أليزا صانعة الأفلام.. تعود إلى الجبهة

أليزا صانعة الأفلام.. تعود إلى الجبهة

ريم ياسين

   “العقل يريد دائما العودة إلى هنالك”، تحت هذا العنوان نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية يوم الاثنين 20 فبراير 2023 خواطر لصانعة الأفلام الوثائقية الأوكرانية أليزا كوفالينكو.

   كانت أليزا كوفالينكو في طريقها إلى منطقة الدونباس للتصوير عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا. فتخلت عن كاميرا التصوير، لتحمل السلاح عدة أشهر، ولتعيش حالة تشرذم بين عائلتها وعملها وبلدها وهي تنوي الآن العودة لتحارب.

   تقول: “في 24-2-2022 كنت في القطار في طريقي من مدينة بيسكي باتجاه منطقة الدونباس. كنت في نفس القاطرة مع موظف حارس حدود، في الخامسة صباحا، استيقظنا نحن الاثنان، أنا بمخابرة من والدتي وهو بمخابرة من أهله، هناك صواريخ سقطت على مدينة كييف، كنت أخطط لتصوير بعض المشاهد وتسجيل بعض الأجواء حتى أنهي الفيلم الوثائقي الذي أعمل عليه منذ حوالي ثلاث سنوات، وحتى أتحدث بصدق، كنت أعتقد أن كل شيء سيتدهور في الدونباس، ولكن لم أفكر يوما بحصول اجتياح بهذه الضخامة.

   في اليوم الثاني، فهمت أنني لن أستطيع أن أصور، أصبح الواقع قويا جدا، كل شيء آخر غير مهم، يجب علي أن أفعل ما وعدت نفسي به سنة 2014، عندما كنت أصور الفيلم الأول في مدينة في تلك الحقبة، كنت في ليسيتشانسك بالدونباس أعيش صراعا يعذبني: كيف أستطيع أن أبقى مراقبة بينما يحدث كل هذا في وطني؟ وعدت نفسي بأنه إذا تطورت الحرب سأتخلى عن الكاميرا وأحمل السلاح.

   كنت أعرف ضابطا منذ سنة 2014 كان يجمع كتيبة من المتطوعين. انضممت إلى هذه الكتيبة وبقيت طويلا على الجبهة. ولكن الضابط أجبرني خلال الصيف على العودة إلى كييف لعدة أيام. كنا قد قضينا وقتا طويلا في منطقة خاركيف. كنت في فرقة الهجوم وفي كتيبة المتطوعين. لم نكن نتقاضى أجرا ولم يكن لدينا تأمينا صحيا. كنا نساند الجيش الأوكراني، وكنت المرأة الوحيدة. لم يكن هناك أي مجنونة أخرى في فرقة المشاة، وقعت عدة خسائر، ففرقة المشاة هي دائما في الخط الأول في الوحل والمتاريس.

   سجلت أول وفاة في وحدتنا، عندما تعرض موقعنا للقصف وتوفي مقاتل من إخوتنا. انهار المبنى ودفن تحت أنقاضه في المكان نفسه الذي كنا ننام فيه يوميا، ولكننا لم نكن هناك في ذلك اليوم، وإلا أصبحنا جميعا موتى. كانت هذه أول وفاة.. وكانت صادمة جدا.

  وقد واكبنا جثته حتى مدينة لوتسك قرب الحدود البيلاروسية، وذلك للصلاة عليها في الكنيسة، ثم رافقناه حتى قريته. كان ذلك المشهد لا يصدق، جميلا وبنفس الوقت حزينا جدا، جميع القرويين في المحيط كانوا يجيئون على أقدامهم، وكان الطريق مليئا بالزهور. وبعد ذلك توفي صديق كبير لي، ولكن الأصعب كانت وفاة الضابط بارس الذي كان صديقي الأقرب، والذي كنت أثق فيه أكثر مما أثق بنفسي.

   عندما ذهبت للمرة الأخيرة إلى الجبهة لرؤيته، نهاية شهر سبتمبر وبداية شهر أكتوبر، كنا ندخن في الظلام، وقلت له: “أتعرف أنني أنوي العودة، فقال لي لماذا تريدين أن تلقي الموت في حفرة؟ ومن سيصنع الفيلم؟ أنا أعرف أنك عنيدة، ولكن عليك أن تكملي رسومك المتحركة.. (هكذا كان يسمي فيلمي)، ثم تعودين. سأنتظرك دائما”. ومن ثم توفي.

   عندما تعرض مركزنا للقصف، طلب منا الضابط بارس الذهاب والانضمام إلى الجيش النظامي. ولكنني كنت مشتاقة جدا إلى ابني، وكنت أعلم أنني إذا فعلت هذا، سيتوجب علي القتال ولن أستطيع أن أنهي فيلمي، كان قرارا صعبا جدا. لم أعد أشعر أنني مخرجة أفلام، كان مخيفا جدا لي العودة إلى الفيلم، كنت أريد أن أكون مع وحدتي ومع الضابط القيادي. كنت أشعر أنني لم أكمل مهمتي، إعادة التكيف صعبة جدا بالنسبة لي. 

   العقل يريد دوما العودة إلى هناك حيث الحياة قاسية، حيث البرد القارس والخطر الداهم، ولكن هناك أيضا نقاء، وتعرف بشكل واضح ماذا عليك أن تفعل، وليس عليك مليون مهمة تقوم بها، من الأسهل أن تكون على الجبهة من أن تعمل في المنزل لإخراج فيلم.

   اليوم أنا في مكان ما بين الاثنين، من المؤكد أننا لا نستطيع أن نقوم بالمهمتين في الوقت نفسه، المشاركة بالحرب وصناعة أفلام، يجب الاختيار بينهما، سأعمل على فيلمي الوثائقي وأجعله يعيش، وسأحتفل بعيد ميلاد ابني وبعد ذلك أستطيع أن أذهب إلى الجبهة.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة