينسي بميلانو والقسم الثاني كان من نصيب جامعة بولونيا التي درس بها طول حياته.
يوجد هذا التراث تحت عناية ورثة ايكو وعناية الدولة التي تتوزع إلى كيانين: من جهة وزارة الثقافة ومن جهة أخرى المديرية العامة للأرشيفات. المشكل أن إمبرتو إيكو لم يعين وريثا بعينه الشيء الذي أثار نقاشا بل سجالا حول تقسيم الخزانة وتوزيعها على مؤسستين. شرع الكاتب في جمع الوثائق التي تهم نتاجه ابتداء من 1940 وذلك إلى غاية وفاته في 19 فبراير 2016. تتألف هذه الوثائق من مخطوطات، دفاتر، نصوص تحضيرية، مراسلات مع أصدقاء، كتاب وناشرين (إيطاليين وأجانب)، إضافة إلى مواد رقمية. وتتضمن المجموعة كتبا قديمة بقيمة 2 مليون يورو. ويتم الحفاظ عليها في غرفة خاصة بميلانو، غرفة مكيفة ومجهزة بنظام للمراقبة والإنذار. أما الخزانة الحديثة فتحتوي على 50.000 كتاب. توجد بجامعة بولونيا، التي أنشئ بها عام 2017 مركز عالمي للدراسات مخصص للنتاج الروائي لإيكو.
في انتظار التوصل إلى حل بين هذه الأطراف، لا زالت نصوص صاحب اسم الوردة الملقب بـ «المكتبي»، تحافظ لدى قراء العالم على يناعتها الفكرية والتخييلية الجاذبة والخلاقة. أما مخزون المكتبة فيحاور في صمت أعماق وديناميكية الأزمنة.
Visited 3 times, 1 visit(s) today