بول أوستر.. سلاح القلم ضد سلاح النار
باريس- المعطي قبال
منذ عدة سنوات واسم الكاتب الأمريكي بول أوستر يتردد كمرشح لنيل جائزة نوبل للآداب. وقد سبق له أن أحرز جوائز رفيعة من بينها جائزة البوكر. ويعمل قراؤه بل أنصاره على شبكات التواصل الاجتماعي للدفاع عن هذا الاقتراح المستحق في حق مبدع روائي أصيل ومميز، يتحف في كل مرة قراءه بروايات وافرة الخيال ومحبوكة بإتقان. هذا مع العلم أنه ليس من النوع الذي يلعب دور «الغورو» أو الداعية، بل يركن إلى صمته وإنصاته لدواخله وعوالمه التي تحتضنها وتلخصها مدينة نيويورك، بابل الجديدة. لهذه المدينة خصص بول أوستر ثلاثيته الرائعة.
في الثالث من فبراير الماضي، احتفل الروائي بعامه 76 ، فيما أعلنت زوجته لاحقا أنه مصاب بداء السرطان. في باريس التي عاش بها لثلاث سنوات في ظروف متواضعة، عكف على ترجمة مالارمي، جان-بول سارتر، وسيمونون. في مشواره تعتبر هذه المدينة مكونة أساسية في كتابته. وتقوم الهندسة السردية في بعض من رواياته على تراجيديات مصغرة وعبثية. كان لموت ابنه دانيال أوستر تحت مفعول المخدرات وحفيدته وهي في سن العشرة أشهر، أثر صاعق على نفسيته. كما أن طلاقه من زوجته الكاتبة ليديا ديفيز لم يساعده كثيرا.
هذه الوقائع تحولت تحت قلمه إلى محكيات تراجيكوميدية، إلى عالم مفعم بمخيل جانح وخصيب يذكرنا بعوالم روائيين وشعراء لعبوا دورا هاما في مسيرته وفي كتابته الروائية من أمثال إدغار آلن بو، فرانز كافكا، خورخي لويس بوريس، ديستويفسكي وآخرين..
إلى كونه روائيا، بول اوستر شاعر (بدأ مشواره بالكتابة الشعرية)، كاتب سيناريوهات وناقد محقق أحيانا. بعد 30 كتابا ترجمت إلى أزيد من 40 لغة، أصدر صاحب «ابتكار العزلة» كتابه الأخير، «بلد الدم. حكاية عنف السلاح الناري بالولايات المتحدة»، وهي دراسة ترجمتها إلى الفرنسية آن لور تيست ونشرت بدار أكت سود في 208 صفحة. رافق بول أوستر صهره المصور الفوتوغرافي، سبينسر أوستراندير، إلى عالم مشبع بالدم والرصاص. خلال جائحة كورونا، استقر سبينسر أوستراندير وزوجته صوفي (ابنة بول اوستر) لدى العائلة. كان الصهر يشتغل على مشروع التقاط ألبوم صور للأمكنة، وهي بعدد 30 مكانا، التي كانت مسرحا لأحداث العنف وبالأخص للمقتلات الجماعية التي ارتكبها متطرفون امريكيون في المدارس، الأسواق الكبرى أو في الشوارع المكتظة بالمارة. وخلال النقاشات التي جرت بين بول اوستر وصهره، نجح هذا الأخير في إقناع الكاتب بالانضمام إلى المشروع. ساهم أوستر إذا ورغبته كانت هي معرفة لماذا تعد أمريكا أعنف بلد في العالم، إذ يقتل 80% من الأمريكيين رميا بالرصاص. قضى الكاتب عاما بأكمله لكتابة هذا النص. ويشير إلى أنه يتمتع بشرعية لا أحد يجادل فيها كونه وكون مساره الشخصي، مرتبط، مثله مثل أغلبية الامريكيين، بالعنف. يفكر أنه في أفلام الويسترن وأفلام الإجرام، رعاة البقر، راعته وهو طفل مشاهد قتل الهنود والاقتتال في الشوارع. ثم في مناسبات العطل خلال مواسم صيد الطيور، التي جرب خلالها الشاب أستير مهارته في قتل العصافير.
فيما بعد اكتشف أن البعض كان يطلق النار على السيارات من فوق جسر يشرف على الطريق السيار. لكن أقصى وأقسى عنف في حياته كان قتل جدته عام 1919 لجدها ببلدة فيسكونسان. وقد خصص الكاتب لهذا الحادث المروع صفحات في روايته الأولى «ابتكار العزلة. وقد ضاعفت الجائحة من العنف حيث قفز بمدينة نيويورك وحدها بنسبة 73 في المائة ما بين مابين ماي 2020 وماي 2021. ليست للكاتب حلول تجاه وباء الأسلحة الذي يتحكم فيه لوبي ضاغط بأيديولوجية قومية ضيقة وعنصرية. إذ حسب «موقع أرشيف عنف السلاح»، قتل عام 2022 بالرصاص 44.265 شخص بمن فيهم 24090 انتحارا، و38529 جريح خلال 648 عملية تبادل لإطلاق النار. وبحوزة الأمريكيين ما يناهز 393 مليون سلاح بشتى الاحجام والأشكال.
هذا الوضع التراجيدي دفع بأوستر إلى القول أنه بالولايات المتحدة نحتاج إلى رخصة لسياقة السيارة ولا نحتاج لأية رخصة لحمل السلاح لقتل الأطفال والأبرياء من المارة، المتسوقين، المتجولين. لمحاربة هذه الحرب، لم يكن بيد الكاتب سوى القلم وبيد المصور سوى الكاميرا لتقديم شهادة حية عن زمن العنف الكامن في تاريخ أمريكا وفي مجتمعها العابق برائحة الرصاص.