محمد بن رحال الخنجر: قيدوم المستشارين الجماعيين
أحمد لعيوني
ازداد محمد الخنجر سنة 1948 بابن أحمد. يرجع أصل والده إلى قبيلة أولاد امراح بسيدي حجاج امزاب. كانت عائلته تعرف باسم سرحان منذ القدم. وفي سنة 1957 تقدم والده إلى مكتب الحالة المدنية للتسجيل واستخراج دفتر الحالة المدنية، فأشار عليه المكلف بالمصلحة، وكان حينها الخليفة الميلودي بلعباس باتخاذ الخنجر كاسم عائلي. ازداد والده سنة 1924، ووالدته سنة 1930. انتخب محمد بن رحال الخنجر لثماني ولايات متوالية بالمجلس الجماعي لابن أحمد. ويحكي في هذه الشهادة:
“ولجت المدرسة الابتدائية سنة 1953. سجلت لأول مرة بالمدرسة الإسلامية، حاليا إعدادية محمد السادس. كانت حينها مدينة ابن أحمد تتوفر على ثلاث مؤسسات تعليمية. المدرسة الإسلامية لأبناء المغاربة المسلمين. والمدرسة الأوربية لأبناء الفرنسيين وبعض أبناء الأعيان، ثم سميت في عهد الاستقلال مدرسة الخيزران، قبل أن يعاد بناؤها لتصبح ثانوية تأهيلية. والمدرسة الإسرائيلية لتعليم أبناء الطائفة اليهودية. هذه المؤسسة كانت قريبة من الحي اليهودي جنوب غرب المدينة، وشيدت محلها مدرسة عقبة خلال ستينيات القرن الماضي. درست بالمدرسة الإسلامية التي كانت تتألف من أربعة أقسام ومكتب للمدير في الطابق العلوي. وفي الطابق السفلي كان يوجد مستودع الملابس وغرف الاستحمام للتلاميذ بعد الانتهاء من حصة الرياضة، وإلى جانبه قاعة المطعم المدرسي. كان مدير المدرسة فرنسيا اسمه مسيو فوريستيي، بقي إلى حدود 1957 حينها خلفه محمد لمزابي القادم من مدينة خريبكَة والذي كان مدرسا بها. وحسب معلوماتي يعد محمد لمزابي، أول مدير لمجموع مدارس امزاب بداية الاستقلال. أتذكر أنه كان يقف يوم السبت بباب المدرسة يراقب شعر التلاميذ، وينبه من طال شعره إلى إلزامية قصه في نهاية الأسبوع، وإلا منع من الدخول إلى قسمه. وكان بين الحين والآخر يستدعي عونا من المستشفى ليقوم بعملية رش التلاميذ بمبيد الحشرات لإزالة الطفيليات، ويلزم بها الجميع دون استثناء، رغم احتجاج أبناء بعض العائلات ذوي المكانة الرفيعة في المدينة، لكن المدير كان يبرر ذلك بحماية الصغار من العدوى وانتقال الجراثيم.
أذكر بعض الأساتذة الذين درست عندهم في سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات في ابن أحمد، منهم : موسيو باسكيي، وكونفير، ومدام فوريستيي، التي كانت في بعض الأحيان تصحب معها إلى القسم كلبة سوداء من الحجم الصغير، وتتركها تأخذ مكانا لها تحت مكتب المعلم إلى حين انتهاء حصة الدرس.
أما أصدقاء الدراسة، فأذكر من بينهم ناصور الذي لقي حتفه في حادثة غرقا في أحد السدود. وأحمد الإبراهيمية، والحسين بنيدير، وبوشعيب بنطيبي، وأخوه البوعزاوي وآخرون. اشتغل بعضهم في مجالي التعليم والصحة. وفيما يتعلق بمعاملة الأساتذة مع التلاميذ، فكانوا يتمتعون بهيبة ويمتلكون هالة من الاحترام والتقدير أمام التلاميذ. ومن بين الأساتذة المغاربة، الفقيه الشرادي، والأستاذ بنسعيد، وبوشعيب بلبصير مدرس اللغة الفرنسية، والذي تقلد في الستينيات مسؤوليات رفيعة بوزارة التربية الوطنية، ثم انتخب رئيسا للمجلس البلدي بسطات.
