الأزمة الرئاسية بلبنان ونكد السياسة العمياء!
د. إليان سركيس
أصبح تقاسم شغور المناصب العليا في الدولة اللبنانية بشكل متواصل، علامة على عمق الأزمة التي يعاني منها النظام السياسي. لذلك، لا يبدو صادما لكثير من اللبنانيين أن قصر بعبدا هو اليوم أشبه بمسكن أشباح مهجور، بعد فشل البرلمان في انتخاب خلف للرئيس السابق، مع أن المرشحين كثر. والدليل على ذلك أن إمكانية الترشح للانتخابات الرئاسية ما زالت متوفرة، على الرغم من كونها تكاد تكون غير موجودة أصلا، لأن النظام السياسي الأعوج الذي يدير البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية، عمل على تكريس صيغة فرض تقسيم طائفي ومذهبي للمناصب العليا، إلا رئاسة الجمهورية، فالكل يعرف بأن المنصب شكليا لطائفة معينة، ولكن القرار في مكان آخر.
هذا النظام الذي خُطط له كي يكون مؤقتا ويمهد الأرضية لتأسيس دولة مدنية، أصبح كيانا طائفيا بامتياز، فأين لبنان اليوم من الدولة المدنية؟ لا، بل العكس.. لقد تحوّل إلى أداة سامة بيد أمراء الحرب السابقين وزعماء الطوائف، وخاصة “جبهة الممانعة” التي تواصل إحكام قبضتها على مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية وتتحكم بمصير الشعب وانتمائه .
في سنة 2016 توفرات رعاية دولية لانتخاب رئيس للجمهورية، كان من الواضح أن التشرذم سيد الموقف، فلا المعارضة ولا الموالاة قادرتان على صنع القرار، لأن “جبهة الممانعة” قررت مجددا عدم قبول أي تسوية رئاسية توصل شخصية غير مقربة من حزب الله إلى قصر بعبدا، تحت ذريعة “ممنوع الطعن بظهر المقاومة”. ولكن السؤال المطروح: ألم تكن تجربة تسوية 2016 من قبلها سيئة بما يكفي لأخذ العبر وعدم تكرارها من جديد؟! والأنكى من ذلك أن يطل علينا الأمين العام للحزب حسن نصر الله فيعدد لنا إنجازاته، وبالتحديد في عهد ميشال عون ومن قبله إميل لحود، فعن أي إنجاز يجوز الكلام؟؟؟ وهو أفشل وأفسد وأجرم وأخبث عهد عرفه التاريخ، وطبعا تحت غطاء وعباءة المقاومة والممانعين.
ألا يوجد من هؤلاء الممانعين من يعترف بأخطاء الماضي وبالفشل في حكم البلد وتدميره وتغيير وجهه الحضاري إلى أسوا ما يمكن تصوره .
قد يكون بمقدور السياسيين في لبنان التوصل إلى تسوية للحد من الأضرار الناجمة عن الفراغ الرئاسي، ولكن عندما يكون المرشح الوحيد الطبيعي لجبهة الممانعة، مرشحا غير مرغوب فيه بنسبة 85% ولا يمثل دون 1% ، أو عندما يُفرض بالقوة على الشعب اللبناني، ألا يكون الأمر غير منطقي إطلاقا؟
لقد استطاعت الممانعة في الماضي تمرير هذا الاستحقاق بالقوة، ولكن هذه الوسيلة السلطوية لم تعد تمر مرور الكرام، ولم يعد من المقبول أن يوافق مجلس النواب على هذه السياسة التدميرية العمياء.
حقيقة إن منصب الرئيس يعكس توازن القوى، ولكن نحن نرى الفراغ الرئاسي أفضل بكثير من أن يأتي رئيس مومياء أو حجر “داما”، ليكمل القضاء على ما تبقى من اسم دولة، نعم، التعايش مع الفراغ الرئاسي أصبح أفضل من مرشحهم التدميري، وهذه اللعبة التي يلعبونها لن تعني سوى المزيد من تعقيد الأزمة السياسية والمخاطرة بتعميق الانهيار الاقتصادي.
إن السبيل المتبقي لفراغ رئاسي طويل الأمد يكمن في النفوذ القليل الذي تمتلكه القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الحالة اللبنانية لتقليص حدة الاستقطاب الداخلي وتشجيع القادة السياسيين على التفكير في مزايا تغليب التوافق الوطني على عواقب المضي في لعبة فرض الإرادات .
من غير الواضح ما إذا كانت الأدوات التي تمتلكها دول غربية كالولايات المتحدة وفرنسا قادرة بالفعل على فهم العقل اللبناني، بالتالي للأسف الشديد مع هذه المنظومة المجرمة، لا أمل إلا تعميق الشلل السياسي والتفكك المؤسسي.