العمل النقابي والسياسي
في سنة 1966 انتقلت للدراسة بثانوية ابن العوام بالدار البيضاء، في إطار التكوين الفلاحي، وحينها تعاطفت مع خلية للتلاميذ المتدربين تابعة لنقابة الاتحاد المغربي للشغل. وفي سنة 1967 عينت بالمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة الموجود مقره الرئيسي بالجديدة، وكنت مكلفا بالأراضي المسترجعة من المعمرين الأجانب بدكالة. لم أجد صعوبة في التوظيف، نظرا لكون عدد المتدربين بالتكوين الفلاحي كان قليلا، والمناصب متوفرة سواء بوزارة الفلاحة أو بالمكاتب الجهوية. وفور التحاقي بالعمل، التقيت بالسيد مختار تيمور المكلف بالفرع النقابي لمستخدمي المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، والتابع للاتحاد المغربي للشغل. انخرطت معه في الفرع وشاركت في الاجتماعات وفي تأطير المستخدمين. وكنا نتخذ مواقف كان لها تأثير كبير على إدارة المكتب، وحققنا العديد من المطالب العمالية. كان العمل النقابي ذا مصداقية، نمارسه بطرق معقولة وواقعية. وقد تعرفت على الزعيم نوبير الأموي منذ أواخر الستينيات، بحكم انتمائه إلى منطقتي، وكونه قياديا نقابيا ضمن الاتحاد المغربي للشغل، مشرفا على قطاع التعليم. ربطت معه علاقة رفاقية ونضالية. وهو من أشار علي بالترشح للانتخابات الجماعية بابن أحمد سنة 1976 في إطار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. كان نوبير الأموي يمثل آنذاك التيار اليساري داخل الحزب. كما كانت تربطني علاقة وطيدة مع أبي إبراهيم المسؤول الحزبي بسطات، وهو الذي وقع لي تزكية الترشح للانتخابات. وفعلا فزت في هذه الاستحقاقات أنا والحاج أحمد العفيفي، كنا نحن الاثنان ننتمى لحزب الاتحاد الاشتراكي ضمن مجموعة إحدى عشر مستشارا بمركز ابن أحمد، الذي ترأس مجلسه وقتها رجل الأعمال المعروف أحمد أمهال. ورغم انتمائنا للمعارضة، كانت مواقفنا منسجمة مع الأغلبية في كل ما يخدم مصلحة المدينة. كنت حينها لازلت شابا، ومن أصغر أعضاء المجلس. وكنت أعتبر كبار السن منا حكماء زمنهم، ينبغي احترام آرائهم وتقدير مواقفهم، لتجربتهم في الحياة، ودرايتهم بشؤون المدينة.
وحين أصبحت عضوا بالمجلس البلدي اضطررت للانتقال من الجديدة إلى ابن أحمد للوفاء بالتزاماتي الانتخابية. وقد ساعدني في عملية الانتقال، حيث كان الأمر يتطلب تغيير المنصب المالي، رئيس المجلس البلدي، أحمد أمهال، ووزير الفلاحة آنذاك السيد صالح لمزيلي شخصيا.
وفي انتخابات 1983 ترشحت في إطار حزب الاتحاد الدستوري، واستمرت علاقتي وثيقة بنوبير الأموي، وبقيت متعاطفا مع تياره نظرا للمكانة والتقدير الذي كنت أكنه له.
***
من ذكرياتي القديمة أنني عرفت في صغري المراقب المدني الفرنسي، رئيس الدائرة قبل حلول الاستقلال غي اسكالابر. كنت أراه حين يأتي ممتطيا فرسه ويقوم بترويضه بمقلع الحجارة القريب من منزلنا. كما عرفت في تلك الفترة القائد محمد بلحسن، ويذكر أنه كان على علاقة وثيقة بالحركة الوطنية المحلية. لكنه عند ظهور الحركة الفدائية بالدائرة، وبحكم الحفاظ على منصبه، أصبح على خلاف معهم، مما جعلهم يتخذون موقفا معاديا تجاهه.
بالنسبة للطائفة اليهودية التي وجد أفرادها بمركز ابن أحمد، فقد كانت تربطهم علاقة طيبة مع السكان المسلمين. كانوا يعتبرون أنفسهم مغاربة، لا فرق بينهم. وكان والدي يستقبل بعض أصدقائه من الطائفة بمنزله، ويتبادلون الأطعمة خلال الأعياد والمناسبات دون أي حرج أو تحفظ. كان أكثرهم يمتهنون حرف الصناعة التقليدية، ومن خلالها يربطون علاقات اجتماعية مع باقي السكان. وكان منهم أثرياء يمارسون التجارة. أما الأمازيغ الذين سكنوا مركز ابن أحمد، فكان أول من قدم منهم من منطقة سوس بتفراوت هو محمد بنيدير. والتحق به فيما بعد آخرون أغلبهم ينتمي إلى نفس المنطقة، ومارسوا التجارة، منهم الإخوة أمهال وأحمد ناصور. الذي انتخب أول رئيس للمجلس البلدي بابن أحمد سنة 1960 وعرف هؤلاء السوسيون بخصال الجد والكد والإخلاص في المعاملات. متسامحون في علاقاتهم اليومية.
وأذكر أنه عند مرور جلالة الملك محمد الخامس عبر مدينة ابن أحمد، في طريقة إلى سيدي حجاج أولاد امراح لإعطاء انطلاقة موسم الحرث لسنة 1958، توقف موكبه بمدينة ابن أحمد، قرب الحديقة التي أطلق عليها اسمه، وكان من بين أعيان المدينة المستقبلين لجلالته، محمد بنيدير والأستاذ محمد لمزابي.
كانت المدينة رغم صغر حجمها تتوفر على فندق من طراز رفيع، اسمه لابيل في. وبقي قائما حتى بداية الستينيات. أما دور السينما فلم توجد إلا بداية الاستقلال. كانت في البداية تحضر شاحنة ممثلة لإحدى الشركات التجارية وتعرض شريطا في الساحة المجاورة لمقر دائرة ابن أحمد. ثم أحدثت قاعة بالمحل الذي أقيمت به مقهى التوزي البوعزاوي. كما أنشئت قاعة بمرآب جوار منزل محمد بنيدير، شارع الزرقطوني حاليا، وأخرى كان يملكها إبراهيم أنفلوس ، أقيمت مكانها عمارة في أسفلها فرع مصرف المغرب.
مارست كرة القدم مع فريق الجمعية الرياضية لابن أحمد، ثم مع فريق النصر عند تكوينه. كان يلعب ضمن الفريق بوشعيب نجمي، وحجاج عدناني، وصالح البعروري، ومحمد عفاري الملقب بّاهيمي، وعبد القادر بندحمان، والسالمي مصطفى، وعطوفي مصطفى. وأصبحت فيما بعد عضوا بالمكتب المسير لفريق الدفاع. وكنا على توافق بالسعي بأحد الفريقين إلى الصعود للدرجة الأعلى ضمن عصبة الهواة، ومحاولة الإطاحة بالفريق المنافس بالانتصار عليه. ثم وقع دمج الفريقين وتكون الاتحاد الرياضي لابن أحمد في منتصف الثمانينيات، وترأسه بوشعيب بنطيبي.
كانت مدينة ابن أحمد، في بداية الخمسينيات، جميلة ونظيفة. يطلق عليها الناس مدينة التوت لوفرة هذا النوع من الأشجار بمختلف الأحياء. لكن بعد حصول الاستقلال لم تشملها التنمية، وخاصة ما يتعلق بإنجاز أشغال البنية التحتية رغم ارتفاع عدد السكان. وبعد انتخاب المجلس البلدي لسنة 1976، وكنت عضوا به في فريق المعارضة، قام بانجازات همت عدة مجالات. أذكر من بين المشاريع التي كان للمجلس نصيب من المطالبة بها، إنشاء مؤسستين للتعليم، ثانوية باجة للتعليم التأهيلي وبها قسم داخلي، ومؤسسة أنس بن مالك للتعليم الإعدادي التي تتوفر على أكبر داخلية بإقليم سطات للفتيات. وتم إنجاز مشروع تزويد المدينة بالماء الصالح للشرب سنة 1988 بميزانية بلغت ستة مليار سنتيم، بمد القنوات انطلاقا من آبار المياه الجوفية بمنطقة الفقيه بن صالح. ثم تلتها عملية ربط المنازل بشبكة التطهير تمت بحوالي تسعين بالمائة في كل الأحياء، وأنشئت محطة لتصفية المياه العادمة. ومن جهة أخرى جرى تجديد تجهيزات محطة الكهرباء بطريق سيدي حجاج، وتزويدها بثلاثة خطوط تربطها بمعمل إنتاج الكهرباء بسد بين الويدان، بتكلفة قدرت حينها ب 30 مليار سنتيم. كما عرفت المدينة العديد من المرافق الحيوية، منها مستشفى المنطقة، وفرع القرض الفلاحي، ورأت النور عدة تجزئات سكنية، وزعت البقع الأرضية بأثمان مناسبة للقدرة الشرائية لعموم السكان، وذلك بفضل العلاقات الطيبة التي كانت تربط بين المجلس الجماعي والعائلات المالكة للعقار.
استمرت عضويتي كمنتخب بالمجلس الجماعي لابن أحمد، بين مستشار وأحد نواب الرئيس، ومكلفا بمهمة داخل اللجن، لمدة ثماني ولايات دون انقطاع. ولم يحصل أن وجدت أي صعوبة في الظفر بمقعد خلال الانتخابات الجماعية”.